ترجمة: عدوية الهلالي
في فيلمه "طريق الأفعى"، وهو ثالث أفلامه التي صدرت هذا العام، يقدم المخرج قصة أبٍ مُثقلٍ بالحزن يقف في وجه الشر المُطلق. وينتهي الفيلم بنهاية مُربكة...
لا أحد يُبقي كاثرين دونوف مُنتظرة. لا أحد، سوى كيوشي كوروساوا، الذي امتثل في ذلك اليوم، بأدبٍ بالغ، لمقابلة معها، وعندما لمحت المخرج الياباني. قالت النجمة الفرنسية لوكيل أعمال كيوشي كوروساوا: "سأنتظر، سأنتظر، أنا أعشقه". ولكن من هو هذا الرجل النبيل البالغ من العمر 69 عامًا، والذي لا تربطه صلة قرابة بكوروساوا الآخر في السينما اليابانية، أكيرا كوراساوا)، من هو هذا الرجل الأنيق والبسيط، الذي يُبقي كاثرين الشهيرة مُنتظرة؟ إنه أحد أعظم مخرجي الأفلام في اليابان. وينتمي إلى الجيل الذي ضمّ سوغو إيشي وشينيا تسوكاموتو، وقد أنتج أفلامًا من نوع أفلام الرعب والعصابات والإثارة، منذ سبعينيات القرن الماضي فصاعدًا.
اشتهر عالميًا لأول مرة عام ١٩٩٧ بفيلم "Cure"، وهو فيلم رعب مُربك، يرتكب فيه أفراد عاديون جرائم تحت تأثير قاتل متسلسل ساحر. ثم تبدأ أعمال كيوشي كوروساوا السينمائية، بجذب انتباه النقاد والجمهور.
يقول: "أحب أن أرسم شخصية عادية وأواجهها بالغرابة. فالشر والعنف يُصيبان الناس كالفيروسات. فهل نستطيع المقاومة؟".. هذه الأسئلة تتغلغل في اعماله السينمائية. كما يُناقش كوراساوا الشك، الذي ينخر في جميع أبطاله كالسم. يقول: "هذا موضوعي الرئيسي الآخر. فإلى أي مدى يمكننا أن نثق بإنسان آخر؟ في الواقع، تنشأ المآسي عندما تُفقد الثقة. هذا ما تلتقطه كاميرا افلامي."
من أبرز أعماله فيلم "كاريزما" (1999)، وهو فيلم إثارة غريب مستوحى من حكاية بيئية، وفيلم "كايرو" المرعب (2001)، الذي يتنبأ بانتشار الشر عبر الإنترنت مع بزوغ فجر التقنيات الجديدة؛ وفيلم "قنديل البحر" الحالم (2003)، حيث يدعونا قنديل بحر شديد السمية إلى عالم قوى الشر؛ وفيلم الدراما العائلية القمعي "طوكيو سوناتا" (2008)؛ وفيلم "إلى الشاطئ الآخر" المقلق (2015)، وهوعن قصة أشباح وقد حاز على جائزة "نظرة ما" لأفضل مخرج في مهرجان كان السينمائي. ثم فيلم الإثارة الدامي "مخيف" (2016)...وفي عام 2020، حاز على جائزة الأسد الفضي في مهرجان البندقية السينمائي عن فيلم "العشاق المُضحَّى بهم"، وهو فيلمه الكلاسيكي الأبرز، والذي يستكشف التجارب التي أجراها اليابانيون على عينات بشرية من غينيا في منشوريا في فجر الحرب العالمية الثانية.
