بغداد / جنان السراي
لم يكن الدبس يومًا مجرد مادة غذائية على موائد العراقيين، بل رمزًا للذاكرة الشعبية والريفية وارتباطًا وثيقًا بالنخلة العراقية. لكن هذا الرمز يواجه اليوم خطرًا غير متوقع، بعدما تمكنت شعبة الرقابة الصحية في قطاع الخالص، بالتنسيق مع مديرية مكافحة الجريمة المنظمة، من ضبط معمل وهمي لإنتاج مادة الدبس يفتقر إلى أبسط الشروط الصحية، ما يشكّل تهديدًا مباشرًا لصحة المواطنين.
المعمل، وفق ما أظهرت الفحوصات الميدانية، كان يفتقر للنظافة الأساسية وشروط التخزين، ما دفع الفرق الصحية إلى اتخاذ إجراءات عاجلة بإغلاقه ومصادرة كميات الإنتاج غير الصالح للاستهلاك.
مدير الرقابة الصحية في قطاع بعقوبة الثاني ورئيس وقائيين أقدم، سعيد شكر محمود، قال خلال حديثه لـ"المدى" إن "الكشف عن هذا المعمل جاء استنادًا إلى توجيهات المدير العام لدائرة صحة ديالى، الدكتور حيدر الأمجد، الذي شدّد على ضرورة تكثيف الحملات التفتيشية والتثقيفية للحد من انتقال الأمراض المرتبطة بالماء والغذاء".
وأضاف أن الفرق الرقابية نفذت خلال الشهرين الماضيين أكثر من 62 حملة مشتركة مع مفارز الجريمة المنظمة والبيطرة والأمن الوطني، أسفرت عن فرض غرامات تجاوزت 15 مليون دينار على المحلات المخالفة، وسحب 489 نموذجًا من المواد الغذائية لإجراء الفحوصات، فيما أُحيلت 183 محلًا إلى المحاكم المختصة، وأُتلفت أكثر من 5 أطنان من المواد الفاسدة وفق محاضر أصولية وبحضور أصحاب العلاقة.
رغم هذه الجهود، يواجه أصحاب العمل والمشاريع الخاصة معوقات مستمرة، أبرزها الإجراءات المعقدة لمنح الإجازات الصحية.
قال محمود: "نطالب بتبسيط الإجراءات، إذ يُشترط على أصحاب المحلات الحصول على موافقات من جهات لا علاقة لها مباشرة بالصحة مثل الزراعة أو الاتصالات أو البيئة، إضافة إلى فواتير الماء والكهرباء والضمان الاجتماعي، ما يدفع الكثير من المحلات للعزوف عن استكمال الإجراءات".
وأضاف: "الأولوية يجب أن تكون للشروط الصحية فقط، فهي الضمان الحقيقي لحماية المواطنين، أما بقية التعقيدات الإدارية فتتحول إلى عبء يشبه الجباية".
وفي حديث خاص لـ"المدى"، قالت سناء حسن، امرأة تعمل من منزلها في بيع الأكلات الشعبية مثل الكبة والدولمة: "غياب الدعم الحكومي وارتفاع أسعار إيجار المحلات يدفع المئات منا للعمل من منازلنا، باستخدام مواد بسيطة ومتاحة، رغم صعوبة المنافسة ومعايير الصحة المطلوبة أحيانًا".
وأضافت: "نحاول الحفاظ على جودة الطعام وسلامة المستهلكين قدر الإمكان، لكن بدون تسهيلات أو دعم، كثير من المشاريع الصغيرة تواجه خطر الإغلاق أو العمل بشكل شبه خفي".
في المقابل، حذّر الناشط المدني صادق الربيعي من انتشار المعامل الوهمية التي تنتج مواد غذائية أساسية مثل الدبس دون رقيب أو محاسبة حقيقية.
وقال الربيعي لـ"المدى" إن "غياب الرقابة الصارمة في بعض المناطق، واستغلال حاجة المواطنين لأسعار أقل، يشجع ضعاف النفوس على تسويق منتجات غير مطابقة للشروط"، مضيفًا أن "المواطن البسيط هو الضحية الأولى، إذ يدفع من صحته ثمن الفوضى الإدارية والاقتصادية"، داعيًا إلى إعلان نتائج الحملات الرقابية بشكل دوري للرأي العام، لتكون رادعًا ووسيلة للشفافية.
أصحاب المشاريع الصغيرة يعانون التعقيدات الإدارية رغم الجهود الرقابية

نشر في: 17 سبتمبر, 2025: 01:10 ص









