النجف/ عبدالله علي العارضي
يواجه فلاحو النجف هذا العام أزمة غير مسبوقة مع تأخر إعلان الخطة الزراعية لموسم 2025، إذ يجدون أنفسهم أمام موسم زراعي بلا ملامح واضحة، ما دفع العشرات منهم إلى تنظيم وقفة احتجاجية أمام مبنى مديرية الزراعة في المحافظة. وأكد المحتجون أن غياب الخطة الزراعية لا يهدد محاصيلهم وأرزاقهم فقط، بل يهدد الأمن الغذائي للبلاد بأكملها، مطالبين الحكومة بخطوات عاجلة تبدأ بالضغط على الجانب التركي لإطلاق الحصص المائية المقررة للعراق، إضافةً إلى صرف التعويضات المتأخرة منذ عام 2023 أسوةً بما جرى في العام الذي سبقه.
لجنة بلا خطة
حاكم الخزرجي، معاون مدير زراعة النجف، أوضح في تصريح لـ«المدى» أن «الخطة الزراعية الموسمية للفصلين الشتوي والصيفي تعتمد على توصيات اللجنة المشتركة بين وزارتي الزراعة والموارد المائية، وهذه التوصيات تُحدد وفق نسب الواردات المائية والخزين الاستراتيجي». وأضاف: «حتى اللحظة لم تصدر الخطة الخاصة بموسم 2025، وهو ما أدى إلى حالة من القلق بين الفلاحين الذين يستعدون لموسم حاسم».
وأشار الخزرجي إلى أن «المساحات المزروعة في النجف تنقسم إلى قسمين: الأول يعتمد على المياه السطحية بمساحة تصل إلى 250 ألف دونم، والثاني يعتمد على مياه الآبار التي توسعت بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، إذ ارتفعت من 62 ألف دونم إلى 197 ألف دونم». وأكد أن «النجف استشعرت خطر شحّة المياه منذ ثمانينيات القرن الماضي، فبادرت إلى إدخال منظومة السقي بالتنقيط لمحاصيل الخضر في منطقة الحصوة، واليوم توسعت باستخدام المرشّات المحورية في مساحات واسعة منها ناحية شبجة».
مشاكل مركبة
من جانبه، أكد محسن عبد الأمير، مدير الجمعيات الفلاحية في النجف، لـ«المدى» أن «تأخر إعداد الخطة الزراعية يعود بالدرجة الأولى إلى الشحّة المائية، لكن المشاكل لا تقف عند هذا الحد، فهناك نقص واضح في المبيدات وارتفاع أسعار الأسمدة وتراكم الديون على الفلاحين لصالح وزارة التجارة».
وأضاف: «الفلاح يقف الآن على أعتاب موسم زراعي جديد، لكنه لم يتسلم تجهيزات الحراثة أو البذور أو المستلزمات الزراعية، وهو ما جعله يشعر وكأنه أمام موت بطيء»، لافتاً إلى أن «تأجيل إعداد الخطة أو ربطها بملف المياه دون حلول بديلة سيضاعف معاناة المزارعين ويدفع الكثير منهم إلى ترك الأرض».
أصوات المزارعين
الفلاح حسن كاظم، من مزارعي محصول الحنطة في قضاء المشخاب، قال لـ«المدى»: «كل يوم يمر دون إعلان الخطة الزراعية يعني أننا نخسر فرصة للزراعة. تجهيز الأرض وزراعة الحنطة يحتاجان إلى وقت محدد، وإذا ضاعت هذه الفترة فالموسم كله يضيع. نحن نعتمد على هذا المحصول كمصدر رزق أساسي، وتأخيره يعني خسارتنا وخسارة عوائلنا».
أما المزارع علي حسن من ناحية القادسية، فأوضح أن «تأخر الخطة الزراعية وضعنا في حيرة كبيرة، لا نعرف إن كنا سنزرع أم لا. تجهيز الأرض يحتاج جهداً ومالاً، وإذا استمر الغموض فإن الكثير من الفلاحين قد يتركون الزراعة ويتجهون إلى المدينة بحثاً عن عمل بديل. هذا الوضع يهدد مستقبلنا ومستقبل أولادنا، ويهدد الأمن الغذائي للبلد كله».
احتجاج ورسائل سياسية
شدد المحتجون أمام مديرية الزراعة على أن غياب الخطة الزراعية لا يُعد مجرد مشكلة إدارية أو موسمية، بل أزمة متكررة تُضعف القطاع الزراعي وتدفع الفلاحين إلى هجر الأرض قسراً. وطالبوا الحكومة باتخاذ خطوات سريعة تضمن حقوقهم، أبرزها إطلاق مستحقات العراق المائية من تركيا، والإسراع بصرف تعويضات عام 2023 المتأخرة، مثلما جرى في عام 2022. ويؤكد مراقبون أن استمرار الغموض في ملف الخطة الزراعية، مع تزايد الأزمات المرتبطة بالمياه والتجهيزات الزراعية، سيقود إلى تداعيات اقتصادية واجتماعية خطيرة، أبرزها هجرة الفلاحين نحو المدن، وزيادة الاعتماد على الاستيراد لتغطية النقص في الحبوب.










