علاء المفرجي
ما الذي يجعل تلميذاً متسلحاً علمياً بـ (بكالوريوس) أدب انكليزي في بلده، أن يتجشم عناء السفر إلى معقل السينما في العالم، كي يحصل على درجة علمية في السينما، غير عشقه لهذا الفن ودوره المتعاظم بين جميع المعارف الإنسانية، وما الذي جعله يعود إلى بلده ما أن فرغ من هذه الدراسة، بدرجة الماجستير، سوى إيمانه بأهمية ما صار يمتلك من علم وخبرة في السينما، أن يعمل على تطوير هذا الفن في بلده الذي لم يكن حينها قد تجاوز العقدين من العمر.
وإذا كان جعفر علي قد نجح في الأمرين، أعني الذهاب عاشقاً لدراسة السينما في ما يعرف بمهدها، وجدوى ما فعله، وإن أصطدم كثيراً بالعراقيل، والمشاكل التي توزعت بين حداثة هذا الفن في بلده، وبيروقراطية من عملوا في إدارة هذا الفن، والأمر الثاني أنه نجح في أن يضيف شيئاً مهما له، سننتبه إليه ويا – للأسف – بعد رحيله، حيث يرتبط باسمه تأسيس قسم السينما في كلية الفنون الجميلة، وافتتح الدراسات العليا فيه بعد مدة من الزمن، كذلك تأسيسه لفرقة (مسرح اليوم).
وبالرغم من تعدد إهتمامات جعفر علي الفنية في المسرح والسينما والتلفزيون، وتنوع منجزه الفني وسعة ثقافته في جوانب الحياة المتعددة، إلا أنها تنتظم بما عرف بأسلوب جعفر علي، فالمتابع لأعمال هذا المخرج الفطن، يستطيع أن يؤشر ملامح أسلوبية له، متأتية من خلال دراسته في جامعة (آيوا) الأمريكية وتخرج فيها، وأيضاً من خلال أفكار وسلوك المخرج في الحياة مثل تأثره بالفكر اليساري.. فكان تأثير الواقعية والتعبيرية واضحاً سواء في السينما أم في المسرح، وكانت كل أعماله تعالج الجانب الإنساني، وما يعانيه الإنسان من أزمات وجودية، والصراع المحتدم للطبقات المستغَلة (بفتح الغاء) ضد عدوها الطبقي، وكان هذا واضحاً في جل أعماله المسرحية، وواضحاً بشكل أعمق في أعماله السينمائية.
كان فيلما (الجابي) و(المنعطف) هما الثمرتان اليانعتان لعطاء جعفر علي السينمائي، على قصر تجربته في هذا المجال، هذان الفيلمان وضعا الملامح الأسلوبية لجعفر علي، ولو قدر له أن يستمر في عمله السينمائي بما يرغب، وبما تمليه عليه قناعاته وإيمانه من دون تدخل مؤسسة، أو شخص، لكن قد صاغ شخصية وأعمال سينمائية للمرة الأولى في تاريخ السينما في العراق.
فـ (الجابي) كان باكورة أعمال جعفر علي، الذي كتب قصته والسيناريو والحوار له، وهو يتحدث بشكل واقعي عن حياة الناس وهمومهم اليومية داخل حافلة نقل الركاب (طول الفيلم)، وأزعم أنه أول فيلم في السينما العراقية من أفلام الطريق..
استخدم فيه عنصر المونتاج وهو التقاطع بواسطة اللقطات من (اللص) إلى (الجابي) حيث لقطة نظرات اللص ثم الانتقال إلى لقطة أخرى حيث الجابي وجيبه المليء بالنقود وهذا إيحاء إلى حدث سوف يحدث في اللقطات الأخرى. أعتمد جعفر علي الواقعية وهي نزعة ذاتية تعبر عن الافكار للفنان وصانع الفلم من خلال انطباعه للواقع الذي يعيشه. ولا يخطء المتابع النبه الى تأثير السينما السوفيتية على هذا العمل.
أما (المنعطف) وهو الفيلم الذي أخرجه عام 1974 وعرض في غير مهرجان سينمائي عالمي، وهو معد عن قصة (خمسة أصوات) لغائب طعمة فرمان وكتب السيناريو له بالاشتراك مع صادق الصائغ.. وعرض في مهرجان موسكو عام 1975، والفيلم يسير على النهج نفسه في فيلم ()الجابي، حيث الواقعية في أحسن تجلياتها، إستخدم المخرج في هذا الفيلم عناصر اللغة السينمائية في الإيحاء عن المعاني والدلالات التعبيرية والجمالية في الكثير من المشاهد، مع الإلتزام بواقعية أفلت من الشاشة.









