بغداد/سجى رياض
تشير الكوتا النسائية في العراق إلى تخصيص نسبة محددة من المقاعد السياسية للنساء لضمان مشاركتهن في صنع القرار، وهي آلية تُطبق ضمن جهود التمييز الإيجابي لدعم الأقليات وتمكينها في مختلف مجالات الحياة، من العمل والتعليم إلى المشاركة في المؤسسات السياسية.
دخلت الكوتا حيز التنفيذ بعد اعتماد النظام السياسي الجديد عام 2005، حيث نص الدستور العراقي على تخصيص 25% من مقاعد مجلس النواب للمرأة، أي ما يعادل 83 مقعدًا من أصل 329. ويهدف هذا الإجراء إلى تعزيز مشاركة المرأة في الحياة السياسية وتمكينها من لعب دور فعال في صناعة القرار، وسط ضغوط محلية ودولية لضمان التمثيل النسوي.
وعلى الرغم من هذه المكاسب، تشهد مشاركة المرأة تقلبات مستمرة وفق الاستحقاقات الانتخابية والتوازنات الحزبية، إذ تشير تقارير منظمات حقوق الإنسان إلى محاولات بعض الأحزاب السياسية استغلال الكوتا لتحقيق مكاسب حزبية، بدلاً من أن تكون أداة حقيقية للتمكين السياسي للمرأة.
أداة استغلال
تعتبر الكوتا أحد أنواع التمييز الإيجابي للفئات الضعيفة، والمراة العراقية بحاجة إلى كل أنواع هذه الآليات حتى تستطيع أن تكون فاعلة في المشهد السياسي، إذ أن الهيمنة الذكورية المطلقة والتنافسية السياسية الشرسة لا تفسح المجال للنساء بشكل طبيعي لممارسة دورهن.هكذا صرحت نائبة رئيس تحالف البديل شروق العبايجي لـ"المدى".
تابعت العبايجي قائلة: "تم استغلال الكوتا من بعض الكتل السياسية لأغراض حزبية، حيث تم تشويه مفهوم الكوتا وتحريفه عن مساره. فقد انتقلت من دعم المرأة العراقية ومساعدتها من خلال أدوات تشريعية وتطوير وضعها إلى أداة مضادة تعمل ضد مصلحة المرأة العراقية. وأكبر دليل على ذلك رئيسة لجنة المرأة والطفولة في البرلمان العراقي لهذه الدورة، التي تقوم بدور سلبي جدًا تجاه قضايا المرأة العراقية."
وأظهرت تقارير برلمانية سابقة أن بعض الكتل تختار النساء لأسباب شكلية، وليس بناءً على الكفاءة أو النشاط النسوي، ما يقلل من فعالية الكوتا ويضعف تأثيرها على صنع القرار. وأكدت: "الخلل في الأداء السياسي لبعض الأحزاب يتمثل في اختيار نساء فقط لإكمال العدد أو اختيار النساء بما يتوافق مع سياساتها، ما يؤدي إلى تجاوز دورهن في تمثيل النساء العراقيات، فيصبحن مجرد أدوات بيد العقليات الذكورية."
تطبيق الكوتا
من جهة أخرى، يرى المحلل السياسي عبد القادر نائل أن الكوتا أضرت بالمراة العراقية، وأنها لا تناسب نسبة وجود النساء في العراق، مصرحًا لـ"المدى": "المرأة تمثل ما يقارب 50% من الشعب العراقي، وبالتالي يجب أن يتناسب حجم تمثيلها مع نسبتها السكانية، لذلك فإن الكوتا ظلم لتمثيل المرأة في الحياة السياسية ومؤسسات الدولة."
وأكد نائل أن "الكوتا لم تطبَّق بحذافيرها، فمثلًا أين الكوتا في مجلس الوزراء حيث لم يتم تعيين 25% من التمثيل الوزاري للمرأة؟ فضلاً عن أن المرأة يجب أن تمثل منصب نائب رئيس الوزراء، إلا أن بعض الأحزاب أفرغت محتوى الكوتا بطريقة منحازة لمصالحها."
وقد أشارت متابعة وسائل الإعلام خلال السنوات الأخيرة إلى أن التمثيل الوزاري للمرأة لم يتجاوز أحيانًا 15%، في حين تبقى المناصب العليا في الدولة محصورة تقريبًا بالرجال.
ونفى نائل فكرة البعض من أن الكوتا تتعارض مع الديمقراطية، موضحًا: "نظام الكوتا لا يتعارض مع الديمقراطية، إنما جاء لضمان حقوق المرأة في العملية السياسية، لأن بيئتنا الاجتماعية وتسلط الأحزاب الدينية يدفع باتجاه إلغاء دور المرأة. وإلا لو كانت هناك حرية سياسية لما احتجنا الكوتا، بل كنا ذهبنا إلى الممارسة الديمقراطية الطبيعية."
آلية الانتخاب والكوتا
ترتكز آلية الانتخاب في العراق على الدوائر المتعددة، 83 دائرة، وتطبيق نظام سانت ليغو، الذي يعزز فرص الأحزاب الكبرى والقديمة على حساب الأحزاب الناشئة، بعد أن كان التطبيق سابقًا قائمًا على آلية القوائم المغلقة في 18 دائرة انتخابية، إلا أن الغاية في 2021 كانت إعادة العمل بالدوائر المتعددة.
وبحسب تقارير مفوضية الانتخابات، فإن نظام الدوائر المتعددة يزيد من فرص الأحزاب الكبيرة للسيطرة على المقاعد، في حين يصعب على المرشحين المستقلين أو القوائم النسائية الصغيرة الوصول إلى البرلمان، ما يضعف فعالية الكوتا كآلية لتعزيز مشاركة المرأة.
وبهذا الصدد ترى الناشطة النسوية بشرى العبيدي أن "لا أعتقد أننا سنصل إلى الكوتا الخاصة بنا بعد تطبيق هذا النظام الذي هو مختلف عن الدورة الانتخابية السابقة، وإذا لم تصل سيتم الاستبدال حتى يصل المجلس إلى النسبة المطلوبة. أيضًا هناك عزوف عن الانتخابات بسبب الخذلان الكبير جدًا، أنا عن نفسي لن أشارك في الانتخابات فلا أجد أي شيء يشجع على المشاركة، كل شيء يسير بالاتجاه المعاكس، وتحديدًا ضد المرأة."
وفق تصريح مدير عام الدائرة يسرى كريم محسن في انتخابات 2021، فإنه بحسب التحليل الأولي لنتائج الانتخابات، تمكنت المرأة العراقية من الفوز بـ97 مقعدًا، بزيادة 14 مقعدًا عن الكوتا المخصصة للنساء، في حين أظهرت النتائج الأولية فوز 57 امرأة بقوتهنّ التصويتية.
وتشير دراسات أجرتها منظمات محلية إلى أن الفوز بمقاعد تفوق الكوتا يعكس الدعم الشعبي الحقيقي لبعض المرشحات، إلا أن غالبية النساء يبقين تحت تأثير قوائم الأحزاب الكبرى، ما يحد من استقلالية الكوتا.
وتقول العبيدي: "نحن دافعنا عنها لتكون نقطة ثابتة في الدستور وليست إجراءات انتقالية كما كان الوضع عليه في الماضي. من الضروري أن تكون الكوتا قائمة مستقلة عن القوائم الباقية، ويجب أن يُرشح لهذه القائمة من الحركة النسوية ومنظمات المجتمع المدني المشهود لها بالعمل النسوي."
ختمت العبيدي كلامها قائلة: "باقي القوائم فلتكن قوائم عامة للحزب حيث يمكنه وضع من يراه مناسبًا من أعضائه رجالًا ونساءً."










