علي بدر
هكذا هو رياض نعمة في معرضه الجديد يقدم سلسلة من الأعمال التي تنطلق من صورة بسيطة لسترة عسكرية فضفاضة، لتتحول إلى استعارة بصرية واسعة: أجساد صغيرة محمّلة بمهمات أكبر من حجمها، تمامًا كما هو حال مجتمعاتنا التي تفرض عليها أعباء وسياسات لا تشبهها. في هذه اللوحات، نرى أجسادًا تائهة في أثواب أكبر من مقاسها، وخطوطًا مشدودة، وألوانًا داكنة – البنفسجي والرمادي والأسود – تصرخ من فوق القماش، لتفضح العبث الذي لم يعد خفيًا بل صار مرئيًا.
لكن هذا المعرض ليس سوى حلقة في مشروع نعمة الطويل. فالفنان الذي اعتاد أن يشتغل على ثيمة القناع والمهرج، يواصل هنا نقده للإنسان المقهور في مجتمعات تلزمه بوجه خارجي مفروض، فيما وجهه الداخلي يظل مقموعًا أو صامتًا. عنده، اللوحة كائن حي، تحمل قلق الحياة اليومية وسخريتها، وتعبّر عن ازدواجية الإنسان بين ما يظهر وما يخفيه.
اللون هو سلاح رياض نعمة الأول. ضرباته القوية تشبع العين بالحركة، وألوانه الفخمة ليست زينة، بل طاقة وجدانية تجعل اللوحة تجربة حسية مباشرة. إنه فنان يعرف أن الفخامة ليست ترفًا، بل ضرورة كي نسمع صوت العمل في عالم مشبع بالضوضاء. لذلك تدخل لوحاته في صلب العين بلا وساطة، وتستفز المخيلة لتكمل حكايتها الخاصة.
معرض "Oversized" إذن هو إعلان جديد عن حضور نعمة، لكنه أيضًا نافذة لفهم مشروعه الأوسع: مشروع يضع الفن في مواجهة العالم، لا كلوحة جميلة تعلّق على جدار، بل كنوع من المحاكمة الرمزية للتجربة الإنسانية. وهنا، وسط أزمات بيروت السياسية والاقتصادية، تبدو أعماله كأنها شهادة بصرية على مفارقات الإنسان المعاصر: لوحات ثقيلة بالمعنى، خفيفة بالحركة، مليئة باللون والقلق والفخامة. رياض نعمة ليس مجرد فنان معاصر، بل صوت بصري بارز، يحوّل القلق الشخصي إلى لغة لونية مشتركة، ويجعل من كل معرض محطة جديدة في كتابة حكاية الإنسان بلغة العاطفة واللون.










