TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العراق يسعى الى دبلوماسية متوازنة مع جيرانه

العراق يسعى الى دبلوماسية متوازنة مع جيرانه

نشر في: 2 أكتوبر, 2025: 12:12 ص

غويوم بو

ترجمة : عدوية الهلالي

في ظلّ تلاقي مصالح العديد من القوى الإقليمية والعالمية، يسعى العراق حاليًا إلى الحفاظ على أفضل علاقات ممكنة مع جيرانه، مع تأكيد رغبته في الاستقلال الاستراتيجي. في الأشهر الأخيرة، وخاصةً في أعقاب حرب غزة وعشرات الهجمات التي شنّتها الميليشيات الشيعية على القواعد الأمريكية في العراق، دأبت إسرائيل على التأكيد على ضرورة السيادة العراقية الكاملة، بعيدًا عن التدخل الأجنبي. وفي هذا الإطار، على سبيل المثال، بدأت السلطات العراقية محادثات مع الولايات المتحدة في كانون الثاني 2024 لوضع جدول زمني للانسحاب التدريجي للقوات الأمريكية من البلاد ، وفي أيار من العام نفسه، ضمنت مغادرة بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي)، التي أُنشئت عام 2003 . ومع مرور الأشهر وورود أنباء إقليمية ، تباينت طبيعة انسحاب القوات الأمريكية، حيث صرّحت واشنطن بأنه ليس «انسحابًا» بالمعنى الدقيق للكلمة لجنودها ومعداتها من البلاد، بل هو نهاية المهمة العسكرية لتحالف «العزم الصلب»، الذي شُكّل في حزيران 2014 والموجّه ضد داعش . وهكذا، بينما ستغادر قوات التحالف بعض القواعد العراقية، ستواصل الولايات المتحدة الحفاظ على وجود عسكري في البلاد. ويبدو هذا أكثر واقعيةً نظرًا لأن الانسحاب الأمريكي من سوريا، الذي تقرر عقب الإطاحة بنظام بشار الأسد في كانون الأول 2024، قد بدأ بالفعل، وتمثّل في إعادة انتشار أولية للقوات الأمريكية في نهاية نيسان 2025 إلى قاعدة عين الأسد في العراق .
ولا تزال العلاقات مع إيران وتركيا متذبذبة بشكل خاص، سواءً بسبب تدخل هاتين القوتين في الشؤون العراقية، أو بسبب طبيعة التعاون شبه الحتمي بين هاتين الدولتين وبغداد في المجالات الاقتصادية والثقافية والأمنية. ولا يزال العراق مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بإيران ، لا سيما في قطاع الطاقة، حيث أصبحت الأراضي العراقية منفذًا أساسيًا لطهران، إذ يُوفر الغاز الإيراني 30% من استهلاك الطاقة العراقي . ولذلك، يواصل البلدان تعاونهما الوثيق ، على الرغم من خطر العقوبات الأمريكية وأنشطة الميليشيات الشيعية في العراق. وفي الواقع، إن وجود هذه الأخيرة، ومعها الجهاز السياسي والاقتصادي الذي أنشأته الميليشيات الشيعية وحلفاؤها على مدى العقد الماضي، يمنح إيران حضورًا قويًا في البلاد، وهو ما يُلزم بغداد بالتعامل معه . كما أن العلاقات مع تركيا معقدة: فبينما وقّع البلدان عدة اتفاقيات هامة في الأشهر الأخيرة ، احتج العراق مرارًا على العمليات العسكرية والغارات الجوية التي نُفذت في شمال العراق ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني (PKK)حتى إعلانُ الأخير عن حلِّه في 12 أيار ،هذا العائقَ الذي يُثقل كاهل العلاقات العراقية التركية منذ سنواتٍ عديدة.. كما يُتوقع أن تجد هذه العلاقات اتجاهًا جديدًا مع مشروع "طريق التنمية" الذي يدعمه البلدان.
ويعمل العراق أيضًا، مع استقرار وضعه الأمني، على إعادة تطوير دبلوماسيته الإقليمية. فعلى سبيل المثال، تقف بغداد وراء الوساطة الناجحة بين إيران والمملكة العربية السعودية لتطبيع العلاقات بين الخصمين في الشرق الأوسط: فقد بدأ الدبلوماسيون العراقيون العمل في عام 2022 قبل أن تحصل الصين أخيرًا، في 10 آذار 2023، على امتياز تنظيم توقيع اتفاقية التطبيع في بكين . وبناءً على هذا النجاح، ورغم ضعف الدعاية المُخصصة للعراق، انخرط في ربيع العام نفسه في التوترات بين مصر وإيران، مُتمكنًا من استعادة العلاقات بين البلدين . وفي 20 آيار 2025، أعلن وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين أن العراق سيعرض خدماته كوسيط في اليمن والسودان وليبيا . وقد نجحت بغداد بشكل ملحوظ في إقامة علاقات وثيقة مع الأردن ومصر منذ عام 2019؛ وفي أوائل آيار 2025، التقى ممثلو هذه الدول الثلاث قبل قمة جامعة الدول العربية التي عقدت في العاصمة العراقية في 17 آيار . وفي الواقع، تنظم الدول الثلاث اجتماعات ثلاثية منتظمة تناقش خلالها جميع أنواع القضايا التي تهمها.
ولا يزال العراق يواجه العديد من التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية والمناخية. فبينما شهدت أراضيه هدوءًا نسبيًا بسبب ضعف داعش وإعلان حل حزب العمال الكردستاني، لا يزال انعدام الأمن سائدًا ويغذيه كل من الجماعات ذات الأجندات السياسية والأفراد الذين يسعون إلى الافتراس الاقتصادي. ويعاني الاقتصاد العراقي، من جانبه، من تداعيات تقلبات أسعار النفط الناجمة عن الأحداث المتغيرة باستمرار في المنطقة؛ما يؤدي إلى بقاء جزء كبير من السكان في ظروف معيشية متردية، مما يُسبب اضطرابات شعبية تتفاقم بسبب الفساد المستشري. ومن المرجح أن يُسهم تغير المناخ، كما تُقاربه السلطات العراقية اليوم، وفي ضوء التقديرات العلمية، في إضعاف الوضع الاجتماعي والاقتصادي للعراقيين. وفي هذا السياق، فإن الحياة السياسية العراقية، التي تتسم بالمنطق الطائفي والمذهبي، لا تُواجه هذه التحديات إلا بشكل جزئي. وستكون الانتخابات التشريعية في تشرين الثاني 2025 حاسمة في هذا الصدد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram