بغداد / تبارك عبد المجيد
يعاني الاقتصاد العراقي من اعتمادٍ مفرطٍ على النفط، ما يجعله هشّاً أمام تقلبات الأسعار، ويضعف قدرة الدولة على تمويل الإنفاق العام بفعالية.
ويرى الخبراء أن الحل يكمن في تنويع مصادر الدخل الوطني، وتطوير الصناعة والخدمات والبُنى التحتية، إلى جانب تحسين كفاءة الإيرادات غير النفطية واستثمار الأصول العامة، بما يتيح للعراق تحقيق استقرار مالي ونمو اقتصادي مستدام.
الاعتماد «المفرط» على النفط
ذكر الخبير الاقتصادي زياد الهاشمي أن الاقتصاد العراقي يعاني من مشاكل بنيوية عميقة، أبرزها الاعتماد المفرط على المورد النفطي لتأمين العوائد المالية والإنفاق العام، من دون وجود مصدّات اقتصادية حقيقية تحمي البلاد من صدمات انخفاض أسعار النفط.
وأوضح الهاشمي لـ«المدى»، أن هذا «الاختلال الواضح والهشاشة في البنية الاقتصادية» يتطلب استراتيجية شاملة تقوم على تنويع مصادر الدخل الوطني، من خلال دعم قطاعات لا تزال مُهملة مثل الصناعة والخدمات والبُنى التحتية الاقتصادية، إلى جانب إصدار تشريعات تشجع الاستثمار المحلي والأجنبي. كما دعا إلى فتح المجال أمام شراكات بين القطاعين العام والخاص عبر إنشاء مشاريع مشتركة قادرة على دفع عجلة الاقتصاد إلى الأمام.
وأشار إلى أن «إجراءات الحكومة في هذا السياق لا تزال خجولة ودون المستوى، وتتسم بالبطء وعدم الوصول إلى الأهداف النهائية في معظم المبادرات والخطط المعلنة»، ما يضعف جدية الجهود الرامية إلى إصلاح الاقتصاد وتنويعه.
وفيما يتعلق بعدم انخفاض أسعار السلع في الأسواق رغم تحسن قيمة الدينار، أوضح الهاشمي أن «الأسباب تعود غالباً إلى عدم مرونة التجار في تخفيض الأسعار، نتيجة قلقهم من عودة أسعار الصرف إلى الارتفاع مجدداً، إضافة إلى زيادة الضبط الجمركي الذي أجبر الكثير منهم على الإفصاح عن طبيعة وارداتهم، ما أدى إلى تحاسب جمركي وضريبي دقيق انعكس على كُلف البضائع المباعة».
أما بشأن تحسن قيمة الدينار العراقي أمام الدولار، فقد بيّن الهاشمي أن ذلك يعود بالدرجة الأولى إلى «توقف عمليات التهريب بشكل كبير عبر الحدود، وانتقال التجار إلى التعامل بنظام التحويل الجديد، ما أسهم في تقليل الطلب على الدولار النقدي داخل السوق المحلية».
وتابع الهاشمي حديثه بالتأكيد على أن إصلاح الاقتصاد العراقي يتطلب إرادة سياسية واضحة، وإجراءات عملية جريئة تتجاوز «الحلول الترقيعية»، من أجل بناء اقتصاد متنوع وقادر على مواجهة التحديات المستقبلية.
بدائل النفط!
وذكر الباحث الاقتصادي أحمد عبد ربه وجود بدائل مستدامة لتمويل الموازنة بعيداً عن الاعتماد المفرط على الدين الداخلي، مشيراً إلى أن تعزيز الإيرادات غير النفطية يمكن أن يشكل ركيزة أساسية لتحقيق هذا الهدف. وأوضح أن تطبيق ضريبة قيمة مضافة تدريجية مع إعفاءات للفئات الهشّة، إلى جانب فرض رسوم انتقائية على السلع الضارة والفاخرة، يمكن أن يرفع من كفاءة التحصيل الضريبي. كما شدد على أهمية تحديث أنظمة الجمارك واعتماد نظام النافذة الواحدة والالتزام الإلكتروني، إضافة إلى تفعيل ضريبة الأملاك وربطها بالعقارات بشكل دقيق وشفاف.
وأضاف عبد ربه لـ«المدى»، أن التمويل الموجّه بالمشروعات يمثل خياراً آخر لتعزيز الاستدامة المالية، من خلال منح قروض ميسّرة ومضمونة المخاطر من المؤسسات الدولية، مع التركيز على تطوير البُنى التحتية والخدمات الأساسية التي تدعم النمو الاقتصادي طويل الأجل. ولفت إلى أن تعظيم عوائد الدولة يمكن أن يتحقق عبر إصلاح الشركات العامة من خلال تعزيز الحوكمة والإفصاح المالي وإشراك القطاع الخاص في إدارتها، مع إغلاق الشركات غير القادرة على الاستمرار، واستثمار الأصول العامة عن طريق تأجيرها بعقود طويلة الأجل وشفافة بدل بيعها.
وأشار إلى أن أدوات التحوّط النفطي تمثل وسيلة مهمة لتقليل أثر تقلب أسعار النفط على الموازنة، وذلك باستخدام عقود تحوّط جزئي لعائدات النفط، ما يقلل الحاجة إلى الاقتراض ويزيد من استقرار المالية العامة. وبناءً على هذه الرؤية، يمكن للعراق أن يتبنى نهجاً أكثر استدامة لإدارة الدين العام، يحافظ على التوازن المالي، ويحمي الإنفاق الاجتماعي، ويعزز في الوقت نفسه فرص النمو والاستقرار الاقتصادي.
الاعتماد على النفط يهدد الاقتصاد العراقي وسط صمت الإجراءات الحكومية!

نشر في: 25 سبتمبر, 2025: 12:10 ص









