TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > المثقف حين ينكسر وينكفئ، وحين ينتقم من إنتمائه ويتجرّد من ضميره المأزوم!

المثقف حين ينكسر وينكفئ، وحين ينتقم من إنتمائه ويتجرّد من ضميره المأزوم!

نشر في: 1 أكتوبر, 2025: 01:12 م

 فخري كريم

أعاد زهير الجزائري إظهار مقالٍ له نُشر في أواخر التسعينيات حول يوسف الصائغ، يحاول فيه أن ينبش في ضمير الصائغ وسلوكه بحثًا عن الدوافع أو المحرك الخفي وراء تحوله السياسي والفكري: هل كان ذلك "انكسارًا" أم شيئًا يتجاوز هذا الحد؟ المقال يحيط بحالة الصائغ وكأنها، إن لم تكن بالفعل كذلك، ظاهرة سياسية انعكست في المجتمع والحياة السياسية في العراق والحركة الثقافية بوجه خاص. فقد انشغلت بنتائجها أوساط واسعة من المبدعين، وأدت إلى اصطفافات فكرية ومفاهيمية للعملية الإبداعية نفسها، ولمعنى الانتماء، ولدور المثقف، وللعلاقة العضوية بين الثقافي والسياسي.

جاءت تداعيات تلك الظاهرة لتخلّف انكسارًا عامًا في المجتمع، تجلى في تساؤلات سلبية وانكفاء أفرغ الحياة السياسية و"الحزبية" من نخبٍ لعبت دورًا رياديًا مشهودًا في اليقظة الوطنية وفي الارتقاء بالوعي والمسؤولية الوطنية خلال مسيرة التحول والتغيير. وقد تحكمت تلك الظاهرة، ظاهرة الانكسار العام الذي أعقب انقلاب البعث الاستباحي في 8 شباط 1963، بوتائر وأساليب لم يسبق لها مثيل من حيث التنكيل وأدواته بمصائر العراقيين، ورسمت ملامح مسيرة وخيارات جيل من المثقفين والمبدعين الذين كابدوا عذابات تفوق ما في قدرة الإنسان على احتماله، في ظل هيمنة البعث وزبانية صدام حسين، ذلك الكائن الملتبس المشكوك في تكوينه وسيرته، المفتقر لأي ملمح إنساني.
وهذا بالضبط ما كان هدفًا للبعث وفي أساس نهجه وتوجهاته منذ افتضاح ما رُسم له من دور في إجهاض ثورة 14 تموز 1958، والعمل على ارتدادها والانحدار بالبلاد إلى ما آلت إليه عبر خمسة عقود عجاف. وبرغم خطورتها وتداعياتها السلبية اجتماعيًا وسياسيًا، ظلت هذه "الظاهرة" مخبوءة في ثنايا النتائج الكارثية لانقلاب البعث وفي ضمائر ومعاناة ضحاياه، ولم يجرِ التوقف عندها أو إخضاعها لمراجعة تقييمية من شأنها التمييز بين مواقف من كانوا موضوعًا للتعذيب والتصفية الجسدية أو الإسقاط السياسي، وبين مستويات تجاوبهم مع الجلادين وتعاونهم معهم في بلوغ أهدافهم بانتزاع اعترافات على رفاقهم، أو بالبراءة والتطوع للإدلاء بمعلومات تدين رفاقهم تحت هول التعذيب وانكسار الجسد.
بين الضعف الإنساني والانهيار الكامل
مثل هذه المراجعة والتقييم ينبغي أن تميّز بين حالات الانكسار والضعف الإنساني، وبين الانهيار الذي يتحول فيه الضحية إلى جلاد، يتماهى معه ويصبح أداة في خدمته. لم يقتصر الإهمال على عدم تناول ظاهرة الانكسار لدى مناضلين فاقت أهوال ما تعرضوا له من عذاب وانتهاك طاقة البشر ، بل اتخذ التقييم طابعًا تبسيطيًا لمفهوم "الضعف"، واكتفى بتوصيف يفتقر إلى البعد الإنساني ، مع قدر من القسوة وعدم الإحاطة بما يواجهه الضحية بوصفه إنسانًا من أهوال التعذيب والانتهاك والعزلة، حيث يصبح الموت في تلك اللحظة الأمنية الأخيرة للخلاص.
لقد حاولتُ، في وقت مبكر، تناول هذه الظاهرة في إطار مفهوم "الضعف الإنساني" حين يُستباح الجسد إلى الحد الذي يتوحد فيه مع كينونته الممزقة، وذاته المنتزعة، المعزولة عن نوازع الضمير وتأثيراته الأخلاقية. ويتعرّى أمام الجلاد جسدًا بلا روح، في عزلة صامتة لا يُرى فيها مصدر قوته كإنسان ومناضل، جزء من كل يتقوّى وهو يتكئ على الجماعة! في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي، وفي مواجهة حملة القمع والتصفية البعثية التي تعرض لها الحزب الشيوعي، تحت وهم "إركاع الحزب وشل إرادته وتخليه عن هويته الفكرية واستقلاله السياسي والدخول في خيمة البعث"، قررت اللجنة المركزية أن يتولى كل رفيق قيادي جانبًا من المساهمة الفكرية والسياسية والتنظيمية لمواجهة الحملة الفاشية، عبر الارتقاء بمستوى الصمود والتحدي لدى الشيوعيين وهم يواجهون آلات القمع والبطش والتعذيب البعثية.
ولم أجد شخصيًا نموذجًا بطوليًا أسمى من ملحمة قائد الحزب الشيوعي الجيكوسلوفاكي، الصحفي يوليوس فوجيك، في كتابه "تحت أعواد المشنقة"، الذي كتبه في زنزانته قبل إعدامه على يد الغستابو النازي. وكانت مساهمتي آنذاك كتابة مقدمة للكتاب بعنوان "المفهوم البطولي للحياة"، تناولت فيها جانبًا من معنى البطولة وقيمها، والانكسار وتجلياته، آخذًا بالاعتبار ما كنا نجتازه من مكابدات كشيوعيين. ومقالة الكاتب زهير الجزائري أعادتني إلى تلك المرحلة بتناقضاتها وأخطائها وطابعها الملحمي من جهة، والانكسار من جهة أخرى. ومن هنا رأيت من الضروري، في سياق معالجة حالة يوسف الصائغ وتحولاته الفكرية والسياسية، التوقف بعمق ومسؤولية عند مفهوم "البطولة": صمودًا، وانكسارًا، وانهيارًا. فالتعامل مع هذه الحالات يتطلب رؤية لا تجرد الإنسان من جسده الممزق وهو يواجه عذابات يصبح الموت، بالمقارنة معها، خلاصًا.
يوسف الصائغ: مسيرة التناقضات
كان الصائغ قد أصبح شيوعيًا بإرادة واعية، وتعرض لما تعرض له أغلب المثقفين والمبدعين على أيدي جلاوزة البعث والحرس القومي بعد انقلابهم الدموي المشؤوم.في 8 شباط 1963 ولم يثنه انكساره تحت التعذيب عن انتمائه الحزبي، لكنه وجد مكانه بعد انهيار حكم البعث بعد اقل من سنة على حكمه الجائر في 18 تشرين 1963 في تنظيم القيادة المركزية المنشق عن الحزب الشيوعي، الذي عصفت به صراعات فكرية وسياسية وتنظيمية، لم تكن بمعزل عن النهج "غير المسؤول" لقيادته.
لكن يوسف عاد ثانية إلى الحزب، مستعيدًا صلته، وبقيت على تماس معه كما مع مثقفين آخرين في مسعى لـ"لم شمل الشيوعيين" وإعادة الصلة بمن انقطع عن التنظيم في ظل حملات القمع أو الاعتقال.
لم يتخلَّ يوسف عن طروحاته المتياسرة ولا عن نقده لنهج الحزب وسياساته. مارس هذا الحق في نشاطه الحزبي والاجتماعي، وشاركه في ذلك نخبة من مثقفي الحزب وأصدقائه، بينهم كثيرون تعرضوا للاعتقال والقمع بعد انقلاب 1963، مثل الشاعر الكبير سعدي يوسف الذي لم يبدُ عليه ما يوحي بانكسار قناعاته أو تراجعه عن انحيازه للحزب، وإن لم يرتبط تنظيميًا. وقد غادر سعدي إلى الجزائر للعمل هناك، ربما ابتعادًا عن البيئة السياسية التي أعقبت سقوط سلطة البعث، مع ظلال باهتة لأولئك الذين أسقطوا النظام وحلوا مكانه.
وبعد انضمام الحزب المشؤوم إلى "الجبهة الوطنية والقومية" وصدور جريدة الحزب الأسبوعية الفكر الجديد - بيري نوي باللغتين العربية والكردية، ثم صحيفة طريق الشعب اليومية لسان حال اللجنة المركزية للحزب ، انضم يوسف الصائغ إلى أسرة تحرير الجريدة، في القسم الثقافي، إلى جانب الشاعر سعدي يوسف وآخرين، فيما تولت الدكتورة سلوى زكو سكرتارية القسم. عندها كان الصائغ قد استعاد عضويته في الحزب، دون أن يتخلى عن آرائه أو نزوعه النقدي. لكن ممارساته حملت تناقضات في طروحاته وأثارت التباسات بين الرأي المغاير المشروع وبين الشبهة السياسية، خصوصًا ما تعلق منها بالموقف من الجبهة او نهج الحزب وما يواجهه من ظروف وتحديات. وكانت تلك الممارسات وليست الاراء مثار تساؤلات تبادلتُها مع الرفيق الراحل عبد الرزاق الصافي، ونحن نتمشى على كورنيش دجلة بعيدًا عن أجهزة التنصت، نتأمل مغزى ما يثيره الصائغ ودوافعه وما تستهدفه إثاراته.
