بغداد/المدى
تُعاني أحياء قضاء السماوة، مركز محافظة المثنى، من أزمة خانقة في قطاع النقل الداخلي، بعد أن افتقدت المدينة مرآبًا منظّمًا يُخصص لانطلاق سيارات الأجرة نحو الأحياء والمناطق المختلفة. هذه المشكلة تفاقمت منذ أن تم إبعاد سائقي الخطوط من موقعهم القديم وسط القضاء بسبب تنفيذ أحد المشاريع الحيوية في مركز المدينة، ليجد السائقون أنفسهم متناثرين في أماكن متفرقة، يركنون مركباتهم في أزقة ضيقة أو شوارع مزدحمة. وهو ما انعكس بشكل مباشر على حركة السير وزاد من معاناة المواطنين اليومية.
في السابق، كانت الساحة العامة وسط السماوة تشكل نقطة انطلاق رئيسية ومرجعًا معلوماً لكل من السائقين والركاب. إلا أنّ المشروع الجديد الذي أُنجز في المنطقة ألغى هذا الموقع، من دون أن ترافقه حلول بديلة تعوّض الفراغ. واليوم، تبدو الصورة أكثر ارتباكًا: سيارات متفرقة تصطف في طوابير طويلة، ازدحام عند المداخل الرئيسة، ومواطنون يبحثون بصعوبة عن مركبة تقلّهم إلى منازلهم.
معاناة السائقين
يقول أبو كرار، أحد سائقي سيارات النقل الداخلي في السماوة، إن "المعاناة باتت يومية ومضاعفة، ليس فقط بسبب غياب مرآب ثابت يضمن لنا أماكن منظمة للانتظار والانطلاق، وإنما أيضًا بسبب حملات المخالفات المرورية التي نتعرض لها".
ويضيف: "الجهات المعنية قامت بنقلنا إلى أربعة أماكن مختلفة في وقت قصير، وفي النهاية وجدنا أنفسنا تحت الجسر نعمل بطريقة عشوائية، ومع ذلك يتم تحرير مخالفات بحقنا بحجة أننا نعرقل السير، بينما لم توفر لنا المحافظة حلاً دائمًا".
سائق آخر يُدعى حيدر يؤكد أن المشكلة لم تعد مقتصرة على موقع الوقوف فحسب، بل امتدت إلى الجبايات المالية المفروضة عليهم: "الموظفون التابعون للنقل الخاص يستوفون مبالغ لا تتناسب مع دخلنا اليومي، خصوصًا مع ارتفاع أسعار الوقود وتراجع عدد الركاب. نحن لا نمانع دفع الرسوم، لكن يجب أن تكون وفق ضوابط عادلة وقانونية".
صوت المواطنين
المواطنون بدورهم عبّروا عن استيائهم من غياب التنظيم. يقول علي حسين، موظف يسكن في أحد أحياء السماوة الشرقية: "من غير المعقول أن مدينة مثل السماوة، وهي مركز محافظة، لا تضم مرآبًا داخليًا منظّمًا. نضطر يوميًا للبحث عن سيارات في أماكن متفرقة، وأحيانًا نقف لفترات طويلة تحت الحرّ بانتظار مركبة تقبل بنقلنا".
ويضيف بغضب: "المحافظة بحاجة إلى كراج حقيقي يليق بوجهها الحضاري. لا الخارجي صالح ولا الداخلي موجود، والمواطن هو الخاسر الأكبر. حتى وزير النقل عندما زار المحافظة شاهد الوضع بنفسه، لكن لم يتغير شيء".
مقترحات وحلول
يرى بعض الناشطين المحليين أن الحل يكمن في إعادة استثمار المساحات غير المستغلة قرب المدخل الشمالي للمدينة أو خلف شركة الإسمنت القديمة، بحيث يُبنى مرآب حديث مجهّز بخدمات أساسية من مظلات ومقاعد وتنظيم للخطوط.
ويشير أحمد طالب، ناشط مدني من السماوة، إلى أن "بناء مرآب جديد لا يمثل رفاهية بل ضرورة ملحّة. فهو سيخفف من الزحام، ويوفر بيئة عمل لائقة للسائقين، ويُسهّل على المواطنين الوصول إلى مركباتهم من نقطة انطلاق واحدة معروفة".
موقف المحافظة
تعترف حكومة المثنى المحلية بالمشكلة، لكنها تشير إلى أن الحل يحتاج إلى ترتيبات إدارية. وقال سعيد مشعان، مدير إعلام محافظة المثنى: "هناك فكرة لدمج النقل الداخلي مع كراج بغداد الحالي. الخطة تقضي بأن يكون الجانب الأيمن من الكراج مخصصًا للمحافظات، والجانب الأيسر للأقضية والنواحي والأحياء الداخلية. غير أن هذا المقترح ما زال بحاجة إلى استحصال موافقة السيد المحافظ وإعداد التصاميم الفنية اللازمة".
وأكد مشعان أن المحافظة "تدرس الخيارات المتاحة، لكن الموضوع يتطلب تنسيقًا بين أكثر من جهة، منها البلدية، والمرور، ودائرة النقل الخاص، لضمان إيجاد موقع مناسب يخدم جميع الأطراف".
غياب الرؤية يفاقم الأزمة
يرى مراقبون محليون أن استمرار الأزمة يعود إلى غياب الرؤية التخطيطية الواضحة لدى الجهات التنفيذية. فالمشاريع التي تنفذ في مركز المدينة، رغم أهميتها العمرانية، غالبًا ما تُنجز من دون بدائل ترافقها لحل المشكلات المترتبة عنها، كما حصل مع إلغاء موقع المرآب السابق.
ويؤكد الخبير في شؤون النقل المهندس علاء حميد أن "المحافظات العراقية، ومنها المثنى، بحاجة إلى خطط نقل حضرية متكاملة، تشمل محطات انطلاق مركزية، وتنظيم الخطوط، وتحديد جداول زمنية لعمل المركبات. العشوائية الحالية لا تؤثر فقط على السائقين والمواطنين، بل تمتد لتشوه المشهد الحضري وتعيق أي جهود لتطوير البنى التحتية".
بين الانتظار والعمل
حتى ذلك الحين، يبقى السائقون والمواطنون أسرى واقع صعب. فالسائقون يواجهون طوابير المخالفات والجبايات، فيما يضطر المواطنون للانتظار في الشوارع بحثًا عن وسيلة نقل. وبين الاثنين، تغيب الحلول العملية التي يمكن أن تضع حدًا لمعاناة مستمرة منذ سنوات.










