TOP

جريدة المدى > خاص بالمدى > أكثر من 50 حالة انتحار في ذي قار خلال الأشهر الماضية من عام 2025… وطبيبان نفسيان فقط لمواجهة الأزمة!

أكثر من 50 حالة انتحار في ذي قار خلال الأشهر الماضية من عام 2025… وطبيبان نفسيان فقط لمواجهة الأزمة!

نشر في: 5 أكتوبر, 2025: 12:09 ص

 بغداد / تبارك عبد المجيد

تشهد محافظة ذي قار في السنوات الأخيرة تزايدًا مقلقًا في حالات الانتحار، في ظاهرة وصفها المراقبون بـ«المعقدة»، لا سيما عند النظر إليها من منظور التركيبة الاجتماعية المتشابكة في العراق. ويشير الخبراء إلى أن معالجة هذه الظاهرة تتطلب جهودًا شاملة تتجاوز القطاع الصحي لتشمل تعاون مختلف الأطراف في المجتمع، خاصةً أن المحافظة تحتوي على طبيبين نفسيين فقط لتغطية احتياجات ملايين السكان.
سجلت خلية الأزمة في المحافظة أكثر من 50 حالة خلال الأشهر الماضية من هذا العام، وتفاوتت أسباب هذه الحالات بين دوافع اقتصادية، اجتماعية، نفسية، ودينية، ما يعكس تعقيد الظاهرة وتعدد عواملها. من أبرز الحالات، انتحار طالبة في قضاء الشطرة خلال شهر تموز بعد ظهور نتائج الثانوية، إذ أقدمت على إنهاء حياتها رغم نجاحها، نتيجة شعورها بالإحباط من معدلها النهائي. وفي قضاء سوق الشيوخ، أقدم شاب يبلغ من العمر 17 عامًا على الانتحار شنقًا داخل منزله في شهر أيلول، بينما عُثر في شهر آب على ضابط في الجيش العراقي مشنوق داخل منزله في قضاء الشطرة، ما أثار جدلًا واسعًا في المحافظة.

توزيع «غير عادل»!
د. إبراهيم الصائغ، مدير مكتب الصحة النفسية في دائرة صحة ذي قار، يؤكد أن صعوبة التعامل مع هذه الأزمة تعود إلى عدم القدرة على التوغل داخل الأسر ومتابعة الأسباب الحقيقية التي تدفع الشباب والنساء إلى الانتحار، ما يستدعي بناء شبكة دعم واسعة تشمل الجهات الصحية والاجتماعية والتعليمية معًا.
ويضيف الصائغ في حديث لـ«المدى» أن هذه التحديات تأتي في ظل نقص حاد في الكوادر الطبية النفسية في المحافظة، حيث يبلغ عدد سكان ذي قار ما يقارب مليونين ونصف المليون نسمة، بينما يتوفر فقط أربعة أطباء نفسيين، اثنان منهم فقط ملتزمان بالعمل في دائرة الصحة، فيما ينتمي الاثنان الآخران إلى وزارة التعليم العالي ويقتصر عملهما على التدريس الجامعي، دون تقديم خدمات علاجية مباشرة للمواطنين.
ويشدد الصائغ على أن المحافظة بحاجة إلى توسعة المؤسسات النفسية وإنشاء مراكز متخصصة لعلاج الإدمان والانتحار والأمراض النفسية، موضحًا أن الخدمات الحالية تقتصر على وحدة صغيرة للتعافي في مستشفى الحسين العام، وهو ما لا يتناسب مع حجم التحديات التي تواجهها ذي قار. وعن سوء توزيع الكوادر الطبية، أشار الصائغ إلى أن العراق يضم عددًا جيدًا من الأطباء النفسيين، إلا أن توزيعهم بين المحافظات غير عادل، داعيًا وزارة الصحة إلى إرسال مزيد من الأطباء إلى ذي قار أسوة بمحافظات أخرى مثل كربلاء التي تضم نحو 20 طبيبًا نفسيًا.
وتابع الصائغ حديثه بالتأكيد على أن هناك سبعة أطباء نفسيين من المتوقع أن ينضموا إلى العمل في المحافظة قريبًا، ما قد يخفف من حدة الأزمة جزئيًا، لكنه شدد في الوقت نفسه على أن الحاجة ما زالت ماسة إلى دعم أكبر وبنية تحتية أقوى لمواجهة هذه التحديات النفسية والاجتماعية.
وقال الباحث الاجتماعي، إبراهيم البياتي، إن «ارتفاع حالات الانتحار في محافظة ذي قار مرتبط بعدة عوامل اجتماعية وثقافية معقدة، أبرزها الضغوط الاقتصادية والاجتماعية داخل الأسر، إلى جانب الصدمات النفسية الناتجة عن فقدان أحد أفراد الأسرة أو الفشل الدراسي والمهني. هناك أيضًا تأثيرات مرتبطة بالتركيبة الاجتماعية المحافظة، التي تجعل الكثير من الأفراد متحفظين عن طلب المساعدة النفسية خوفًا من النظرة الاجتماعية السلبية أو الوصمة التي قد تلحق بهم أو بأسرهم». وتابع لـ«المدى»، إن «المشكلة تتفاقم بسبب نقص الأطباء النفسيين والاجتماعيين في المحافظة، حيث لا تتجاوز أعدادهم القليل جدًا مقارنة بعدد السكان الذي يُقدّر بالملايين. هذا النقص يؤدي إلى صعوبة وصول الحالات الحرجة إلى الدعم والعلاج المناسب في الوقت المناسب، ويترك الكثير من الحالات من دون متابعة أو تدخل مهني». وأضاف: «لذلك، ليس السبب في تزايد حالات الانتحار فقط الضغوط الفردية، بل أيضًا غياب البنية التحتية النفسية والاجتماعية المتكاملة، ونقص المؤسسات والمراكز المتخصصة التي يمكن أن تقدم استشارات علاجية ودعمًا نفسيًا للأسر والمجتمع بشكل عام».
وتابع قائلًا: «معالجة هذه الظاهرة تحتاج إلى جهود مشتركة بين الصحة والتعليم والإعلام والمجتمع المدني، لضمان تقليل الوصمة النفسية وتشجيع المتضررين على طلب المساعدة، إلى جانب زيادة عدد الأطباء والمراكز المتخصصة في المحافظة».

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

مقالات ذات صلة

لا حسم في

لا حسم في "الإطار": الملف البرتقالي يخرج بلا مرشحين ولا إشارات للدخان الأبيض

بغداد/ تميم الحسن أصبح "الإطار التنسيقي" يبطئ خطواته في مسار تشكيل الحكومة المقبلة، بانتظار ما يوصف بـ"الضوء الأخضر" من واشنطن، وفق بعض التقديرات. وفي المقابل، بدأت أسماء المرشحين للمنصب الأهم في البلاد تخرج من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram