محمد علي الحيدري
أعلنت المحكمة العليا الإيرانية في 13 سبتمبر 2025 نقض أحكام الإعدام الصادرة ضد ستة متظاهرين في قضية "أكباتان"، المرتبطة باحتجاجات أكتوبر 2022 في أحد الأحياء السكنية بطهران، حيث شهدت المواجهات بين المتظاهرين وقوات الأمن صدور أحكام قاسية أثارت جدلاً واسعاً داخل إيران وخارجها. يمثل قرار النقض خطوة تتجاوز مجرد تعديل قضائي، إذ يمكن قراءته كمؤشر على محاولة إعادة التوازن بين آليات السيطرة الحكومية والحاجة إلى تعزيز الثقة العامة في المجتمع، في وقت يشهد النظام توترات داخلية متصاعدة، بعد فترة طويلة شهدت خلالها إيران تحولات سياسية واجتماعية كبيرة أعادت صياغة المشهد الداخلي.
من الناحية السياسية، يأتي القرار في سياق دقيق يوازن بين الضرورات الأمنية والمطالب الاجتماعية. الاحتجاجات التي اندلعت بعد وفاة مهسا أميني كشفت عن فجوة عميقة بين الدولة والمواطنين، مع فرض اعتقالات وأحكام صارمة لردع أي تكرار. ومع ذلك، فإن استمرار مثل هذه الأحكام قد يزيد شعور الظلم ويهدد شرعية النظام داخليًا. بإلغاء الأحكام، يظهر الجهاز القضائي – الذي يواصل لعب دوره الحيوي في ظل التحولات السياسية المستمرة – مرونة محسوبة، ربما كرد فعل للضغوط الاجتماعية أو كجزء من استراتيجية لتهدئة التوترات قبل الاستحقاقات الداخلية المقبلة. وهذا لا يشير إلى تحول جذري في السياسة العامة، بل إلى تعديل تكتيكي يحافظ على جوهر السيطرة مع إضفاء طابع من الإنصاف الظاهري.
على الصعيد الداخلي، يمكن أن يسهم هذا القرار في إعادة بناء بعض الثقة في آليات العدالة، خصوصًا بين الشباب والفئات الأكثر نشاطًا خلال الاحتجاجات. في دولة تعتمد على توازن دقيق بين الولاء الأيديولوجي والحاجات اليومية، يمثل تخفيف الأحكام خطوة قد تحد من خطر تصعيد التوتر الاجتماعي، المتفاقم بسبب التحديات الاقتصادية مثل أزمة الكهرباء والعقوبات الدولية. ومع ذلك، يظل السؤال مفتوحًا: هل هذا القرار إجراء معزول، أم أنه يمهد لمراجعة أوسع للقضايا المماثلة؟ إذا كان الإجراء منفردًا، فقد يُقرأ على أنه محاولة لامتصاص الغضب دون تغيير جوهري؛ أما إذا امتد ليشمل حالات أخرى، فقد يشير إلى تحول تدريجي في النهج السياسي نحو دمج أكبر لصوت المجتمع. في كلا الحالتين، يعكس القرار وعياً بأن الاستقرار لا يُبنى على القمع وحده، بل يتطلب مزيجاً من الردع والحوار غير المباشر.
دولياً، يحمل نقض الأحكام دلالات إضافية في ظل الضغوط المستمرة على إيران بشأن حقوق الإنسان، خاصة بعد تداعيات حرب الـ12 يومًا الأخيرة التي أسهمت في ارتفاع مستويات التوتر الإقليمي، وأظهرت هشاشة الاستقرار على الحدود، مما يضع السلطات أمام تحدٍ مزدوج: إدارة الضغط الداخلي وخطر تجدد التصعيد العسكري الخارجي. إضافة إلى ذلك، يظل الملف النووي في حالة مأزق، مع ضغوط دبلوماسية غربية متصاعدة، ما يجعل أي تحرك داخلي مرتبط بالحقوق المدنية مؤشرًا على قدرة إيران على الموازنة بين الاستقرار الداخلي وإدارة الضغوط الدولية. احتمالات تجدد الحرب تشكل عاملاً حاسمًا، إذ أن أي تصعيد خارجي قد يزيد من الحدة الداخلية، ويجعل القرارات القضائية والسياسات التكتيكية أدوات ضرورية للحفاظ على شرعية النظام وتقليل مخاطر الانفجار الاجتماعي.
منظمات دولية مثل هيومن رايتس ووتش والأمم المتحدة سجلت ارتفاعًا في الإعدامات خلال السنوات الأخيرة، ما يجعل هذا القرار موضع ترحيب مشروط. من منظور محايد، يمكن تفسير القرار كإشارة إلى أن طهران تدرك أهمية الرد على الانتقادات الدولية، خصوصًا في سياق جهود تحسين العلاقات مع الغرب حول الملف النووي أو تخفيف العقوبات الاقتصادية. الهدف ليس الدفاع عن سياسات معينة أو مهاجمتها، بل الاعتراف بأن هذه الخطوة قد تمنح النظام هامشًا أوسع للمناورة على الساحة الدولية، مع التحدي المستمر في ضمان أن تكون جزءًا من نمط متسق لا مجرد استجابة ظرفية، خصوصًا في ظل بيئة إقليمية قد تشهد تجدد النزاع العسكري.
في المحصلة، يمثل نقض أحكام الإعدام فرصة للتفكير في كيفية توازن الدولة بين حماية أمنها الداخلي وتعزيز شرعيتها الاجتماعية في ظل ضغوط داخلية متصاعدة ومخاطر إقليمية واضحة، بما في ذلك احتمالات تجدد الحرب على الحدود. القرار ليس انتصارًا كاملًا لأي جانب، ولا هزيمة لأي آخر، بل تذكير بأن السياسة في مثل هذه السياقات تعتمد على القدرة على التكيف دون فقدان الجوهر. نجاح هذا النهج قد يسهم في بناء مستقبل أكثر استقرارًا، بينما إذا ظل حدثًا منفصلًا، فقد يُعيد إنتاج دائرة التوتر السابقة. في النهاية، مراقبة ما سيأتي بعد هذا القرار ستحدد مدى قدرته على إضفاء إنصاف حقيقي واستدامة الاستقرار الداخلي، في ظل التحديات الداخلية والخارجية المتشابكة.










