ميسان / مهدي الساعدي
تشهد أعداد حيوان الجاموس في العراق عموماً وفي محافظة ميسان على وجه الخصوص تناقصاً كبيراً جداً في مناطق تربيتها، ضمن الرقعة الجغرافية في قرى وأرياف المحافظة، خصوصاً المناطق المحاذية للأهوار والقريبة منها عند ذنائب الأنهار تحديداً في الآونة الأخيرة، ويُرجع السبب إلى أزمة الجفاف الحادة التي تشهدها البلاد عموماً ومناطق الأهوار على وجه الخصوص، وفي مقدمتها أهوار ميسان.
نفوق أعداد كبيرة من الجاموس بسبب الجفاف والهلاك في مستنقعات الوحل الناتجة من انحسار المياه في منخفضات صغيرة بعد أن تعلق فيها ولا تستطيع الحركة، كما أن بيع أعداد أخرى بأسعار أقل من كلفة تربيتها، الأسباب الأبرز التي تُعلّل نقصان الحيوان الأهواري. وكانت من ضمن تجليات تلك الأسباب قلة الأعلاف وارتفاع أسعارها وموت النباتات المائية التي تمثل غذاء الجاموس الرئيسي، أضف إلى ذلك ارتفاع نسب التلوث والملوحة في المياه، وكلها أسباب ظهرت بسبب المشكلة الرئيسية المتمثلة بجفاف المساحات الكلية للأهوار.
أيقونة الأهوار
يُعتبر حيوان الجاموس أيقونة الأهوار وإحدى أهم مميزاتها، ورافق سكان الأهوار في جميع محطاتهم، ولكن الجفاف كانت له كلمة أخرى. وعن الواقع الذي تشهده مناطق أهوار محافظة ميسان وتعرض حيوان الجاموس للخطر، أكد مدير زراعة المحافظة، المهندس ماجد جمعة، لصحيفة (المدى) أن “الجاموس حيوان مهم ويحتاج أن يعيش قرب مصادر المياه، لكن الظروف الحالية التي يعيشها البلد بصورة عامة وميسان على الخصوص أدت إلى صعوبة عيشه، نتيجة عدم توفر مياه الشرب للسكان أو للجاموس نفسه أو للحيوانات الأخرى، وتوجه أغلب المربين لشراء المياه من مراكز المدن لأرواء عطش الحيوانات بالإضافة للاستخدامات البشرية الأخرى”.
موضحاً: “تمر محافظة ميسان بشحة ماء كبيرة جداً مضاف لها إجراء حملات شديدة من قبل وزارة الموارد المائية لقطع مصادر المياه عن عموم المشاريع الإروائية، على الرغم من أنها محافظة زراعية، وتبلغ نسبة من يمتهنون الزراعة وتربية الحيوانات وصيد الأسماك في مناطق قريبة من الأهوار والبرك والمستنقعات 65%”.
إحصائيات
تداولت مواقع إعلامية إحصائيات غير رسمية بيّنت تناقص أعداد حيوان الجاموس في ميسان منذ عدة أعوام، وبدأ تسليط الضوء على هذا التناقص التدريجي منذ عام 2022. كما كشفت الإحصائيات التقريبية التي اطلعت عليها صحيفة (المدى) وصول أعداد حيوان الجاموس إلى 100 ألف جاموسة بعد أن كانت أعدادها تصل إلى 250 ألفاً، وصولاً إلى شهر آذار من عام 2024 حيث بدأت الأعداد تتناقص عن آخر رقم وقفت عنده لتصل أعدادها إلى 74 ألف رأس فقط.
فيما أكدت مديرية زراعة محافظة ميسان انعدام وجود إحصائيات دقيقة لأعداد الجاموس في الوقت الحالي في مناطق المحافظة بسبب افتقارها كمديرية إلى أبسط مقومات استمرارية العمل والمتابعة، والناتج من قلة الدعم الحكومي لها.
الجاموس الفراتي
أكد ناشطو البيئة والمهتمون بالشأن الأهواري في ميسان أن الجاموس الذي يعيش في الأهوار والمهدد حالياً بالاختفاء بسبب الجفاف يُعد من أفضل الأنواع والأصناف العالمية لميزاته النادرة. وفي هذا الصدد، بيّن الناشط البيئي والمستكشف أحمد الساعدي لصحيفة (المدى) أن “الجاموس الفراتي من أجود أنواع الجاموس في العالم، وفي الأهوار العراقية تتواجد الأنواع الأفضل من الناحية الإنتاجية والولادات والتكاثر، ويختلف بشكل كبير عن الجاموس في المناطق الأخرى ومنها الشمالية، وتعود أسباب الأفضلية إلى البيئة ووفرة المياه والغطاء النباتي والأعلاف التي يُحبّذها هذا النوع من الحيوانات وتكون من الغذاء الطبيعي والمنظم وبشكل يومي، مما يساعد على الوفرة في إنتاجه للحليب وزيادة وزن الحيوان والشكل الجمالي له أيضاً”.
مؤكداً لصحيفة (المدى) أنه “ظهرت حالات التناقص في أعداد الجاموس في قرى ومناطق أهوار ميسان، وبشكل كبير وعلى طيلة السنوات الماضية، وهذا يأتي لعدة اعتبارات، أولها ولادة الجاموس لمرة واحدة فقط في السنة، ونادراً ما تحصل ولادات توأمية فيه، أي بمعنى آخر يحصل المربي على رأسين من الجاموس لكل ثلاث سنوات”.
مشيراً: “كما تُعَدُّ متطلبات تربية هذا الحيوان جزءاً آخر من أسباب نقصان أعداده أيضاً، كونها متطلبات صعبة التوفير وسط الجفاف وقلة الأعلاف، كونه يحتاج إلى ما يقارب 80 كغمًا من الأعلاف يومياً و150 لترًا كحد أدنى من المياه، كي يستطيع ممارسة حياته الطبيعية ويُبدي إنتاجاً طبيعياً”.
مؤشر خطير
تناقص أعداد الجاموس في أهوار ميسان لم تكن حالة خافية عن أعين المنظمات البيئية والناشطين في المحافظة، الذين أجمعوا على اعتبار تلك الحالة مؤشراً خطيراً نتج عن الجفاف والتغيرات المناخية، مما يَحتِّم على المهتمين بهذا الشأن إعداد خطط طوارئ لتفادي أكبر قدر ممكن من الخسائر. وأكد رئيس منظمة أبناء الأهوار حيدر عدنان لصحيفة (المدى): “نحن كمنظمات وناشطين نعمل في المجال البيئي، نجد أن تناقص أعداد الجاموس يُعتبر مؤشراً خطيراً جداً ومن المؤشرات البيئية والمناخية التي شهدها بلدنا خصوصاً المناطق والمحافظات الجنوبية، وتعرض مربيه أيضاً إلى ظروف صعبة جداً ومؤلمة أدت إلى انخفاض المستوى المعيشي بسبب شحة المياه”.
وبيّن عدنان أن “هذا النوع من الحيوانات يحتاج إلى مناطق رطبة على طوال العام، وتختلف عن باقي الحيوانات الأخرى لمناطق الأهوار مثل الأبقار والأغنام وقدرتها على مواجهة الظروف المناخية الصعبة، لذا نرى أنها تعرضت إلى إبادة بشكل كبير، مرة لنفوقه بسبب ارتفاع ملوحة المياه الضحلة نتيجة انخفاض المناسيب والجفاف، ومرة أخرى لفقدانه المصادر النباتية والعشبية التي تتغذى عليها”.
نداءات استغاثة
مصادر إعلامية محلية ومواقع تواصل اجتماعي نقلت نداءات أطلقها ناشطون بيئيون للحكومة من أجل الحفاظ على أيقونة الأهوار، منها نداء الناشط البيئي والأهواري مرتضى الجنوبي للحكومة والمنظمات الدولية واطلعت عليها صحيفة (المدى) جاء فيها: “أنقذوا الجاموس قبل أن يُمحى من ذاكرتنا كما يُمحى من مياهنا، فالحفاظ على التراث لا يعني تسجيله فقط، بل حمايته ليبقى حيًا بيننا”.
دعوات المهتمين بالجانب البيئي للحكومة والجهات المعنية كانت حاضرة بدعم مربي الجاموس الذين خسروا قطعانهم بسبب سوء إدارة ملف المياه، الأمر الذي كلفهم كثيراً. وفي هذا الصدد يشدد الناشط البيئي حيدر عدنان لصحيفة (المدى) أن “الكثير من المربين باعوا ما تبقى من قطعان الجاموس التي كانوا يمتلكونها بسبب ظروف الجفاف القاسية، ونزحوا عن أماكن سكناهم بحثاً عن مهن أخرى تكون كفيلة بعيش عائلاتهم، وعلى الحكومة تحمّل مسؤوليتها بدعم هذه الشريحة من مربي الجاموس بسبب خسائرهم الكبيرة الناتجة عن الجفاف وعدم توفير المياه”










