ميسان / مهدي الساعدي
أطلق ناشطون محلّيون لقب «مدينة الدخان» على ناحية المُشْرَح الواقعة شرق مدينة العمارة، بسبب انتشار الدخان الكثيف في أجوائها، والناتج عن احتراق القصب الجاف الذي خلّفه جفاف هور الحويزة، بعد أن كان يغطي مساحات واسعة من أراضي الناحية المرتبطة بشكل مباشر بالأراضي الإيرانية.
موعد الناحية مع انتشار الدخان الكثيف يتجدد كلما هدأت حدّة هبوب الرياح الشمالية أو الغربية، أو تغيّر مسارها لتغرق أجواء المدينة بالدخان الخانق الكثيف الناتج عن احتراق القصب، الذي تعددت الآراء بسبب اشتعاله، لتبقى مشكلة الجفاف سببًا رئيسيًا لاحتراقه.
كارثة بيئية مزدوجة
أعرب ناشطو البيئة والمهتمون بالوضع العام في الناحية التي عانت ويلات الجفاف إلى حدٍّ كبير جدًا عن قلقهم إزاء ما يحصل فيها، وسط صمت الجهات المعنية والدوائر والوزارات ذات العلاقة، ليصل الحال بناحية المُشْرَح إلى تعرّضها لكارثة بيئية مزدوجة.
وقال الناشط والمهتم بالجانب البيئي علي البطاط لصحيفة (المدى): «مدينة المُشْرَح تتعرض للتلوث بشكل كبير جدًا، يصل بها إلى حدّ الإبادة، ولم نرَ أي تدخل حكومي أو تصريح إعلامي من قبل المعنيين يستنكر ما يحصل فيها، وكأنها مدينة حقول وشركات نفطية فقط، والسكان والأهوار خارج حدودها».
وشدّد على «ضرورة أن تقف الحكومة المحلية والمركزية ونواب المحافظة ووزارة البيئة وكافة الجهات المعنية ضد الكارثة البيئية المزدوجة التي تعاني منها الناحية، حيث إن احتراق قصب الأهوار أدى إلى انبعاث الدخان الملوث للهواء، إضافة إلى جفاف الأهوار، ليتبعه جفاف نهر المُشْرَح والأنهار الأخرى المتفرعة منه».
أعرب أكاديميو المحافظة عن قلقهم حيال ما يتعرض له أبناء ناحية المُشْرَح، داعين الجهات المسؤولة إلى أخذ زمام المبادرة وتحمل المسؤولية، لأن المتضرر الأكبر من التلوث هم أبناء الناحية.
وأوضح الأستاذ ماجد حميد، التدريسي في جامعة ميسان، لصحيفة (المدى): «تفاقم مشكلة تلوث الهواء، وبالخصوص في أجواء ناحية المُشْرَح، يعرض حياة أبنائها للخطر وإصابتهم بالأمراض المختلفة، خصوصًا بعد فقدان الدور الحكومي وعدم إيجاده للحلول المؤقتة على أقلّ تقدير».
وبيّن حميد أن «الدخان يخنق أبناء الناحية، والتلوث يتفاقم يومًا بعد آخر، مما يزيد من معدلات الإصابة بالأمراض التنفسية المختلفة، إضافة إلى الأمراض السرطانية التي بدأت تفتك بالمجتمع».
مخطط للتهجير
وجّه ناشطون في الشأن البيئي بمحافظة ميسان أصابع الاتهام إلى الحكومة، متهمين إياها بتعمد تجفيف الأهوار من أجل توسعة عمليات الاستكشاف النفطي في المنطقة، والضغط على الأهالي لتهجيرهم وتحويل المنطقة برمّتها إلى مناطق نفطية.
وفي هذا المجال أوضح الناشط البيئي مرتضى الجنوبي لصحيفة (المدى): «زيادة التوسع النفطي في الآونة الأخيرة، وبشكل ملحوظ، يخلو من أي اهتمام بالمناطق الطبيعية التي يُبحث فيها عن النفط، والتي يُفترض معاملتها بشكل خاص ومراعاة البيئة الواقعة ضمنها».
كما بيّن الجنوبي، خلال مناشدات طرحها عبر مواقع إعلامية تابعتها صحيفة (المدى)، أن «لا الحكومة المحلية ولا المركزية بادرتا إلى معالجة الأزمة أو قدمتا حلولًا عاجلة، وما يجري هو مخطط ممنهج لتجفيف الأهوار ودفع سكانها إلى الهجرة خدمةً لمشاريع التوسعة النفطية الأخيرة في المنطقة».
وتأتي تصريحات الجنوبي بعد تفاقم حجم الكارثة البيئية والإنسانية التي تتعرض لها مناطق الأهوار في ميسان، بسبب الجفاف القاسي الذي يقابله تمسك البعض بأماكن سكناهم وعدم تركها، وما حفرُ الآبار وسط مجاري الأنهار الجافة لتأمين مياه الشرب إلا مثال بسيط على ذلك.
من جانب متصل، بثت العديد من منصات التواصل الاجتماعي مقاطع فيديوية عن واقع ناحية المُشْرَح تحت عنوان «المُشْرَح مدينة الدخان»، بيّنت خلالها معاناة السكان من الدخان المستمر والناتج عن حرائق هور الحويزة.
وجاء في المقاطع التي رصدها وصورها مواطنون محليون واطلعت عليها صحيفة (المدى)، أن «المنطقة تعاني من جفاف شديد، حيث جفت الأنهار بالكامل، دون أي تدخل حكومي لمعالجة الأزمات، والجهات الرسمية صامتة ولا تعلن عن خطط أو حلول، مما يزيد من معاناة السكان ويجبرهم على مغادرة مناطقهم».
ناحية منكوبة
طالب عدد من أبناء ناحية المُشْرَح بإعلانها منطقة منكوبة، بسبب الأزمات والكوارث التي شهدتها ولا يزال أبناؤها يعانون من تبعاتها القاسية؛ من جفاف الأهوار، ثم جفاف الأنهار، وتعرضها للتلوث المائي والهوائي بسبب انتشار الدخان الكثيف في أجوائها، ونزوح أعداد كبيرة من سكانها، ونفوق الأحياء المستوطنة فيها، وفي مقدمتها الجاموس والمواشي، وغيرها من الأزمات الأخرى. وفي هذا الصدد، طالب الناشط الإنساني والبيئي علي محسن عبر تدوينة له على صفحته في «فيسبوك» تابعتها صحيفة (المدى): «يفترض إعلان المُشْرَح ناحية منكوبة، لأن الجفاف ضرب الأنهار، والتلوث طال الهواء والماء والتربة، والأمراض السرطانية والكلوية تتزايد بين أبناء الناحية يومًا بعد يوم، ومدارس الريف بلا ماء ولا خدمات. إنها كارثة إنسانية وبيئية». إلى ذلك، انتقد ناشطون ومهتمون بالشأن البيئي من أبناء الناحية الاجتماعات التي تُعقد في المحافظة من قبل جهات تُعنى بالشأن البيئي. وقال حيدر عدنان، رئيس منظمة أبناء الأهوار، عبر تدوينة مقتضبة تابعتها صحيفة (المدى): «قبل أيام عقد مجلس حماية وتحسين البيئة جلسته الأخيرة في ديوان محافظة ميسان، وكانت النتائج مبهرة! وناحية المُشْرَح تتعذب وليست تعاني من الدخان».
ووصف آخرون الغرض من إقامة تلك الجلسات بأنها لا تتعدى كونها تنفيذًا للروتين الحكومي، في ظل استمرار التلوثات والانتهاكات البيئية رغم وجود أدلة موثقة.
وبيّن المكتب الإعلامي لمديرية بيئة ميسان انعقاد الجلسة الثانية للعام الجاري لمجلس حماية وتحسين البيئة في المحافظة، وناقش عددًا من المحاور المدرجة على جدول أعماله، عبر بيان تابعته صحيفة (المدى)، جاء فيه: «ناقش المجلس موضوع حدوث الحرائق داخل هور الحويزة، وما تم رصده وتوثيقه من خلال الزيارات الميدانية لفرق المديرية، مع التشديد على ضرورة توفير الإطلاقات المائية اللازمة لإعادة إنعاش الأهوار والحد من تلك الحرائق التي تؤثر على إدارة الأهوار كممتلكٍ للتراث العالمي».
ولم يتطرق المجلس إلى قضية اجتياح الدخان الكثيف الناتج عن احتراق القصب في الأهوار الجافة لأجواء ناحية المُشْرَح، وما نتج عنه من اختناق ومشكلات صحية عديدة بين سكان الناحية.










