TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > كيف تصنع جامعة في خمس دقائق؟.. دليل الوزارة للمعجزات

كيف تصنع جامعة في خمس دقائق؟.. دليل الوزارة للمعجزات

نشر في: 11 سبتمبر, 2025: 12:03 ص

محمد الربيعي

عجيب امر الافكار الغيبية التي تتحول فجاة الى حقائق لا تقبل النقاش! حسب تصريحات وزير التعليم العالي الاخيرة، كليتا التميز والذكاء الاصطناعي في جامعة بغداد، اللتان استحدثتا حديثا، ستتحول بطريقة عجيبة وسحرية - ودون تخطيط او موارد تذكر - الى جامعة كاملة.
هل حقا نحن في زمن تحول فيه الكليات الى جامعات عبر لمسة زر؟ واذا كنا على هذا القدر من السحر، لماذا تفصل هاتان الكليتان عن الجامعة الام بمشروع مستقبلي ولم تبتدا فيها الدراسة بعد؟ يا لها من عبقرية ادارية تدرس في كتب التاريخ… او على الاقل في قصص الدراما المأساوية!
هذه ليست الا امثلة صارخة على التخبط الذي يعصف بالوزارة، حيث تختصر كل الانجازات في حفلات اعلامية رخيصة واحاديث ميكروفونية لا تكلّف الوزارة شيئا سوى بعض الكلمات الفضفاضة التي لا تترتب عليها اي مسؤولية او حساب.
لماذا لا ننتقل من هذا التمويه الاعلامي الى الحديث الجاد عن انشاء جامعة حقيقة؟ جامعة ببناياتها ومختبراتها واجهزتها واساتذتها، وليس مجرد تلاعب بالاسماء واللافتات. لان الحقيقة المؤلمة هي ان هذه الكليات ولدت من رحم الفراغ، من دون اي تخطيط حقيقي او دراسة سوق عمل او بنايات جديدة. القرار مجرد مزاج عابر ورغبة ضبابية تريد ان تخلق جامعة عبر اقتلاعها من جامعة بغداد، وكان الامر لا يتعدى لعبة تجميع قطع في حديقة اطفال!
والاسئلة تتوالى: اين البنايات الجديدة التي تليق بهذا "التوسع الرائع"؟ اين المختبرات المتطورة؟ ما هي اختصاصات هذه الكلية؟ ام ان كل هذه "الانجازات" جاءت على حساب ما هو موجود، باقتطاع اجزاء من مبان قديمة وترحيل اثاث مهترئ في مسرحية ترقيع لا تجد لها نظيرا الا في قصص الفشل الاداري؟
اين المبررات الاكاديمية والعلمية التي تبرر لهذا الصرح المصطنع اسمه "التميز" ان يتفوق على بقية الكليات؟ ام ان الامر كله مجرد استعراض لأسماء واسلاك تربط اساتذة من اقسام اخرى، ثم تغليف الفكرة بشعار براق على لافتة توحي بالعظمة، في حين ان الواقع ما هو الا فراغ تعليمي معاد تدويره؟
هل يعقل ان تتحول كلية مصطنعة الى جامعة من الهواء؟ جامعة لا سند لها سوى اسم "التميز" الغريب الذي يراد به ان يبعث رسالة ضمنية لكل طلبة الطب والهندسة وغيرهم: انكم ببساطة اقل تميزا، وربما اغبياء لاختياركم التخصصات "العادية"، بينما هنا في "التميز" تخلق العبقرية! يا للمهزلة الكبرى.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. د. طلال ناظم الزهيري

    منذ 3 شهور

    اتفق معك بروف هناك امر غريب يحدث وخطوات متسارعة لا أجد لها مايبررها. والادهى فتح باب التقديم للدراسات العليا بهذه الكليات قبل أن تبدأ الدراسة الأولية. عموما من اقنع الوزير ان علم البيانات و البيانات الضخمة قسمان مختلفان قادر ان يقنعه بأمور أخرى.

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram