محمد علي الحيدري
في الساحة السياسية العراقية، يبدو المشهد الشيعي معقدًا ومتعدد الأوجه، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بالانتخابات. الجدل الراهن حول المشاركة أو المقاطعة ليس مجرد خيار تقني، بل يعكس صراعًا عميقًا بين القيم والمصالح، بين الرغبة في الإصلاح والمخاوف من الاستغلال، وبين حماية التمثيل ومواجهة الفساد.
المشاركون في العملية الانتخابية يطرحون حجة واضحة: المشاركة تمنح المجتمع الشيعي فرصة للتأثير، لتعديل السياسات، ولإحداث الإصلاح من الداخل. مقاطعة الانتخابات، من هذا المنظور، ليست وسيلة للتغيير، بل قد تؤدي إلى غياب صوت الشيعة عن البرلمان، ما يترك المجال للآخرين لإعادة إنتاج الوضع نفسه. هؤلاء يرون أن الانخراط في العملية السياسية، رغم عيوبها، هو الطريق الواقعي لتحقيق إصلاح تدريجي، وأن العمل من داخل المؤسسات يتيح مراقبة الأداء، وضبط المسار، وتعزيز الرقابة الشعبية على النواب والكتل.
في المقابل، يرى المقاطعون أن المشاركة في انتخابات تتحكم فيها شبكات الفساد لا تمنح سوى الشرعية لهؤلاء الفاسدين. المقاطعة، بحسبهم، هي موقف حاسم ورسالة قوية للمجتمع والسياسيين على حد سواء: أن استمرار الفساد لا يمكن التساهل معه، وأن المشاركة العشوائية لن تنتج إلا استمرار الأوضاع القائمة. بالنسبة لهم، المقاطعة تعبر عن رفض استسلام المواطن للأنظمة الحزبية المتنفذة، وتضع المسؤولية على الطبقة السياسية لتقديم بدائل حقيقية قائمة على النزاهة والكفاءة.
هذه الجدلية ليست فريدة بالعراق، لكنها هنا تصبح حادة بسبب تراكم التجارب المؤلمة من سيطرة الولاءات الضيقة والمحاصصة على القرار السياسي. فالمشهد الانتخابي الشيعي يعكس صراعًا بين واقعية العمل من داخل المؤسسات وأخلاقية رفض الظلم والفساد، بين المشاركة التي قد تُثمر نتائج محدودة وبين المقاطعة التي تحمل رمزية عالية لكنها قد تُضعف التمثيل السياسي.
الحل الوسط يظل صعبًا، لكنه ليس مستحيلاً. يمكن التفكير في استراتيجيات تجمع بين المقاطعة الانتقائية للكتل المعروفة بالفساد، والدعم الانتخابي الموجه للبرامج والأشخاص الذين يقدمون رؤية إصلاحية واضحة. وهذا يتطلب وعيًا سياسيًا حقيقيًا وثقافة انتخابية تسمح بتقييم الأداء والمساءلة، لا بالالتزام الأعمى بالمواقع أو الموروثات الحزبية.
في النهاية، تبقى المشاركة والمقاطعة أدوات سياسية، لا غاية بحد ذاتها. كل منهما يحمل مخاطره وفرصه، وكل منهما يعكس موقفًا أخلاقيًا واستراتيجيًا تجاه المستقبل. التحدي الأهم للمجتمع الشيعي هو تطوير آليات لتقييم الخيارات السياسية بموضوعية، لضمان أن أي قرار يُتخذ، سواء بالمشاركة أو المقاطعة، يحقق مصلحة جماعية حقيقية، ويحول الاختلاف إلى قوة دافعة نحو الإصلاح، لا إلى سبب للانقسام والضعف.










