بغداد / تبارك عبد المجيد
يشهد ملف إزالة الألغام في العراق تقدّمًا ملحوظًا، بعد سنواتٍ من العمل الميداني المكثّف في المناطق التي شهدت نزاعاتٍ مسلّحة، إلا أنّ الخبراء والعاملين في هذا المجال يؤكّدون أنّ الطريق ما زال طويلًا أمام إعلان البلاد خاليةً تمامًا من الخطر، بسبب نقص التمويل وضعف الدعم الحكومي.
وقال المستشار العسكري السابق صفاء الأعسم إنّ نسب إزالة الألغام في العراق شهدت تقدّمًا ملموسًا، مؤكّدًا أنّ العمليات الأخيرة في مناطق مختلفة من البلاد أسهمت في تقليص المخاطر بشكلٍ كبير.
وأوضح الأعسم لـ«المدى» أنّ حديثه الأخير مع مدير عام الطرق والجسور في هيئة الحشد الشعبي كشف عن تطوّرات إيجابية، حيث أشار إلى أنّ حلف الناتو، عبر خبرائه الإيطاليين والفرنسيين، أعطى تقريرًا يفيد بأنّه تم رفع ومعالجة أكثر من 85% من الألغام المزروعة في مناطق سابقة للقتال.
وأضاف أنّ المشكلات القائمة حاليًا تتركّز في صحراء الفاو ومناطق البصرة، حيث أدّت التغيّرات المناخية وارتفاع منسوب المياه إلى انكشاف بعض الألغام القديمة، لافتًا إلى أنّ هذه الألغام كانت مزروعة على الحدود العراقية – الإيرانية خلال فترة الصراعات السابقة.
وأشار الأعسم إلى أنّ المخاطر السابقة في المناطق الغربية والجنوبية، بما في ذلك صحراء غرب وشمال غرب الأنبار وعلى طول الحدود مع سوريا، تم التعامل معها بشكلٍ كامل تقريبًا، مؤكّدًا أنّ هذه المناطق أصبحت خاليةً من الخطر بعد تركيب الأسلاك الشائكة، وكاميرات المراقبة، والصبّات الخرسانية، والمعراج الشوكي، ما عزّز الرقابة على الحدود ومنع وقوع حوادث.
ومع ذلك، أقرّ المستشار العسكري بوجود أقل من 15% من الألغام التي لا تزال بحاجةٍ إلى معالجة، حيث تتركّز حاليًا عمليات التدقيق في الصحراء الغربية. وأوضح أنّ هناك حالاتٍ محدودة من انفجاراتٍ طفيفة نتيجة تفاعل رعاة الأغنام أو الأطفال في المناطق الجنوبية، لكنها ليست مصدر قلقٍ رئيسي.
وأكّد الأعسم أنّ عمليات التفتيش مستمرة في وادي حوران لتأمين المنطقة نهائيًا، مشيرًا إلى أنّ التقديرات تشير إلى أنّ معظم عمليات إزالة الألغام ستكتمل خلال الأشهر القليلة المقبلة، مع إصدار تقريرٍ موحّد من قبل الدول المشاركة في هذه العمليات.
وأضاف أنّ الوضع الحالي آمنٌ بشكلٍ عام، وأنّ الحوادث التي قد تقع من حينٍ لآخر لا تمثّل تهديدًا جوهريًا، مشيدًا بالجهود المشتركة بين القوات العراقية والدول الشريكة في إنهاء التهديد الناتج عن الألغام.
تقول مريم عدنان، وهي تعمل في مجال إزالة الألغام مع منظماتٍ متخصّصة عملت في مناطق جبال مكحول على طريق بغداد – الموصل، إنّها باشرت عملها منذ أكثر من سنةٍ ونصف في عمليات تطهير وإزالة المخلفات الحربية من الأراضي الزراعية والمناطق القريبة من القرى والطرقات العامة.
وأضافت مريم: «بدأنا العمل في جبال مكحول، ثم انتقلنا إلى منطقة الربيع وقرية السلام قرب قاعدة سبايكر. وخلال فترة عملنا تمكّنا من العثور على أكثر من 500 عبوة ناسفة. نعمل بالتنسيق الكامل مع الجهات الأمنية والجيش العراقي، وخصوصًا قسم الهندسة العسكرية الذي يتولّى عملية تفجير الألغام بعد تجميعها في مواقع مؤمّنة».
وأوضحت أنّ أغلب المناطق التي يعملون فيها زراعية وتشهد وقوع العديد من الحوادث التي تطال رعاة الأغنام والمزارعين، سواء بإصاباتٍ بشرية أو خسائر في المواشي. وتقول: «لدينا فريق توعيةٍ ميداني أيضًا، نقوم من خلاله بتثقيف السكان حول كيفية التعامل مع الأجسام الغريبة وعدم الاقتراب منها. كثيرٌ من الأهالي استفادوا من هذه التوعية ومن عمليات الإزالة، خصوصًا بعد أن عادت بعض الأراضي إلى الإنتاج والزراعة من جديد».
وتشير مريم إلى أنّ عملية التعامل مع الألغام دقيقة وتحتاج إلى وقتٍ طويلٍ وخبرةٍ عالية، مضيفةً: بعد انتشال الألغام، نقوم بتجميعها في أماكن محددة ونغلقها تحت حمايةٍ أمنية، وبعدها يتم تفجيرها بإشراف قسم الهندسة العسكرية. العملية تستغرق وقتًا وجهدًا كبيرين، لكن النتيجة تستحق، لأنها تعني إنقاذ حياة إنسان».
وعبّرت مريم عن اعتقادها بأنّ ملف الألغام في العراق لن يُغلق خلال المدة القريبة المتوقعة، مشيرةً إلى أنّ حجم المخلفات كبيرٌ جدًا ويحتاج إلى دعمٍ حكومي مستمرّ وتمويلٍ كافٍ غير متوفرٍ لضمان استمرار فرق الإزالة والتوعية.










