TOP

جريدة المدى > خاص بالمدى > مكتبة المثنى العامة صرح حضاري "فارغ" ينتظر الدعم لإحياء الحياة الثقافية

مكتبة المثنى العامة صرح حضاري "فارغ" ينتظر الدعم لإحياء الحياة الثقافية

نشر في: 1 أكتوبر, 2025: 12:21 م

 السماوة/كريم ستار

من قلب مدينة السماوة، وعلى مقربة من مهد الحرف الأول في التاريخ بمدينة الوركاء، يتجلى مبنى المكتبة المركزية في المثنى كأيقونة معمارية وحضارية فريدة. المبنى المستوحى من شكل اللوح الطيني المسماري يرمز إلى عراقة المدينة وإرثها الممتد إلى آلاف السنين، غير أنه ظلّ حتى الآن أقرب إلى صرح مهجور منه إلى مكتبة عامة تُنير عقول أبناء المحافظة.

المكتبة، التي يفترض أنها تمثل أول صرح ثقافي عام بهذا الحجم في المثنى، افتُتحت في نيسان/أبريل من العام الماضي، لكنها بقيت خالية من الكتب والأثاث والبرامج الثقافية، ما أثار استياء المثقفين وروّاد المعرفة الذين كانوا ينتظرونها منذ عقود.
تقول أمينة المكتبة أوهام فاروق في حديثها لـ”المدى”: “المكتبة العامة هي المتنفس الثقافي الوحيد لأبناء المثنى، ولأول مرة يكون للمحافظة مكتبة عامة بهذا التصميم الفريد. فهي ليست مجرد مبنى، بل معلم حضاري يشير إلى أصالة المكان، إذ تحمل جدرانها نقوشاً مسمارية تستحضر تاريخ السومريين وروحية من سطر الحرف الأول في البشرية”.
وتضيف فاروق أن مصمم المكتبة، المهندس بشار فاضل، اعتمد على: “فكرة اندماج اللوح مع الزجاج، المستوحاة من ملحمة الخلود، وما تحمله من رمزية للصراع بين النقائض”، مشيرة إلى أن “البناء فيه من الفن ما يدعو إلى التأمل، وهو ليس فقط قاعات للكتب، بل فضاء للتخيل والاستغراق بين الماضي والحاضر”.
ورغم ما يحمله المبنى من أبعاد رمزية، إلا أن المكتبة، بحسب فاروق، ما زالت بحاجة إلى الكثير: “نحن نأمل أن تُسرع الجهات المعنية في تجهيز المكتبة بكل ما تحتاجه لتكون في خدمة الجميع. خططنا تتضمن بروتوكولات تعاون استراتيجية مع المؤسسات الأكاديمية والثقافية، على أن تتجاوز الأساليب البيروقراطية التقليدية نحو نمط الفريق الواحد، بما يواكب التطور العلمي والمعرفي المتسارع”.

واقع مغاير للإرث التاريخي
محافظة المثنى، التي تضم مدينة الوركاء مهد الكتابة الأولى وأرض ملحمة كلكامش، تعاني واقعاً ثقافياً مغايراً لتاريخها العريق. فالمحافظة تكاد تفتقر إلى المسارح والمراكز الثقافية، بينما ظل مشروع المكتبة المركزية مؤجلاً منذ تسعينيات القرن الماضي، قبل أن يرى النور أخيراً، لكن من دون حياة داخل جدرانه.
المبنى يتكون من خمسة طوابق، أربعة منها مخصصة لقاعات القراءة والعرض والمعارض والسينما والمتحف، لكن معظمها مغلق حالياً، وتفتقر إلى أبسط المستلزمات.
يؤكد الموظف في المكتبة حيدر عبد الزهرة في حديثه لـ”المدى”: “حين تم افتتاح المكتبة وجدناها فارغة تماماً. لم يكن هناك أثاث ولا رفوف ولا حتى طاولات للقراءة. اضطررنا إلى شراء مستلزماتنا على نفقتنا الخاصة، كما فتحنا صندوقاً للتبرعات بين الزوار لإنفاقه على احتياجات المكتبة”.
ويكشف عبد الزهرة أن “الموظفين رفضوا طلب المساعدة من جهات سياسية، لأن أكثر من طرف حاول استغلال المكتبة لأغراض انتخابية، حتى وصل الأمر إلى نقل المدير السابق خارج المحافظة بسبب صراعات سياسية”.
ويتابع بأسى: “المؤسف أن الكثير من المثقفين لم يقفوا معنا حتى معنوياً. استقطبناهم وفتحنا لهم فضاءات، لكنهم تركونا عند أول خلاف مع المتنفذين. اليوم، نحن نقاوم وحدنا محاولات السيطرة على هذا الصرح”.

