المدى/ محمد العبيدي
دخلت العقوبات الأممية الشاملة ضد إيران حيّز التنفيذ من جديد، للمرة الأولى منذ عقد كامل، بعد فشل المحادثات بين طهران والقوى الغربية بشأن ملفها النووي، وهو تطوّر خطير يعيد خلط الأوراق في المنطقة، ويضع العراق على وجه الخصوص أمام تحديات سياسية واقتصادية متشابكة، بحكم ارتباطه الوثيق بجارته الشرقية في مجالات الطاقة والتجارة والمواد الغذائية.
والعراق، الذي يمرّ أصلاً بمرحلة دقيقة من أزماته المالية والخدمية، ينظر بقلق بالغ إلى ما يُعرف بـ«آلية الزناد» التي أعادت فرض العقوبات السابقة على إيران بصورة أشد، في وقت يستورد ما يقارب 40% من احتياجاته من الغاز والكهرباء عبر الحدود الشرقية، فضلاً عن اعتماده على استيراد جزء مهم من السلع الغذائية والمواد الأولية من السوق الإيرانية.
وحذّر المحلل السياسي عبد الغني غضبان من تبعات هذه التطورات، مشيراً إلى أن «آلية الزناد ستؤدي تلقائياً إلى إعادة فرض العقوبات السابقة على إيران بصورة أشد وأوسع نطاقاً، ما ينعكس مباشرة على الاقتصاد الإقليمي برمّته، وبالأخص على العراق، نظراً لعمق علاقاته التجارية والاقتصادية».
وأضاف غضبان لـ(المدى) أن «العراق يستورد مواد غذائية ولوازم أساسية من إيران، بالإضافة إلى الغاز الذي يدخل في توليد الطاقة الكهربائية، في وقت يواجه فيه اقتصاداً هشاً يعتمد بشكل كبير على هذه الاستيرادات».
مخاطر مزدوجة
ولا تقتصر المخاوف العراقية على الجانب التجاري أو الطاقي فحسب، بل تمتد إلى احتمالية تعرّض بغداد نفسها لعقوبات في حال حاولت الالتفاف على القيود الجديدة.
ويقول غضبان في هذا الصدد: «إذا ما حاول العراق أو بعض الشخصيات السياسية الموالية لإيران كسر أو التحايل على تلك العقوبات، فإن هذا الأمر يضع البلاد في موقع خطر جداً، ومن الممكن أن تُفرض عليها العقوبات نفسها».
وتكمن خطورة هذا السيناريو في أن الأموال العراقية الناتجة من بيع النفط تمر عبر النظام المالي الأميركي، ما يمنح واشنطن قدرة فعلية على تعطيل تدفق الدولار إلى بغداد.
أزمات الطاقة والسلع
وتاريخياً، شكّل استيراد الغاز الإيراني العمود الفقري لإدامة محطات توليد الكهرباء العراقية، إذ يعتمد العراق على ما بين 40 إلى 50 مليون متر مكعب يومياً من الغاز المستورد لتشغيل محطاته، وأي خلل في هذه الإمدادات يهدّد بانقطاعات واسعة للطاقة الكهربائية، خصوصاً في مواسم الذروة الصيفية.
كما أن السوق العراقية ترتبط بشكل مباشر بالسوق الإيرانية عبر منافذ حدودية نشطة في ديالى والبصرة وواسط وميسان، إذ تشير تقديرات اقتصادية إلى أن حجم التبادل التجاري بين البلدين يتراوح بين 9 و11 مليار دولار سنوياً.
دعوات لإيجاد حلول
من جهته، دعا الخبير الاقتصادي مصطفى أكرم حنتوش إلى التعامل مع الأزمة بواقعية، والبحث عن منصات قانونية للتبادل التجاري مع إيران رغم عودة العقوبات.
وقال حنتوش لـ(المدى) إن «العقوبات أعادت العمل بآلية الزناد، لكن لا بد من إيجاد طريقة محددة للتجارة مع إيران بشكل مسموح، على أن تكون عبر قنوات غير محظورة ومن خلال مناطق تبادل تجاري معتمدة دولياً».
وأوضح أن «الحل لا يتوقف على الاستيراد وحده، بل يجب التفكير في إنتاج بعض السلع داخلياً، أو التوجه إلى أسواق بديلة لتجنّب أي مشكلات مستقبلية»، مشدداً على أن «الملف يحتاج إلى حلول منطقية تمنع انهيار السوق العراقية تحت ضغط الأزمات».
خيارات صعبة أمام بغداد
ويشير مختصون إلى أن الخيارات المتاحة أمام العراق ليست كثيرة، لكن من أبرزها التوسّع في مشاريع الغاز المحلي، والتوجّه إلى أسواق بديلة مثل دول الخليج وتركيا، فضلاً عن تفعيل خطط دعم الإنتاج الوطني في القطاعات الزراعية والصناعية.
غير أن هذه الحلول تحتاج إلى وقت طويل وإرادة سياسية واضحة، في حين أن تأثير العقوبات بدأ يطلّ برأسه سريعاً عبر مخاوف السوق وتقلبات أسعار المواد الأساسية.
آلية الزناد ضد إيران تشتعل مجدداً.. بغداد على خط النار الاقتصادي

نشر في: 29 سبتمبر, 2025: 12:01 ص









