TOP

جريدة المدى > خاص بالمدى > مشروع "تعزيز مرونة سبل العيش الزراعية" في العراق: استثمار 39 مليون دولار لمواجهة التغيرّات المناخية

مشروع "تعزيز مرونة سبل العيش الزراعية" في العراق: استثمار 39 مليون دولار لمواجهة التغيرّات المناخية

نشر في: 23 سبتمبر, 2025: 12:07 ص

 المدى/خاص

في خطوة استراتيجية تهدف إلى تعزيز صمود المجتمعات الريفية أمام التغيرات المناخية، أعلنت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) عن انطلاق مشروع "تعزيز مرونة سبل العيش الزراعية للمجتمعات الريفية الأكثر هشاشة تجاه التغيرات المناخية في العراق"، بتمويل يصل إلى 39 مليون دولار، ويستهدف ثلاث محافظات في وسط العراق، هي كربلاء المقدسة، والنجف الأشرف، والمثنى.
وقال ممثل المنظمة، صلاح الحاج حسن، خلال الورشة التأسيسية للمشروع، إن التمويل يأتي بشكل أساسي من صندوق المناخ الأخضر، بالإضافة إلى مساهمات مالية من كل من الحكومة السويدية والحكومة الكندية، فضلاً عن مساهمات عينية من وزارة الموارد المائية ووزارة البيئة. وأضاف أن التحضير للمشروع استمر لسنوات طويلة بمشاركة فرق عمل وطنية ودولية، وبالتعاون مع الحكومات المحلية في المحافظات المستهدفة.
وأشار الحاج حسن إلى أن المشروع يقوم على ثلاثة محاور رئيسية: المحور الأول يرتبط بالمياه بشكل مباشر، ويشمل رفع كفاءة استخدام المياه، تحسين البنى التحتية للمياه، إنشاء أنظمة ري مغلقة، وإعادة تأهيل قنوات الري. أما المحور الثاني فيركز على تطبيقات الزراعة الذكية مناخيًا، وتنظيم المدارس الحقلية للمزارعين، وتحسين كفاءة استخدام الموارد الأساسية، وعلى رأسها المياه، وزيادة الإنتاجية الزراعية في المحافظات المستهدفة. المحور الثالث يتناول السياسات الزراعية والمائية، واستخدام الطاقة الشمسية، بما يسهم في تطوير منظومة متكاملة تدعم صمود القطاع الزراعي.
وأكد الحاج حسن أن المشروع سيستهدف قرابة مليوني شخص بشكل مباشر وغير مباشر، مشيراً إلى أنه سيفتح آفاقاً جديدة أمام دعم الشرائح الأكثر تضرراً من التغيرات المناخية، لا سيما النساء والشباب في المناطق الريفية.
في هذا السياق، قال الخبير البيئي سلام علي، لـ(المدى)إن "العراق يواجه تحديات مناخية حادة تتمثل في ارتفاع درجات الحرارة، وزيادة فترات الجفاف، وتقلص مصادر المياه العذبة، وهو ما يهدد الأمن الغذائي للبلاد بشكل مباشر. المشاريع التي تركز على الزراعة الذكية والمياه، مثل المشروع الحالي، تمثل فرصة غير مسبوقة لتعزيز قدرة المزارعين على التكيف مع هذه التحديات، وتقليل الفاقد المائي وتحسين إنتاجية المحاصيل الأساسية."
وأضاف علي أن "الاستثمار في أنظمة الري الحديثة والري المغلق سيتيح للمزارعين استخدام المياه بشكل أكثر كفاءة، وهو أمر بالغ الأهمية في ظل تراجع مناسيب الأنهار والجداول المائية في المحافظات الوسطى. كما أن تدريب المزارعين على الزراعة الذكية مناخياً، واستخدام بيانات الطقس والمناخ، سيؤدي إلى تحسين القرارات الزراعية وتقليل المخاطر الناتجة عن التغيرات المناخية المفاجئة."
من جهته، أكد الخبير الاقتصادي طه الجنابي، أن "تمويل المشروع، الذي يبلغ نحو 39 مليون دولار، يمثل دعماً اقتصادياً مباشراً للقطاع الزراعي العراقي، ويسهم في خلق فرص عمل للشباب والنساء في الريف، وزيادة الدخل الأسري من خلال تحسين إنتاجية المحاصيل الزراعية، والحد من الخسائر الناتجة عن التغيرات المناخية. كما أن المساهمة الدولية تأتي في وقت بالغ الأهمية لدعم العراق في مواجهة الأزمات المناخية التي تؤثر على الأمن الغذائي واستقرار الاقتصاد المحلي."
وأشار الجنابي خلال حديث لـ(المدى) إلى أن "العراق، كأحد الدول الأكثر تضرراً من شح المياه والتغيرات المناخية، يحتاج إلى مشاريع استراتيجية طويلة المدى لتحسين بنيته التحتية الزراعية، وتطوير سياسات فعالة لإدارة الموارد المائية، وتوفير الحوافز الاقتصادية للمزارعين لاعتماد التقنيات الحديثة، بما يضمن استدامة القطاع الزراعي ودعم النمو الاقتصادي المحلي."
ويُعد المشروع، وفق ما ذكر الحاج حسن، "فرصة أولى من نوعها للعراق للحصول على تمويل دولي لمواجهة التغيرات المناخية، بعد جهود كبيرة بذلتها الحكومة العراقية بالتعاون مع منظمة فاو، والتي مكّنت العراق من الحصول على تمويل مباشر وعيني وغير عيني، بما يعزز من قدرة البلاد على تطوير قطاع الزراعة وتحقيق الأمن الغذائي."
وذكر الوكيل الفني لوزارة البيئة، خلال الورشة، أن المشروع سيؤدي إلى نقلة نوعية في البنية التحتية للمياه، من خلال توصيل المعلومات المناخية للمزارعين بأساليب حديثة، وتمكينهم من اتخاذ قرارات زراعية مبنية على بيانات دقيقة، مما يساهم في تحسين إدارة الموارد المائية وتقليل المخاطر المرتبطة بالجفاف وشح المياه.
ويشير تقرير صادر عن وزارة الموارد المائية إلى أن العراق فقد نحو 30% من موارده المائية في العقد الأخير، نتيجة التغيرات المناخية والمشاريع المائية في دول الجوار، ما جعل اعتماد تقنيات الري الحديثة والزراعة الذكية ضرورة حتمية لضمان الأمن الغذائي للبلاد. كما أن التقديرات الرسمية تشير إلى أن نحو 70% من سكان الريف يعتمدون على الزراعة كمصدر رئيسي للدخل، ما يجعل دعم هذا القطاع أولوية استراتيجية.
ويأتي المشروع في وقت تتزايد فيه المخاطر المناخية في العراق، حيث شهدت البلاد ارتفاع درجات الحرارة بمعدل 0.8 درجة مئوية في العقدين الأخيرين، إضافة إلى تكرار موجات الجفاف والفيضانات، مما أثر سلباً على إنتاجية المحاصيل الزراعية، خصوصاً الحنطة والشعير والخضروات الصيفية. وتؤكد الدراسات أن اعتماد الزراعة الذكية مناخياً، واستخدام نظم الري الحديثة، يمكن أن يقلل الفاقد المائي بنسبة تصل إلى 40%، ويزيد إنتاجية المحاصيل بنحو 25% في المتوسط.
كما يركز المشروع على دعم النساء والشباب، باعتبارهم أكثر فئات المجتمع الريفي تأثراً بالتغيرات المناخية، من خلال تدريبهم على مهارات الزراعة المستدامة، وتشجيعهم على تبني أساليب إنتاجية حديثة، مما يسهم في تحقيق التمكين الاقتصادي والاجتماعي لهم، ويعزز الاستقرار المجتمعي في المناطق الريفية.
ويُتوقع أن يسهم المشروع أيضاً في تطوير السياسات الوطنية المتعلقة بالمياه والطاقة والزراعة، من خلال تقديم بيانات دقيقة وتحليلات علمية تساعد صناع القرار على وضع خطط مستدامة، تتماشى مع التحديات المناخية الحالية والمستقبلية، بما يضمن إدارة فعالة للموارد الطبيعية في العراق.
ويؤكد خبراء البيئة والاقتصاد أن المشاريع المماثلة، عند دمجها مع التخطيط الاستراتيجي والدعم الحكومي، يمكن أن تحقق فوائد مضاعفة، من حيث تحسين الأمن الغذائي، ودعم الاقتصاد الريفي، وتعزيز القدرة على التكيف مع التغيرات المناخية، وتقليل الفقر والبطالة في المناطق الريفية.
وفي الختام، شدد ممثل منظمة فاو على التزام المنظمة بمواصلة الدعم والمساندة للحكومة العراقية، والمزارعين في المناطق الريفية، من خلال هذا المشروع وغيره من المبادرات، لتحقيق استدامة الموارد الزراعية والمائية، وتعزيز قدرة العراق على مواجهة التحديات المناخية التي تهدد الأمن الغذائي والاقتصادي.
وقد شهدت الورشة التأسيسية للمشروع، التي أقامتها وزارة الموارد المائية بالتعاون مع منظمة فاو، حضور ممثلين عن الوزارات العراقية المعنية، والحكومات المحلية في المحافظات المستهدفة، إلى جانب فرق عمل وطنية ودولية، بهدف وضع خطة تنفيذية واضحة للمشروع، وضمان استفادة أكبر عدد ممكن من المستفيدين، وتحقيق الأهداف الاستراتيجية للمشروع في تعزيز صمود القطاع الزراعي العراقي أمام التغيرات المناخية.
يعاني العراق منذ سنوات من آثار متزايدة للتغيرات المناخية، بما في ذلك ارتفاع درجات الحرارة، وتكرار موجات الجفاف، ونقص الموارد المائية، إضافة إلى تذبذب الأمطار الموسمية التي تؤثر على القطاع الزراعي بشكل مباشر. تُظهر تقارير وزارة الموارد المائية أن العراق فقد نحو 30% من موارده المائية في العقد الأخير، نتيجة عوامل طبيعية وأخرى بشرية تشمل السدود والمشاريع المائية في دول الجوار. كما تشير الدراسات إلى أن تراجع مناسيب الأنهار الرئيسية، مثل دجلة والفرات، أدى إلى انخفاض الإنتاج الزراعي وارتفاع معدلات الفقر في المناطق الريفية.
في الوقت نفسه، تعتمد غالبية الأسر الريفية على الزراعة كمصدر رئيسي للدخل، ما يجعلهم أكثر عرضة لتقلبات المناخ. وقد أظهرت بيانات منظمة الأغذية والزراعة (FAO) أن نحو 70% من سكان الريف يعتمدون على الزراعة، بينما تواجه النساء والشباب تحديات مضاعفة في الوصول إلى الموارد والتقنيات الحديثة.
وتأتي أهمية مشروع "تعزيز مرونة سبل العيش الزراعية" من كونه أول مشروع ممول دولياً يركز على الدمج بين الزراعة الذكية، وإدارة الموارد المائية، وتطوير السياسات الوطنية المتعلقة بالطاقة والمياه، بهدف تعزيز صمود المجتمعات الريفية. من المتوقع أن يسهم المشروع في تحسين إنتاجية المحاصيل، وتقليل الهدر المائي، ودعم الأسر الريفية الأكثر هشاشة، مما يجعل العراق أكثر قدرة على التكيف مع التغيرات المناخية ويدعم استقرار القطاع الزراعي والاقتصاد المحلي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

مقالات ذات صلة

لا حسم في

لا حسم في "الإطار": الملف البرتقالي يخرج بلا مرشحين ولا إشارات للدخان الأبيض

بغداد/ تميم الحسن أصبح "الإطار التنسيقي" يبطئ خطواته في مسار تشكيل الحكومة المقبلة، بانتظار ما يوصف بـ"الضوء الأخضر" من واشنطن، وفق بعض التقديرات. وفي المقابل، بدأت أسماء المرشحين للمنصب الأهم في البلاد تخرج من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram