TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الإصلاح السياسي في العراق: من شعارات الاستهلاك إلى صناعة التحول البنيوي

الإصلاح السياسي في العراق: من شعارات الاستهلاك إلى صناعة التحول البنيوي

نشر في: 11 سبتمبر, 2025: 12:01 ص

محمد علي الحيدري

الإصلاح السياسي لم يعد خيارًا انتقائيًا أو شعارًا لحشد الدعم عند الحاجة، بل صار ضرورة وجودية لدولة تواجه اختلالات عميقة في بنيتها السياسية، وشرخًا متناميًا بين السلطة والمجتمع، وتآكلًا ملموسًا في ثقة المواطن بمؤسسات الحكم. إنه ليس مجرد تعديل قانوني أو دستوري، بل عملية إعادة تأسيس للعقد الاجتماعي والسياسي الذي ينظم العلاقة بين الدولة والشعب.
الدساتير وُضعت لتعبّر عن إرادة المجتمع وتحقق العدالة التمثيلية، لا لتكون أداة لاستدامة هيمنة سياسية أو محاصصة حزبية. والنظام البرلماني صُمم ليجسّد الديمقراطية التشاركية، لا ليحوّل السياسة إلى صفقات مغلقة، تكرّس السلطة لفئة محددة تحت ستار التوافق. ومن هنا، فإن أولى خطوات الإصلاح تتطلب مراجعة جذرية للإطار الدستوري والقانوني، مع التركيز على آليات تشكيل الحكومة، وتوزيع الصلاحيات، ومبدأ المحاسبة، واستقلالية القضاء.
غير أن الإصلاح لا يقتصر على النصوص القانونية، بل يجب أن يشمل ممارسات الدولة وهياكلها الداخلية. فالتغيير السياسي الحقيقي يبدأ بكسر الحلقة المفرغة التي تربط الفساد بالمحاصصة، والمحاصصة بالشللية، والشللية بالتهميش. ويستلزم إنشاء نظام انتخابي عادل يعكس الإرادة الشعبية تمثيلًا حقيقيًا، بعيدًا عن هندسة القوانين لخدمة مصالح القوى القائمة.
ثمة حاجة ماسة إلى إفساح المجال أمام قيادات جديدة، ومجتمع مدني فاعل، وإعلام مستقل، ومحاكمات علنية للفساد السياسي، كي يشعر المواطن بأن صوته مسموع، وأن القانون يُطبَّق بلا استثناء، وأن الدولة ليست خصمًا، بل حامية لحقوقه.
الإصلاح السياسي في العراق لا يمكن أن يُنجز بعقلية الترميم أو الحلول الجزئية؛ إنه يتطلب خيالًا سياسيًا قادرًا على تخيّل عراق ما بعد الأزمة: عراق بلا طائفية سياسية متجذرة، بلا زعامات أبدية، وبلا نهب منهجي للثروة العامة. فالأزمة ليست في الأشخاص أو الأدوات فحسب، بل في بنية السلطة نفسها.
ومن هنا، فإن التحوّل إلى إصلاح حقيقي يعني الانتقال من خطاب التهدئة إلى مشروع تغيير شامل، ومن منطق الصفقة إلى منطق الدولة، ومن ثقافة الاسترضاء إلى ثقافة المساءلة والمحاسبة. عندها فقط، يمكن للإصلاح السياسي أن يصبح جسرًا نحو دولة حديثة ومستقرة، لا مجرد طوق نجاة لنظام متهاوي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. أحمد عبد الرزاق شكارة

    منذ 3 شهور

    مقال مركز ممتاز عكس الامال والامنيات والرغبة الصادقة في ما يريد كل عراقي بل وإنسان حريص على نقل بلاده من حالة ساكنة او غير مواتية للتقدم إلى مجابهة للتحديات وخلق فرص واعتبار التحديات الداخلية والخارجية فرصا حقيقية للتقدم الجيوسياسي ولكن كيف؟؟

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram