TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قبول حماس خطة ترامب لإنهاء حرب غزة: موقف جيوسياسي أم تكتيكي؟

قبول حماس خطة ترامب لإنهاء حرب غزة: موقف جيوسياسي أم تكتيكي؟

نشر في: 7 أكتوبر, 2025: 12:03 ص

د. أحمد عبد الرزاق شكارة

من الصحيح القول أن العالم لأسباب ومبررات مختلفة أهمها تغيير في المشهد العالمي من أستمرار الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين كنتيجة متوقعة لأستمرار جريمة الابادة في غزة حيث تصاعدت موجة الاعتراف العالمي بالدولة الفلسطينية المستقلة على الصعد الرسمية والشعبية إلا أن قبول حماس عقب إنذار نهائي حازم (فتح ابواب الجحيم) من الرئيس الامريكي ترامب لقيادتها افرز واقعا جديدا قد يفتح كوة للحل الشامل مستقبلا حلا ليس استسلاميا بقدر ما هو براغماتيا هدفه الحفاظ على اهل غزة من مزيد من مأسي الابادة الاسرائيلية حيث قتل ما يزيد عن 65000 وجرح اكثر من 100000 بل وهجر مليوني شخص داخل القطاع بالقوة القسرية. السؤال المطروح كيف سنرى المشهد القادم من منطلق التفاؤل النسبي او الحذر ؟ بعبارة أخرى، هل سينتهي الصراع كليا اي يتوقف بين اسرائيل وحماس بشكل مؤقت أم نهائي؟ وما مصير الدولة الفلسطينية الجديدة ـ لذا فإن العنوان الذي أخترته في المقال: هل الامر مجرد تكتيك لعبور مرحلة زمنية محددة في أطار المبادرة تشتمل على المبادئ الحيوية لوقف أطلاق النار واستعادة اسرائيل الرهائن وإنهاء الاحتلال الاسرائيلي لقطاع غزة تدريجيا. أم أن المرحلة التي يجب أن تستعد لها حماس والاطراف العربية الاسلامية يجب أن ينظر لها بجدية حقيقية. من هنا، وعقب مشاورات جادة بين حماس وحلفائها من حركات مقاومة فلسطينية وكذا مع الوسطاء من الدول وعلى رأسها قطر ومصر وأيضا بالاستماع آراء النخب السياسية المثقفة العربية وغير العربية قررت حماس أن أفضل طريق للاستجابة هو الاجابة بنعم اولا للمبادئ مع تحديد لاولويات بعضها يدخل في المضمون (مرحلة التفاوض المهني) منها مثلا تسليم السلطة إلى إدارة فلسطينية لاتدار من قبل غير الفلسطينيين بمعنى أن مجلس السلام لن يتراسه ترامب وبلير ونتننياهو وغيرهم حرص على بقاء وإنماء الشعب الفلسطيني.
لذا في تقديري أرادت حماس أن تكسب الوقت وتحمي الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية من غوائل وأحابيل اسرائيل المعززة بدعم جيوستراتيجي امريكي. أي أنها تركت التفاوض حول كافة تفاصيل مضمون النقاط العشرين للمرحلة المقبلة التي لن تطول زمنيا خاصة وأن هدف اسرائيل تدمير حماس كليا وهو هدف عجزت اسرائيل عن تحقيقه رغم استخدامها آلة الحرب الثقيلة والتقنية العالية جوا، برا وبحرا. صحيح أنها بمساندة امريكية – غربية (بريطانيا، المانيا وفرنسا وغيرها) تمكنت من تسوية غزة بالارض ولكن سكانها برغم الخسائر البشرية والمادية الفادحة سجلوا اسطورة الصمود والتضحية بالغالي والنفيس للبقاء على ارضهم ومعارضة سياسة التهجير القسري. ففي المرحلة الاولي من إطار المبادرة وافقت حماس على 3 مسائل اساسية وهي ايقاف اطلاق النارأي انهاء الحرب بغية إتاحة الفرصة لتبادل الرهائن والاسرى الفلسطيين في محيط آمن يكفل تنفيذ ذلك خلال 72 ساعة المقررة. المطلب الثاني هو اساسي قانوني وشرعي يتطلب انسحاب اسرائيل عن القطاع ولكنه مطلب لم يحدد بحسب الخطة مواقع وأزمنة محددة وفقا للمبادرة ما يعني أن اسرائيل لن تنسحب عن مواقعها الراهنة طالما لازالت حماس تمتلك السلاح ؟ اما المطلب الاخر الذي وافقت عليه حماس فهو يصب في مصلحة كل سكان غزة وهو الادخال الفوري للمساعدات الانسانية العاجلة (الغذائية والطبية والخاصة بالوقود). إن المرحلة القادمة من التفاوض تطلب من حماس أن تركن اولا للمحيط الفلسطيني الوطني لترتيب اوضاع البيت الفلسطيني كي يخرجوا بموقف موحد في مفاوضات المرحلة اللاحقة.
المعطيات والتساؤلات التي اطرحها تخص اطراف الصراع جميعا:
نبتدأ اولا: بالبيت الابيض الامريكي ورئيسه ترامب: في البدء حسن فعلت حماس بتقديم الشكر للرئيس ترامب في الرد على الانذار وقبول المبادرة شكر وتقدير تواصل مع اطراف أخرى عربية ـ اسلامية ودولية بخاصة دول الوساطة مصر وقطر لإن الاعتبار الدبلوماسي كان حاضرا في ذهن من كتبوا الرد وهو شيئ مهم خاصة بالنسبة للرئيس الامريكي الذي يفضل دوما الاشادة بجهوده إذ ان شخصيته كما يقال نرجسية. بالرغم من ذلك فإن السؤال الرئيس: هل الرئيس الامريكي سيتخلى عن مواقف نتنياهو الخطيرة التي ليس لها علاقة بالمصلحة الامريكية المباشرة فقط لها علاقة بحفاظه – نتنياهو – على ذاته وهو يواجه القضاء الداخلي بتهم الفساد والقضاء الدولي باعتباره مجرم حرب لابد من استقدامه وتسليمه للمحكمة الجنائية الدولية لمحاكمته عن جرائم الابادة – ضد الانسانية وجرائم الحروب – بضمنها حرب التجويع – والابادة والتطهير العرقي. الجواب في تقديري بالنفي والايجاب معا حسب تغير القناعات الشخصية. مثلا عندما يتعلق الامر بشخص وآراء ترامب فإنه يفضل دوما عقد الصفقات ويهمه المقابل المادي. لكن اين يجد حالة كهذه ؟ في غزة مثلا يرمي ترامب للحصول على حصة امريكية حيوية من غاز المتوسط وتقع قبالة غزة، ويجده ايضا في مشروعات الاستثمار في القطاع العقاري للمستثمرين ورجال الاعمال الامريكيين الذين سيكون لهم دور في حال ان أعيد بناء غزة وإعمارها في ظل محيط مستقر وآمن. لذا فإن الدور الامريكي والمصلحة الامريكية سيكون لها دور السبق على المصلحة الاسرائيلية واية مصلحة اوروبية وغيرها. لعل السبب ربما في ذهنه أن قاعدته الجماهيرية التي نال النجاح الانتخابي بوساطتها حاليا تمر بحالة غيرمؤيدة لمواقفه التي صارت تعطي الاولوية لاسرائيل في كل شيء داخل الولايات المتحدة ما اعتبر تدخلا من اللوبي أيباك الصهيوني في الحياة السياسية الامريكية بإعتباره فاعلا في تدخله في الشؤون الامريكية بصورة لم تعد مقبولة لدى جماهير الشعب الامريكي عموما. علما بإن مثل هذا الموقف لابد أن يراجع تفصيلا ومعمقا في مقال آخر خاصة إذا نظرا لدور المؤسسة التشريعية والقضائية حول طبيعة حراك ترامب ومدى مطابقته لإحكام الدستور الامريكي في قضايا متعددة ليس فقط قضية غزة بل في ما يخص مثلا السياسة الخارجية تجاه الدول العربية عموما ودول منطقة الخليج العربي التي لديها مصالح حيوية تحبذ الحفاظ عليها – خاصة النفط والغاز الطبيعي – وغيرها. موضوع معقد مركب يحتاج لرؤية جيوسياسية واقتصادية حيوية.
ثانيا: أما موضوع التسلح فهو أمر استراتيجي لمختلف الادارات الامريكية خاصة أمداد اسرائيل بإحدث التقنيات القتالية كونها الحليف الستراتيجي الرئيس في حماية المصالح الامريكية في الشرق الاوسط وشمال افريقيا. ينقلني الاخير لدور حماس وموقفها من تسليم السلاح وهو أمر مطلوب وبشدة من اسرائيل ومن الولايات المتحدة الامريكية. وهنا نجد موقف حماس صعب للغاية عقب موافقتها على المبادرة دون وضع شروط سوى التفاوض وتقديم بعض التعديلات على المبادرة قد لا تسمح في النهاية بإستخدام السلاح للدفاع عن ذاته أوالسماح بخروج آمن دون ضمانات دولية. علما بإن أي تعديل او عدم تردد في إتخاذ موقف تجاه تسليم السلاح قد ينتهي بسرعة برد عاصف صاعق من قبل اسرائيل والولايات المتحدة معا بضرب المواقع المحتملة لوجود حماس. إذا حدث ذلك ستدخل المنطقة مرة اخرى في دوامة العنف والعنف المقابل في منطقة فيها من الالغام والتعقيد ما يعجز عن تفكيك أزماته في لبنان، سوريا، اليمن والعراق وغيرها. الارتداد الامريكي والاوروبي عن الموافقة على ادوار فلسطينية وطنية تصل ربما إلى التخلي او تجميد الاعتراف بالدولة الفلسطينية عند حدود الحبر الذي كتب في الوثائق الرسمية وقد يرجع في احد مظاهره لتمسك حماس بسلاح المقاومة بالضد من مضمون المبادرة. لذا كلما وجدت أليات مبتكرة لوضع سلاح حماس عند سلطة فلسطينية وطنية او عربية او أممية ربما سيوفر ذلك ضمانة للردع في حالة هجوم او عدوان اسرائيلي جديد.
حاليا نجد أنه عقب الضربة الاسرائيلية لقطر والتي تم الاعتذار الاسرائيلي عنها دون أي تبعات ومسؤوليات يتحملها الكيان الصهيوني وفرت مساحة للولايات المتحدة الامريكية لتصدر أمرا تنفيذيا رئاسيا يضمن الدفاع عن قطر ضد أية هجمات جديدة لاسرائيل ولغيرها (ايران مثلا) موقف يتسق مع اتفاق الناتو الدفاعي بموجب البند الخامس.
السؤال: هل هذا سياق تفضله كافة الدول العربية أم الافضل ضرورة الركون للتضامن العربي واستثمار لحظة تصاعد موجة الاعتراف الدولي بدولة فلسطين وترسيخ وتجسيد كيانها بدلا من استمرار حالة الفرقة او عدم الثقة بين القيادات الفلسطينيية أوالعربية خاصة وأن اسرائيل الكبرى لازالت مشروعا قابلا للانتعاش من قبل نتنياهو وفريقه او اي فريق اسرائيلي آخر يصل لسدة الحكم. بإختصار فإن استعادة الكرامة العربية التي طالما أهدرت من قبل اسرائيل وأنظمة سياسية عربية فقدت بوصلة مواجهة التحدي الصهيوني العنصري والتوسعي جيوسياسيا – اقتصاديا. قلتها وكتبتها أكثر من مرة سوف"سنؤكل كما أكل الثور الابيض دون تمييز ". لعل مشهد مغادرة وفود وممثلي الدول الاعضاء في الامم المتحدة قاعة الجمعية العامة في دورتها الثمانين شكل إهانة فاضحة لرئيس وزراء اسرائيل المطلوب للعدالة الدولية عززت ايضا بخطب رؤساء الدول ومن يمثلهم بسلوك مهم جدا للمقاطعة متنوعة الابعاد والمظاهر بل وحتى إعتماد نموذج الردع الدبلوماسي والاقتصادي لبعض الدول تجاه اسرائيل مع تفعيل مؤقت لدور بعض القطع البحرية من اسبانيا وايطاليا مرافقة لإسطول الحرية الذي حاول جاهدا كسر حصار غزة عد أنموذجا غير مسبوق في مواجهة فاعلة نسبيا اذكت دور المجتمعات المدنية في التاثير على حكوماتها بالرغم من محاولة اسرائيل غير الشرعية لإيقافه ؟؟ إعلاميا ربما حقق غرضه. هذا لايعني أن على الدول العربية والاسلامية أن تلجأ للحرب ولكن من الضروري أن تستعد لها ولكن على اقل تقدير أن تستخدم بعض الاوراق التفاوضية المستندة للقوة السياسية – الدبلوماسية، الاقتصادية والمالية والثقافية والاعلامية وغيرها في الامد القصير والوسيط كي تتغير الظروف او الوقائع على الارض بصورة أنجع وأفضل. ألامر الذي يستوجب الخروج بمبادرة عربية اسلامية تحفظ الحقوق الاصيلة لفلسطين وعلى رأسها القدس الشريف بهدف أنهاء الاحتلال عن الضفة والقطاع واقصاء المستوطنين كليا مع إهتمام بإنفتاح على كل عرض او مبادرة دبلوماسية لانقاذ اهالي غزة التي تتعرض للابادة كما وثقت ذلك اللجنة المستقلة للتحقيق التابعة للامم المتحدة. المؤسف حقا أن دولنا لازالت تدور في الغالب الاعم في محيط ردود الافعال الغير منتجة حيث تسمح لدولة الكيان الغاصب والولايات المتحدة بأن توجه مبادراتها المشحونة بتفاصيل غير محددة زمنيا ومكانيا لايمكن قبولها سريعا دون تروي او عقلانية.
ثالثا: إن تاسيس مجلس للسلام هدفه متابعة الوصول للامن والسلام في غزة يبدو مسالة مهمة او مناسبة لقيادة المرحلة الانتقالية وصولا للحل النهائي لإدارة الدولة الفلسطينية ولكن بشرط: ان يتولى مسؤولية القيادة والادارة الفلسطينيون – وليس كما حددت من قبل الرئيس ترامب وبلير وغيرهم – كونهم لايعدموا من كفاءات وخبرات حكومة تكنوقراط وطنية " تشرف على الإمن وإدارة المرحلتين المؤقتة (الخدمات والبلديات) والنهائية لبناء مؤسسات الدولة حماية للشعب الفلسطيني وللاسهام بمراحل البناء والاعمار والتنمية الانسانية من خلال نهج وطني ديمقراطي بعيدا عن عسكرة الدولة من جهة مع توافر قابلية للردع الامني من خلال دور فلسطيني مرتبط بدور مميز للامم المتحدة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram