متابعة / المدى
يشهد قطاع غزة تصعيداً عسكرياً إسرائيلياً أدى إلى مقتل نحو مئة مدني خلال ساعات، بالتوازي مع تداول خطة أميركية مثيرة للجدل تتضمن نزع سلاح حماس ونشر قوة دولية، وسط دعوات عربية ودولية متزايدة لإحياء حل الدولتين. وبينما تؤكد حماس أنها لم تتسلم أي مقترحات جديدة، يحذّر مراقبون من أن المدنيين الغزيين يواصلون دفع الثمن الأكبر.
منذ فجر السبت الماضي، قُتل 98 فلسطينياً في قصف جوي ومدفعي إسرائيلي استهدف مناطق متعددة في قطاع غزة، وفق مصادر طبية محلية. توزعت الجثامين على مستشفيات القطاع، حيث استقبل مستشفى الشفاء 23 قتيلاً، والمعمداني 29، والعودة 28، وناصر 9، والأقصى 9 آخرين. وأكدت المصادر أن من بين القتلى ستة أشخاص كانوا بانتظار المساعدات الإنسانية في وسط وجنوب القطاع. وأشار التلفزيون الفلسطيني إلى أن مستشفى العودة استقبل في وقت سابق 12 قتيلاً وأكثر من 60 مصاباً جراء قصف بطائرة مسيرة إسرائيلية على مخيم النصيرات، فيما قُتل ثمانية أشخاص، بينهم أربعة أطفال، في غارة مماثلة على حي الدرج بمدينة غزة. ووفق إحصاءات طبية، بلغ عدد ضحايا ما يعرف بـ«قتلى المساعدات» خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية 17 قتيلاً و89 مصاباً، ليرتفع إجمالي هذه الفئة منذ بداية الحرب إلى 2560 قتيلاً وأكثر من 18,703 جرحى. ومنذ 18 آذار/مارس 2025 حتى اليوم، بلغ عدد القتلى 13,060، فيما وصل عدد المصابين إلى 55,742. أما منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 فقد سقط 65,926 قتيلاً و167,783 جريحاً في غزة، معظمهم من النساء والأطفال، وفق حصيلة غير نهائية. بالتوازي مع ذلك، كشفت صحيفة «واشنطن بوست» تفاصيل خطة من 21 بنداً وضعتها إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب لوقف إطلاق النار. وتنص الخطة على وقف فوري للعمليات العسكرية، وإطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين وعددهم 20 خلال 48 ساعة، وتسليم جثامين أكثر من 20 إسرائيلياً يُعتقد أنهم قتلوا. كما تتضمن تدمير أسلحة حماس الهجومية، ومنح عفو لمن يرغب من عناصرها بالانضمام إلى «عملية السلام» أو مغادرة غزة، مقابل إطلاق إسرائيل 250 أسيراً محكوماً بالمؤبد و1,700 معتقل اعتقلوا بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر.
وتشمل الخطة إرسال مساعدات إنسانية بإشراف الأمم المتحدة، وإعادة تأهيل البنية التحتية الصحية والخدمية، وإزالة الأنقاض وفتح الطرق. كما تنص على تشكيل «حكومة انتقالية مؤقتة» تضم فلسطينيين وخبراء دوليين، بإشراف هيئة دولية تقودها الولايات المتحدة، إلى جانب إنشاء «قوة استقرار دولية» تتولى الأمن مؤقتاً قبل انسحاب الجيش الإسرائيلي تدريجياً ونقل السيطرة إلى قوات فلسطينية بعد تدريبها. واعتبرت الإدارة الأميركية السابقة أن الهدف النهائي للخطة هو تهيئة الظروف لعملية سياسية تؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية، من دون توضيح آليات تنفيذ أغلب البنود.
إسرائيل أبدت تحفظاً على بعض عناصر الخطة، خصوصاً ما يتعلق بنزع السلاح، لكنها أبدت قبولاً بمبدأ إقامة حكومة انتقالية. ونقلت الصحيفة عن مسؤول إسرائيلي قوله إن الضغط العسكري على مدينة غزة يهدف لإجبار حماس على القبول بالاتفاق.
في المقابل، نفت حركة حماس تسلم أي مقترحات جديدة، مؤكدة استعدادها لدراسة أي مبادرة تعرض عليها «بكل إيجابية ومسؤولية». وشددت في بيانها على أن المفاوضات متوقفة منذ محاولة الاغتيال الإسرائيلية الفاشلة لعدد من قادتها في الدوحة في التاسع من أيلول/سبتمبر. كما نفت ما نشرته صحيفة «هآرتس» حول موافقتها المبدئية على خطة ترامب.
في الأمم المتحدة، أكدت وزيرة الدولة في الخارجية الإماراتية لانا نسيبة ضرورة إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، مشددة على حل الدولتين باعتباره الطريق الوحيد لإنهاء الصراع. وأشارت إلى استمرار الدور الإماراتي كأكبر مانح لقطاع غزة رغم العراقيل. من جهته، دعا وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إلى حل عادل يقوم على حل الدولتين، مؤكداً أن «الوقت قد حان» لتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته. كما دعا إلى وقف الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا، وحصر السلاح بيد الدولة في لبنان، وإقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط.
هذه المواقف العربية تعكس قلقاً متزايداً من استمرار الحرب، وتؤكد أن التسوية السياسية باتت مطلباً ملحاً، غير أن الخلافات حول تفاصيل الخطة الأميركية، وغياب توافق فلسطيني داخلي، فضلاً عن التباينات الإسرائيلية، تجعل من مسار التسوية أمراً بالغ التعقيد.