في نهاية القسم الأول من الدوام اليومي، بعد أن تُقدَّم جميع الأقسام صفحاتها لأطلع عليها وأجيزها، تأخر القسم الثقافي عن تقديم صفحته. طلبت أكثر من مرة الإسراع لارتباطي بموعد يستلزم خروجي. وعندما خرجت محتجًا من مكتبي ، جاءت الدكتورة سلوى وهي تحمل الصفحة. تصفحتها كعادتي، أقلب الموضوعات والعناوين، وأتوقف عند ما يقتضي القراءة. حيث اصبح هذا التقليد سارياً بالنسبة للصفحات التي لا تنطوي على حساسية سياسية أو حزبية وقبل أن أطوي الملف وأوقع صفحاته لفت نظري نص بدا كما لو أنه "قصة قصيرة جدًا"، وكان هذا النوع شائعًا آنذاك. حملت القصة كما أتذكر عنوان "موت كلب".
ما إن قرأت بضعة أسطر حتى اتضح أنها محاولة إسقاط رمزية لحادثة موت ابن أحمد حسن البكر في حادث سير على الطريق الدولي كما تشير وقائع القصة. خرجت غاضبًا، فوجدت يوسف يشير إلى سعدي وسلوى وهما يبتسمان قائلين: "اكتشفها!".
وفي يوم آخر، خلال النصف الثاني من الدوام المخصص لقراءة وتدقيق المواد السياسية والفكرية وكتابة الافتتاحية اليومية، دخل يوسف الصائغ مكتبي وهو يحمل مقالًا، ناوله لي طالبًا قراءته. رجوته أن ينتظر حتى أنتهي، لكنه أصر على أن أقرأه وأجيزه فورًا. نزولًا عند رغبته بدأت القراءة، فهالني ما تضمنه من مديح وتقييم " للقائد" صدام حسين، وللجبهة، ولمسيرة الثورة. بصيغٍ وعباراتٍ وتمجيدٍ غير مألوفة في سياسة الجريدة ولا في نهج الحزب أنهيت المقال دون أن أرفع بصري ، خافياً انزعاجي وتوتري ، محافظًا على هدوئي. ولأن المقال لم يذيل باسم، وقعته باسم يوسف وأجزت نشره وناولته له. وما إن رأى اسمه أسفل المقال حتى مزقه ورماه وغادر مكتبي بصمت. كانت تلك الحركة مثار شبهة لا تخطئ، ونحن تحت ضغط حملة القمع والملاحقات لتسقيط الحزب وضمه إلى خيمة البعث.
تبادلت الوساوس، في مشيتنا اليومية على كورنيش دجلة كالعادة، مع عبد الرزاق الصافي ونحن نمشي لنتنفس هواءً غير ملوث، بعيدًا عن لاقطات وعسس الطاغية. واتفقنا أن نغضّ النظر عما جرى ، دون إشعار يوسف أو سواه بردة فعلنا ، مكتفين بما يقتضيه ذلك السلوك من انتباهة وحذر. إلى هنا، وما حاول القيام به يوسف الصائغ، يمكن أن يُدرج في باب الاجتهاد أو الخطأ الذي لا يتجاوز حدود الهواجس. غير أننا، ونحن في الشام بعد انتقالنا إلى المعارضة في أواخر السبعينيات من القرن الماضي ، فوجئنا بمقالة منشورة في مجلة ألف باء مكرّسة للنيل من الحزب والشيوعيين، وقد وقّعها يوسف الصائغ نفسه، مستندًا في اتهاماته وتشكيكه وما اعتبره دليلاً على خيانة الحزب، إشارته إلى محاولته إمرار مقالته عن " القائد والجبهة " وتعامل فخري كريم معها برفض النشر "فاضحاً " بذلك نوايا الحزب المعادية للجبهة ولـ"القائد الضرورة"!
زهير الجزائري، الذي كان عضوًا في مكتب الإعلام للحزب ، كان يتلقى كل ما يصل من صحافة ومعلومات، توضع تحت تصرف أعضاء المكتب لمتابعة تطورات الأوضاع، وصياغة ما تتطلبه من كتابات ومعالجات سياسية. ولربما وهو يكتب مقالته عن الصائغ خانته ذاكرته ونسي ما يعينه على تجنب النبش في ضمير الصائغ ليتأكد ان سقوطه لم يكن مجرد انكسار …
الذاكرة النقدية وتجربة الجيل
لقد تساءل البعض في صيغة اتهام للحزب ' لماذا لم يُحتضن يوسف الصائغ ولم يسعى الحزب لحمايته من محنة مواجهة ما كان ينتظره من مصير بتأمين انتقاله الى الخارج مثل مئات المثقفين . والحقيقة ان قيادة الحزب عرضت عليه ذلك ' كما آخرين لكنه رفض وقرر البقاء ..!
ان حالة الصائغ الذي لم يتعرض للاعتقال ويكابد أهوال التعذيب لينقلب على نفسه ويتحول إلى صوتٍ مستفز في صحافة النظام وفيما تبوأه من منصب رفيع ' تقابله حالات الـ عشرات من أ لمثقفين والمبدعين الذين آثروا البقاء في الوطن والانزواء بعيداً عن الأضواء وكل ما يريب ويحرض النظام عليهم . بل ان شخصيات بارزة منهم مارس الكتابة الإبداعية والنقدية والسردية في الصحافة دون ان يسقط في متاهات الإشادة بالحزب الحاكم والقائد الضرورة..
ومع ذلك فإن اي تقييمٍ لظاهرة الانكسار بكل تتابعاته، باستثناء الخيانة والوشاية القاتلة تحت فعل التعذيب والإرغام ينبغي ان تميز بين الموقف من الضحية سياسياً والعملية الإبداعية ونتاجاتها. وهو ما لم يُراع حتى من قبل بعض المثقفين انفسهم ..
أن تبسيط العلاقة بين الجلاد والضحية، في تناول ظاهرة انكسار المناضل وهو يواجه الموت دفاعًا عن خياره الفكري، وعدم التمييز بين الضعف الإنساني وخيانة الضمير، بتجلياتهما المتفاوتة، أدى إلى ممارسات فظة ولا إنسانية، فاقمت عزلة المئات، بل ربما الآلاف، من ضحايا مجازر البعث واستباحاته.
لم تقتصر نتائج تلك المواقف على الضحايا أنفسهم باعتبارهم موضوعًا للمكابدة، بل انعكست أيضًا على الحزب الشيوعي والحركة الوطنية، فأدت إلى خسارة نخبة لم تتخلَّ عن خيار الضمير، وحُرمت من الاحتواء والإنصاف والتسامح. وهذا لا يمنع أو يحول دون مواجهة الضعف في صورته الحقيقية، خصوصًا حين يتحول إلى انهيار ونكوص، أو ينزلق إلى الوشاية والإيقاع بالآخرين، والسقوط في وحل الخيانة.
إن قدر المثقف، كما سائر المنحازين إلى قضايا العدالة والحرية والنزوع الإنساني نحو عالمٍ يصبح فيه الإنسان سيد نفسه ومصيره ومستقبل مواطنيه، أن يصطدم أحيانًا بظرفٍ تهيمن فيه قوى العسف والاستبداد وإلغاء المختلف، في فضاء مفتوح على الاستباحة بكل أدوات امتحان طاقة الجسد والروح. إذ يُدفع المناضل إلى تحمل عذابات تفوق طاقة البشر، ويتفنن الجلادون في العبث بجسدٍ محرّم وتشويه روحه ووجدانه، حتى يتحول، في لحظة مقاربة للاحتضار، إلى مثال للإغراء على الاستسلام.
وعند تلك اللحظة، حين يتهاوى الجسد، وتتنمل مسامات الروح وتتخدر اليقظة، يتداعى الجسد ويفقد المناضل القدرة حتى على التأوه أو الصراخ أو الاستجارة، ويغيب وعيه فيبدو وكأنه استسلم. لقد عرفت مثل هذه الحالات من الانكسار، حين يبكي المناضل كطفلٍ فقد أمه، أو حين يتمرد على جسده المستسلم وهو يصرخ نافيًا ضعفه، مصغيًا إلى نداء ضميره، متشبثًا بالمُثل التي وضعتْه في مواجهة ذلك المصير.
ولن أنسى ما حييت إنسانًا من ذاك الزمن المكابر الجميل، وهو يخاطب بعض رفاقه ممن تهاووا: "أرجوكم، اتركوني أدافع عمّا تعاهدتُ على الحفاظ عليه، كما تركتكم فيما اخترتم دون إدانة."
فهل يحتاج يوسف الصائغ، ومثل حالته، إلى نبشٍ في أعماق الضمير، لاكتشاف مكامن الضعف التي قادته إلى تطوعٍ مُخِلّ في صف البعث وطاغيته؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. طالب السنجري

    منذ 2 شهور

    أرجو لمثل هذه الكتابة أن تعيد الوعي لحاضر مسؤول.

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram