طالب عبد العزيز
بسبب الأداء السياسيٍّ السيء للمنظومة الحاكمة؛ تعطلت منظومةُ التفكير والتخطيط السليم في العراق، وبسبب من ذلك فأنَّ أيَّ حديث عن المستقبل الآمن لم يعد ممكناً، فقد تمّت إعاقة كلُّ فكرةٍ ناجحة في كلِّ مفصل من مفاصل الحياة، وتمَّ تحريف كلُّ هدف عن مساره الحقيقي، فذهبت هباءً الأفكارُ والأموال والجهود ولم يعدْ للعراقي، العالم، والمخترعُ، والمفكر، أوالفيسلوف، أو الاقتصادي، والفنان، وسواهم دورٌ في الحياة العراقية؛ فهم إمّا اقتعدوا بيوتهم، أو هاجروا الى بلاد تحسن التعامل معهم، هذا إذا لم يكن قد مات قهراً وكمداً الكثيرُ منهم.
حين نبحث في أسباب تعثر المشاريع والخطط المستقبيلية في قطاع النفط على سبيل المثال سنجد أنَّ الذين قاموا بوضع قواعد الاستثمارات الأجنبية أجهزوا على مستقبل الصناعة النفطية، ورهنها بوجود الشركات الأجنبية، التي لا يعنيها أمر البلاد والسكان أكثر من عنايتها في الأرباح، وبما أنَّ الاستثمارات تلك مقيدة بقوانين؛ وعقود طويلة طويلة الأمد؛ فقد تمَّ تحييد العقل العراقي، وتحويله من عقل منتج الى جيب مستقبل، مطرود من دائرة التفكير، وإلا ما معنى جعل الشركات النفطية العراقية، التي مضى على تأسيسها العقود الطويلة، وعرفت في العالم بوصفها من أعرق الشركات، مثل شرطة نفط الجنوب( (soc والتي أسست للصناعة النفطية في عدد من البلدان العربية(اليمن والصومال..) شركات عاجزة، محدودة الفعل والتاثير؟ أيعقل أنْ يكون العقل العراقي المتخصص بأعمال النفط غير قادر على تبني قضية مثل تنقيب واستخراج النفط واستصلاح الابار؟
وحين نبحث في أسباب استمرار الأوضاع الأمنية الهشَّة على سبيل المثال، سنجدُ أنَّ الدولة العراقية وبدلاً من تفعيل دور السلطات الأمنية؛ وجعل القوانين نافذة، واحكام قبضتها على كلِّ فعل جنائي صغير وكبيرٍ، وملاحقة المجرمين، ومطلقي الاعيرة النارية، ومفتعلي الدكات العشائرية قد ذهبت الى تأسيس مجلس لحل النزاعات العشائرية؛ داخل مجالس المحافظات، وبمعنى ما فأنها استحدثت ديواناً عشائرياً داخل أنظمتها التشريعية، وبذلك تكون قد همشت القضاء، وألغت دوره المنصوص عليه بموجب الدستور، والقوانين الجزائية، وهكذا نجدُ تفاقم احتراب القبائل، والعبث بأمن المواطن البسيط، من ثم تحويل البلاد الى ساحة للصراعات الداخلية والخارجية، من قبل الذين وجدوا في الفعل الحكومي منفذاً، يلجأون لحريتهم فيه، في حال تلبسهم بالجريمة.
ونتيجة لسوء الأوضاع الأمنية، التي من مظاهرها وجود الاعداد الكبيرة لرجال حمايات الزعماء السياسيين والبرلمانيين وقادة الجيش والوزراء والمديرين العامية ووو وهؤلاء عالة على الاقتصاد العراقي، وطريقة نهب مشرعن للأموال، فضلاً عن كونهم يعطون الصورة السيئة لأمن البلاد، الامر الذي جعل من مئات الآلاف من سيارات النقل تصطف أمام المدارس الاهلية والحكومية، لنقل ملايين الطلبة من وإلى بيوتهم، وبما يرهق ميزانية الفرد العراقي. سنتذكر بأنَّ أجيالاً من العراقيين أكملوا دراستهم دون سيارات نقل، اللهم إلا سيارات النقل العام.
وفي قطاع التربية والتعليم وبدلاً من تخصيص الأموال اللازمة لبناء المدارس الحكومية بما يكفي للاعداد الكبيرة من الطلاب سنوياً، نجدها تخصص المليارات الضخمة لداوائر وفعاليات لا قيمة لها؛ وغير مهمة مثل الأوقاف الدينية والمزارات والمؤتمرات والايفادات والمشاريع الوهمية وهكذا، استفحلت قضية المدارس الاهلية، وصارت عُرفاً، أوترفاً، واضطراراً ايضاً، إذْ من العطف على ابنك أن تجد له المدرسة النظيفة، المبردة في الصيف، والمدفَّأة في الشتاء، وإن كان ذلك ما يرهقك مالياً. وما الاعداد الهائلة من المدارس الاهلية إلا نتيجة لعدم إيلاء التعليم ما يجب، ذلك لأنَّ الوزارات التي تعاقبت لم تكن بالمستوى اللائق، ولا تمتلك الحكمة والفلسفة والفكر في تنشئة الأجيال والتي منها بلوغ الرفعة والمنعة في البلاد.
وينسحب الامر على قطاع الصحة والتجارة والاقتصاد والمرور والنقل وغير ذلك. غياب التخطيط وتهميش العلماء يقابله تعظيم شأن الاغبياء وأنصاف المتعلمين واللصوص وسواهم أنتج لنا حاضراً يتهاوى، ساعة اثر أخرى، ومستقبلاً مرعباً لأجيالنا، أما الخلاص منه فشبه مستحيل، لأنَّ المنظومة الحاكمة لا تملك إلا التخطيط لبقائها وإن ذهبت البلاد، وهلك العباد.