في هذا العام، يقدم المخرج فيلم "كلاود"، وهو فيلم إثارة حماسي. يقول عنه "لا أعتقد أن الحب سينقذ العالم، فالشر يواجه الشر ". كما يقدم فيلم "طريق الأفعى"، وهو فيلم إثارة تدور أحداثه على خلفية الاتجار بالأطفال.لقد أصدر هذا العام ثلاثة أفلام. فيلم روائي طويل بعنوان "كلاود" (في حزيران)، وهو فيلم إثارة حماسي يروي قصة تاجر مخدرات عبر الإنترنت يُنفذ سلسلة من عمليات الاحتيال حتى يطارده حشد من الزبائن الساخطين، الذين تجمعوا عبر الشبكة المظلمة، لقتله؛ وفيلم متوسط الطول بعنوان "تشايم" (في آيار)، حيث يتحول مُعلم طبخ من طوكيو إلى قاتل بعد سماعه صوتًا شريرًا؛ وفيلم "طريق الأفعى"، وهو إعادة إنتاج لأحد أفلامه، "طريق الأفعى" (1998)، والذي بدأ عرضه في دور العرض مع مطلع أيلول، بطاقم تمثيل فرنسي جزئيًا (ماتيو أمالريك، داميان بونارد، وغيرهما)، وهو قصة هلوسة في ظلام دامس، تدور أحداثها حول أب عازم على الانتقام لمقتل ابنته.
يُقدّم فيلم كلاود صدىً قاتمًا لفيلمه "قبل أن نختفي" الذي صدر عام (2017)، فهو يروي قصة كائنات فضائية تغزو الأرض بامتصاص مشاعر البشر، الذين يذوون بفقدانها. ثم تُنقذ امرأة الكوكب بتقديم الحب لهم، انها التضحية القصوى: فالكائنات الفضائية، بعد أن أصبحت عاطفية، تترك البشر في سلام، لكنها في النهاية مجرد صدفة فارغة.
من ناحية أخرى، ينتهي فيلم كلاود برؤية كارثية لغيوم تحجب الأفق بالظلام، فالبشرية محكوم عليها بالجحيم، والمرأة الوحيدة في فيلم الإثارة شريرة كأي امرأة أخرى. ففي فيلم كلاود، لا يوجد حقًا أي أخيار. لأن الشر يواجه الشر بأشكال متعددة. وفي هذا السياق، تصبح النهاية السعيدة مستحيلة."
ويتنبأ كيوشي كوروساوا بشرور الإنترنت في فيلم "كايرو"و" كلاود". وهو مايجري أيضا في فيلم "طريق الأفعى"، وهو فيلم دموي يتناول الأطفال على خلفية تجارة الأعضاء، ويجعل الإنترنت يكشف عن غرائزنا الأكثر لعنًا. لكن في فيلم "كلاود"، يقع البطل في الحب. وفي فيلم "طريق الأفعى"، يقف أبٌ مفجوعٌ في وجه الشر المطلق، ويسعى ألبرت (داميان بونارد)، الذي قُتلت ابنته بوحشية، للعثور على الجاني. بمساعدة محلل نفسي ياباني (كو شيباساكي)، يتتبع أثر رجل (ماتيو أمالريك)، ثم آخر، ويكشف عن منظمة شيطانية تقتل الأطفال. لكن أين يكمن الشر حقًا؟ يُظهر كيوشي كوروساوا براعته في الفيلم من خلال مشاهد قاتمة، وتوتر مكتوم، ورعب في خضم أحداث الفيلم)، مما يؤدي إلى نهاية مُربكة تمامًا. ربما يكون ذلك مبالغًا فيه بعض الشيء، لكن الانطباع الذي يتركه عميق.
فهل يكون الحب هو الحل للعنف الذي يفاقمه الإنترنت؟...يقول المخرج: "لا أعتقد أن الحب سينقذ العالم. لا شيء سيفعل. لكن في السينما، يمكننا أن نجعل الناس يعتقدون أن الحب قادر على إنقاذنا. إنها فكرة أود الاستمرار في إيصالها، حتى لو لم أعد أؤمن بها"..
كيوشي كوروساوا، سيد الخوف في السينما اليابانية

نشر في: 18 سبتمبر, 2025: 12:12 ص









