بلقيس شرارة
التقيت بالمؤرخ البريطاني الأمريكي برنارد لويس في عام 1962 في المؤتمر الذي عقد في القاهرة آنذاك، كان المؤتمر عن العمارة والمجتمع. وقد شارك معماريون عالميون بالاضافة إلى مؤرخين وعلماء الإجتماع، لكي يبحثوا مشاكل البيئة آنذاك التي بدأت تواجه المعماريين من حيث النمو والتطور في المجتمعات النامية.
في اليوم الأخير من المؤتمر، أقيمت حفلة عشاء، كنت جالسة بالصدفة بجانب المؤرخ برنارد لويسBernard Lewis، سألني عن البلد الذي أقطنه، أجبت العراق، فقال: أعرف من العراق المؤرخ عبد العزيز الدوري. قلت: كان عميد كلية الآداب عندما كنت تلميذة في الكلية. اجابني: لقد دّرسته في كلية الدراسات الشرقية في جامعة لندن عام 1938، ثم أضاف كان عبد العزيز الدوري شخصاً متميزاً عن الآخرين. تخرج عام 1940 وحصل على الدكتوراه عام 1942.
كنت أعرف أن برنارد لويس من المؤرخين المهمين في التاريخ الإسلامي، وقد قرأت له آنذاك كتاب العرب في التاريخ Arabs in History، ووجدت تحليله يختلف عما درسناه في المدارس في العراق. فقد حاول ان يركز على التطور الذي حصل عند العرب بالنسبة إلى الهوية والضغط القومي والاجتماعي والإقتصادي، الذي أدى إلى تدمير الممالك العربية وخلق امبراطورية اسلامية. وقد حلل القوى التي أدت بدورها إلى اضمحلال الإمبراطورية وتأثير الغرب.
ولد برنارد لويس في عام 1916 في لندن ودرس وتخصص بالدراسات الشرقية واعتبر من الخبراء في التاريخ الإسلامي والتفاعل بين الإسلام والغرب. وقد خدم كجندي في الجيش البريطاني، والتحق بعد الحرب العالمية الثانية بوزارة الخارجية، قام في التدريس في كلية الدراسات الشرقية للشرق الأوسط وأفريقيا، وكان من المفكرين البارزين الذين كان لهم رأي وموقف كمعلق سياسي أيضاً.
كما قرأت له بعد ذلك كتابه عن الإسلام والغربIslam and the West، الذي يبين العلاقة بين الإسلام والحضارة الغربية، والذي قسم إلى ثلاثة أقسام. القسم الأول يبحث التاريخ والتفاعل بين أوربا والعالم الإسلامي، والثاني يتعلق بالنظرة التي نتجت عند ذلك الإحتكاك، والقسم الثالث يتعلق بموقف وردود الفعل في العالم الإسلامي والأوربي. ومن آخر كتبه (الصراع بين الإسلام والتقدم في الشرق الأوسط).
ونتج عن كتاباته اختلاف معه خاصة من قبل المؤرخين عن الإسلام. حيث يُتهم من أنه أعطى صورة دونية عن الحضارة الإسلامية، واعتبرها اقل مستوى من الحضارات الأوربية، كما ركز بعد 11 أيلول على الخطر الذين يدعو إليه بالجهاد، وكان ينصح المحافظين من الذين يوجهون السياسة في الولايات المتحدة بما فيهم رئيس الجمهورية بوش، وكان من المؤيدين لإحتلال العراق من قبل الجيش الإمريكي عام 2003، كما كان أحد المستشارين لرئيس الجمهورية آنذاك.
واختلف مع الكاتب الفلسطيني الأمريكي أدوراد سعيد في المناقشات التي دارت بينهما، حيث قال عنه أدورد سعيد من أنه صهيوني وفي نفس الوقت مستشرق، حيث اعطى صورة وضيعة عن العرب، وتفسيره الخاطئ للإسلام، وعزز التوسع الإمبريالي للغرب، و اعتبر ان الإستشراق كان وجهاً للإنسانية. وانتهى الصراع بينهما بموت أدوارد سعيد.
كما انه ينكر المأساة التي حدثت في بداية قرن العشرين من تهجيير الأرمن خلال حكم الإمبراطورية العثمانية، وقال انه لم يثبت من ان هنالك دليل على ذلك.
واشتهر في بداية الستينيات من القرن الماضي كمعلق ومحلل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وظهور الحركات الإسلامية المتطرفة.
وقد قال عنه ديك شيني Dick Cheney، وزير الدفاع اثناء رئاسة الإبن بوش: (إن رأيه ونصائحه في هذا القرن مطلوبة من قبل السياسيين وصانعي القرار، ومن قبل رفقائه الأكاديميين في أجهزة الاعلام). وعندما قال مايكل فلن Michael Flynn ، إلى رئيس الجمهورية دونالد ترمب (ان الإسلام كالسرطان) كان يتكلم من خلال كتابات برنارد لويس التي تأثر بها.
كما كان من المشجعين على الحرب على افغانستان التي دامت ستة عشرة عام وانتهت بجلب (الطالبان) الذين من اجلهم حدثت الحرب، كما شجع الحرب على صدام حسين واحتلال العراق.
كانت له علاقات واسعة برؤوساء الدول العربية، فقد كان قريب من الملك حسين ملك الأردن، والأمير حسن بن طلال، ومحمد رضى بهلوي شاه إيران، وأنور السادات، وكان يؤيد علاقات وثيقة بين تركيا وإسرائيل.
كما كان الوسيط غير المباشر بين انور السادات واالزعماء الإسرائيليين، حيث أخبرهم ان السادات يرغب في السلام ولكن رئيسة الوزراء كولدا مَيّر لم تصدق كلامه، الذي أدى بالنتيجة إلى توقيع السلام مع اسرائيل ومن ثم اغتياله. والذي قام باغتياله، القي القبض عليه، حيث كان يصرخ من أنه قتل (الفرعون).
توفي برنارد لويس عام 2018، فقد عاش مئة وعامين.