وعود لم تتحقق
من جانبه، يرى المختص في الشأن الثقافي عبد الكريم الناصري أن “افتتاح مكتبة عامة في المثنى ليس ترفاً، بل ضرورة لتنشئة أجيال قارئة وواعية”. ويضيف في حديثه لـ”المدى”: “المحافظة تفتقر تماماً إلى فضاءات ثقافية، والمكتبة يمكن أن تتحول إلى منارة علمية وفنية لو جرى دعمها. وجود جناح للمعارض والسينما والمتاحف يعزز من مكانتها، لكنه سيظل حبراً على ورق ما لم تتوفر الإرادة الحقيقية للنهوض بها”.
ويشير الناصري إلى أن “أبناء المثنى، الذين ينتمون إلى أرض الوركاء، يستحقون مكتبة تضاهي تاريخهم، لا أن تبقى مجرد مبنى جميل بلا محتوى”.
المكتبة، وفق أمينة المكتبة أوهام فاروق، ستشهد قريباً إطلاق “منتدى المكتبة”، الذي سيبدأ على نطاق خاص ثم يتحول إلى فضاء عام بعد اكتمال البنى الأساسية. غير أن الموظفين والمثقفين يشككون في إمكانية ذلك من دون دعم مادي وإداري جدي.
وبينما ينتظر أبناء المحافظة أن تتحول المكتبة إلى بيت للمعرفة، يبقى الواقع معلقاً بين صرح معماري مهيب وإرث حضاري ضخم، من جهة، وبين إهمال وتسييس يعرقلان ولادة مشروع ثقافي طال انتظاره، من جهة أخرى.
وفيما تواصل جدران المكتبة حمل النقوش المسمارية التي تحكي قصة الإنسان الأول مع الحرف والخلود، يظل أبناء المثنى يتطلعون إلى أن تتحول هذه الرمزية إلى واقع ملموس، يعيد لهم ما فقدوه من ألق ثقافي وحضاري.
محافظة المثنى تعد من أهم المواقع الحضارية في العراق، حيث تقع مدينة الوركاء التي تعتبر مهد الكتابة المسمارية الأولى في التاريخ، وأرض ملحمة كلكامش الشهيرة. هذا يجعل المحافظة مكانًا ذا قيمة تاريخية كبيرة، وكان من المتوقع أن تكون المكتبة مركز إشعاع ثقافي يعكس هذا الإرث العريق.
المكتبة المركزية في المثنى هي الأكبر من نوعها في المحافظة، وتتألف من خمسة طوابق، أربعة منها مخصصة للقراءة والمعارض والسينما والمتاحف. لكنها، حتى الآن، لا تزال مغلقة معظم أيامها، وتعاني نقصاً في الأثاث والكتب والمعدات الأساسية، ما يجعلها صرحًا حضاريًا بلا حياة.
بدأ مشروع المكتبة منذ التسعينيات، لكنه تأخر لعقود بسبب الأزمات المالية والسياسية، إضافة إلى النزاعات بين المسؤولين المحليين والمتنفذين السياسيين، ما أثر على تنفيذ الخطط الثقافية.
وفق خبراء ثقافيين، وجود مكتبة عامة بمثل هذا الحجم لا يمثل ترفًا، بل ضرورة لتنمية الثقافة القرائية والفكر النقدي لدى الشباب، وخلق فضاء عام للأنشطة الثقافية والفنية، لا سيما في محافظة تعاني من شح المراكز الثقافية والمسارح.
بعض موظفو المكتبة لجأوا إلى شراء مستلزمات المكتبة على نفقتهم الخاصة، كما فتحوا صندوق تبرعات للزوار، في محاولة لإحياء المكتبة، ما يعكس التحديات العملية التي تواجه أي مشروع ثقافي في ظل ضعف الدعم الرسمي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

مقالات ذات صلة

لا حسم في

لا حسم في "الإطار": الملف البرتقالي يخرج بلا مرشحين ولا إشارات للدخان الأبيض

بغداد/ تميم الحسن أصبح "الإطار التنسيقي" يبطئ خطواته في مسار تشكيل الحكومة المقبلة، بانتظار ما يوصف بـ"الضوء الأخضر" من واشنطن، وفق بعض التقديرات. وفي المقابل، بدأت أسماء المرشحين للمنصب الأهم في البلاد تخرج من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram