TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قرار خبراء الرابطة الدولية لمنع الابادة الجماعية بحاجة لإداة تنفيذية حازمة

قرار خبراء الرابطة الدولية لمنع الابادة الجماعية بحاجة لإداة تنفيذية حازمة

نشر في: 11 سبتمبر, 2025: 12:04 ص

د. أحمد عبد الرزاق شكارة

إن صدور القرار الداعم لمنع الابادة الجماعية في غزة من قبل أعلى وابرز جهة قانونية مشكلة من الخبراء القانويين الكبار ذوي السمعة العالية في النزاهة والاستقلال بعدد اعضاء يصل إلى ما يقارب 550 عضو تعرف بالرابطة او الجمعية الدولية لمنع الابادة الجماعية Association of Genocide Scholars (IAGS) يعد مدعاة للتقدير والاحترام بقدر ما هو بحاجة جدية لإداة تنفيذية دولية حازمة تترجمه من الاطار القانوني النظري إلى مرحلة التنفيذ العملي. لا شك أن قرار الخبراء القانونيين يتسق بل ويستجيب لمعيار التعريف القانوني للإبادة المرتبط بجريمة التطهير العرقي وبإعتباره نتيجة طبيعية للسياسات ولمناح السلوك الاسرائيلي العدائي او العدواني وفقا للمادة الثانية لميثاق منع الابادة والعقاب الجماعي على الصعيد الكوني.
إن ما قامت به اسرائيل (الكيان الصهيوني) من إجراءات عملية في محو مساحة واسعة من الارض الفلسطينية التي تقع تحتل الاحتلال الاسرائيلي منذ 1948 و1967 بالتوازي التام مع التهجير المستمر لاكثر من مليوني فلسطيني اضحوا بين ليلة وضحاها في العراء مساكنهم ومراكز اعمالهم ومصادر رزقهم في حكم المنتهية. إن لغة الارقام لم تعد كافية لإعطاء تصور حقيقي يعبر عن المآساة الانسانية مع ذلك الارقام الاخيرة تجاوزت ال63 الف شهيد فلسطيني واكثر من 167 الف جريح فلسطيني، طبقا للارقام المتوفرة التي اعلنتها وزارة الصحة الفلسطينية. علما بإن هذه الارقام ليست دقيقة نسبيا طالما بقيت الاراضي الفلسطينية مدمرة في غزة بشكل مريع كليا بحيث أن الكثير من الضحايا لازالت تحت الانقاض طالما الحرب في القطاع مستمرة على أشدها. علما بإن الغالبية العظمى منهم من المدنيين مايقارب منهم الثلثين اطفال ونساء.
القرار أكد أن الخبراء القانونيين يقرون بإن اسرائيل ترتكب جرائم مركبة ضد المدنيين (جرائم حرب ـ ضد الانسانية) بصورة بعيدة عن التمييز بين المدنيين والمقاتلين مما يفضح بشكل واضح النوايا العدوانية تجاه جميع الفلسطينيين بقصد تهجيرهم من خلال جعل حياتهم لاتطاق كليا وهذا ما يتبين طوال العامين الماضيين. جميع الجرائم جرى توثيقها إعلاميا بالصوت والصورة ومن خلال ما توفر من وسائل إعلام محدودة ولكنها فاعلة مثل قناة الجزيرة. أخذا بالاعتبار أن الحرب شملت حملات التدمير الكامل والتطهير العرقي - المجتمعي لمناطق اقليمية شاملة سواءا في غزة ممتدة بأتجاه الضفة الغربية التي اعلنت حكومة نتنياهو ومن فريقه اليميني المتطرف مرارا وأخيرا ايضا بأنها مرشحة للضم القسري في القريب العاجل. من هنا، نرى مزيدا ومزيدا من الاستيطان الصهيوني لغزة وللضفة الغربية بحيث لن يبقي من الـ 18 % من الارض الفلسطينية أية مساحة مناسبة يفترض إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة عليها. لذا فإن حل الدولتين الذي طالما أعتبر مرساة النجاة الوحيدة لانقاذ فلسطين وإنهاء المعاناة الانسانية بكل صورها: قتل ـ اغتصاب للارض ولمزارع الزيتون خاصة وأن الارض الزراعية هي محدودة اصلا. لاشك أن مناح الحياة المدنية الانسانية البسيطة المتصورة اضحت مع استمرار المعاناة الانسانية للفلسطينيين حلما مثاليا طالما تتصاعد حملات التدمير المنهج بكل الوسائل المدمرة القاتلة للحياة (لا ماء ولا غذاء، ولا دواء ولا بيئة انسانية صالحة للعيش) بأستخدام احدث تقنيات الحرب من طائرات مقاتلة ودرون بل وحتى تقنية الربوت Robot تزرع بين المباني بحيث تدمّر احياء سكنية كاملة في سبيل الهيمنة على كامل الارض العربية الفلسطينية ضمن مشروع صهيوني توراتي وعملياتي هدفه وفقا لرؤية نتنياهو ورفقائه من المتطرفين الصهاينة بل ومن كل الاتجاهات السياسية الصهيونية دون تمييز.
مشروع اسرائيل الكبرى تسانده الولايات المتحدة الامريكية وبعض قوى الغرب الاوروبي التي وإن اعلن بعضها مؤخرا التزامه بقيام الدولة الفلسطينية في اجتماع الجمعية العامة (80) في ايلول / سبتمبر 2025 ولكن بشروط مجحفة أساسها أن تكون دولة منزوعة السلاح دون اية ضمانة لحماية الشعب الفلسطيني المعرض لمستقبل مجهول طالما تستمر اسرائيل باعتداءاتها اليومية وقضمها للارض. كل ذلك يجعلنا نصل لنتيجة مفادها أن احترام القانون الدولي العام والانساني لم تعد سارية المفعول ولا حتى نظريا طالما بقيت السلطات القضائية الدولية تكتفي بالشكليات المهمة ولكنها لن تكفل للفلسطينيين ولا لغيرهم من سكان منطقتنا الشرق أوسطية سبل الحماية الدولية والاقليمية المناسبة وفقا لأبسط معايير البقاء والتنمية الانسانية المستدامة. إن الدعم المتواصل سياسيا - دبلوماسيا والاهم عسكريا واقتصاديا - استثماريا للدول والشركات الصناعية الكبرى التي لازالت تحتفظ بعلاقتها الوثيقة مع اسرائيل من خلال أمدادها بإحدث تقنيات العصر التي تمتلكها اصلا اسرائيل بمساندة الحليف الستراتيجي الامريكي منذ مراحل سابقة للاحتلال كلها وسائل حيوية لديمومة اسرائيل وكيانها للفصل العنصري الامر الذي لابد من مواجهته بصورة حازمة بكل الوسائل السلمية والقانونية المتاحة والمبتكرة. هنا علينا أن نقر ونوثق كل الادوار الجليلة للمجتمع الدولي التي عبر ويعبر عنها عالميا بمسيرات تستقطب مئات الالاف من سكان المعمورة انتجت ولازالت وعيا ناضجا وردود فعل شعبية هائلة بكل المقاييس.
برغم كل ذلك تبقى الولايات المتحدة الامريكية على رأس قائمة الدول الحليفة جيوسياسيا - في ظل سيادة الحزبين الديمقراطي والجمهوري- تقدم كل الدعم السياسي - الدبلوماسي والاهم العسكري والاستخباري لإسرائيل في انتهاك صارخ للقانون الدولي العام والانساني بل وقد تعد دولا متواطئة مع اسرائيل في جرائمها بخاصة جريمة الابادة الجماعية Genocide. إن افتقاد الادوات التنفيذية الحازمة والرادعة لترجمة نصوص القوانين الدولية والانسانية لحقائق على الارض يوصلنا لمنطقة حرجة معها ندور في حلقة مفرغة من التشخيص النظري لإزمة أنسانية حرجة معها نبقى نقدم مجرد الاستنكار للعدوان الاسرائيلي دون تطوير استراتيجية للردع المناسب بكل الوسائل الممكنة ليس فقط من أجل فلسطين بل من أجل منطقتنا بكل اطيافها الانسانية. مع احتراما وتقديرنا لكل جهد مادي انساني يقدم للفلسطيين وللشعوب الاخرى سواء من الدول العربية والاسلامية وغيرها تبقى الكرامة الانسانية في مهب الريح إن لم تنل الشعوب حق تقرير مصيرها ومستقبلها وعلى رأسها الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة تستطيع ان تدافع عن ذاتها تجاه المخاطر المحدقة بها التي تنتج مجازر لم يعد السكوت عنها مقبولا ولا مناسبا أطلاقا.
يمكن أن تجاهل او السكوت والصمت يعد مدعاة للتواطئ مع منهج سياسة القوة الاسرائيلية لتي تسلب الحقوق والحريات بل حق البقاء بدءا من فلسطين مرورا بلبنان وسوريا وغيرها لاسامح الله إذا لم يتم تدارك ما وصلنا إليه من حالة تخاذل وضعف. الامر الذي يجعلني اردد عبارة تعبر عن حالنا المزري وهي قد ياتي اليوم الذي فيه ـ أكلنا يوم اكل الثور الابيض. إذن هل نبقى مكتوفي اليد وننتظر نتنياهو يفرض إرادته على دولنا أم نثور لكراماتنا ولعزتنا في اراضينا اينما وجدت من خلال بلورة ظاهرة التمكين والتفعيل لكافة أمكاناتنا البشرية والمادية
. أخيرا قول أن كتابة المقال تأتي من الامال او الاماني والطموحات الايجابية التي وددت من خلالها إعلاء رسالة الصرخة المدوية لرابطة الدولية لمنع الابادة الجماعية عالية ومؤثرة ونشرها عالميا، ولكنها في تقديري المتواضع لن تغيير الاوضاع بصورة جذرية طالما يستمر نتنياهو وأتباعه المتطرفين يتبعون سياسة القوة الخشنة المدمرة في معادلة هدفها الهيمنة والتوسع الاقليمي. إذ طالما تبقى جهودنا الانسانية سواء الفردية او الجزئية الجليلة والمهمة نسبيا على صعيد إذكاء الوعي بالمآساة الانسانية لإهلنا في غزة ومنها هدف كسر المقاطعة الصهيونية لأيصال المساعدات الانسانية (تجسدت بصور متنوعة ومنها حملات السفن البحرية الاخيرة) بعيدة عن مرحلة التضامن الحقيقي العالمي الشعبي والدولي يخفق في محاسبة ومعاقبة المعتدي الاسرائيلي بكل الطرق والوسائل القانونية والسلمية. لذا يجب علينا شعوبا، حكومات ومنظمات دولية حكومية وغير حكومية مواجهة المخاطر الراهنة والمستقبلية في مرحلة شعارها التمكين والردع وإلا سنواجه مستقبلا يهدد النظام الاقليمي - العربي والاسلامي بل والدولي نتيجة لضعف الارادة في أتخاذ القرارات والاجراءات التنفيذية المناسبة لحماية بلادنا ما يتسبب في تراجع معدلات التنمية الانسانية المستدامة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. احمد عبد الرزاق شكارة

    منذ 3 شهور

    احث الجميع للتمعن في المقال التداعيات مع خالص تقديري واحترامي.. أحمد عبد الرزاق شكارة

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram