TOP

جريدة المدى > عام > مثقفون: تشظَّت رؤى بعض المثقفين إنطلاقاً من اقترابها من رؤوس النظام الجديد

مثقفون: تشظَّت رؤى بعض المثقفين إنطلاقاً من اقترابها من رؤوس النظام الجديد

كيف تغيّر الخطاب الثقافي بعد التغيير السياسي؟

نشر في: 7 أكتوبر, 2025: 12:01 ص

علاء المفرجي

منذ عام 2003، شهد العراق تحوّلات جذرية على المستويات السياسية والإجتماعية والأمنية، وكان للثقافة والخطاب الثقافي نصيب كبير من هذه التغييرات، وما بدا كإسقاط نظامٍ سياسي قديم، صار مسارًا لفكّ القيود عن حرية التعبير، وظهور تيارات جديدة من الأدب والفنون، وإنفتاح على التأثيرات الخارجية، لإعادة طرح قضايا الهوية والانتماء، والنوع، والدين، والمواطنة بطريقة لم يعرفها الخطاب العام سابقًا.
في هذا الاستطلاع، الذي يسهم فيه عدد من مثقفينا، وجدنا الرغبة بالتوقف عند هذه المفصل التاريخي: كيف تغيّر الخطاب الثقافي بعد التغيير السياسي؟ ما أبرز التحولات التي طرأت في المضمون والأسلوب، وفي علاقة الثقافة بالسياسة والمجتمع؟ هل تغيّر دور المثقف؟ كيف تنوّعت المنابر الثقافية؟ وما أثر التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي على ما يُنشر ويُناقش من أفكار وقضايا؟
هدفنا هنا أن ندرك معًا الملامح الجديدة لهذا الخطاب الثقافي، وأن نفهم كيف يرى القرّاء والمثقفون والعامة هذه التحولات - من حيث الفرص، والتحديات، والإخفاقات، والطموحات، أملا في أن يُسهِم هذا الاستطلاع برسم صورة أوضح للواقع الثقافي اليوم، وأن يفتح باب الحوار حول الاتجاهات التي نريد أن تُنمّى في المستقبل.
الناقد علي حسن الفواز: من الصعب تحرير الخطاب الثقافي من الخطاب السياسي
من الصعب تحرير الخطاب الثقافي من الخطاب السياسي، وتحويله الى خطاب بطولي، أو جعل بياناته وكأنه نظيرا لبيانات "الانقلاب العسكري"، فالسياسة التي تغوّل فيها العنف، وربطت السلطة بالمقدس والمعسكر والايديولوجيا، جعل ذاكرتها قريبة من مخزن المُستبِد، حيث أوهام التعالي والعنف والاحتواء، وعلى نحوٍ ربط رعب الانقلابات بمراثي الثقافة وهو يبحث عن الحرية والثورة والتغيير، وحتى تبدو وكأنها "ترياق" للخلاص ولفك اشتباك الجسد الثقافي عن مركزية المستبد السياسي.
ما حملته أسئلة التغيير لم تبدأ الآن، بل إن ذاكرتها السوداء تحمل معها ذاكرة انقلاب عام 1963، كما أنها لم تنته عند الاحتلال الأميركي، لأنها ستظل موّارة بمتغيرات وتحولات كبيرة، لها مظاهرها الخادعة عبر الهروب الى التجريب والمغايرة، والى بيانات تُخفي كثيرا من الغضب والمازوخية، فضلا عن دورها الصادم في صناعة "المنفى الثقافي" الكبير، حيث وهم الخلاص من الدوستوبيا، ومن المطاردة السياسية، وحيث توصيف الحرية وكأنها تمرد على النسق، وعلى التاريخ الذي حفل بمدونات زائفة، وبيانات اكثر زيفا، على مستوى علاقتها بهوية المثقف العراقي، وبوظائفه المراوغة، وعلى مستوى علاقته بالمنابر الثقافية – الرسمية والمدنية- التي لم تستطع امتلاك حريتها الكاملة في إعادة صياغة المفاهيم والوظائف والعلاقات، وفي إعادة تقييم علاقتها بالآخر المختلف والمغاير، لا سيما نحن نملك ذاكرة مشبَعة بالتماثل.
لقد صنعت هذه الذاكرة الخائفة كثيرا من المطبات، وكثيرا من العقد، في العلاقة مع السلطة، ومع التابو، وحتى مع الحرية ذاتها، بوصفها حرية لم تتحرر بعد من التاريخ ومن الأيديولوجيا والهوية، ومن مفاهيم تخص "المحتوى" ومدى صلاحيته في تحرير العقل الثقافي من مركزية العقل السياسي ومنابره وأنماطه.
الفنان والناقد حسين ثامر بداي: أثناء التحولات السياسية، إتجه أسلوب الخطاب الثقافي نحو تنويع أشكاله
غالباً ما يشهد الخطاب الثقافي تحولات متعددة ونوعية في المضامين والأساليب عقب التحولات أو التغيرات السياسية، ويظهر ذلك جليا أثناء وبعد حدوث ما يمس بنيته وعلاقته بالمجتمع، إذ تنتقل مضامين الخطاب من اللغة الرمزية المحملة بالتلميح والإيحاء إلى لغة تحمل الوضوح والجرأة، تتناول قضايا الهوية والانتماء الثقافي والسياسي وتهتم بها، وغالباً ما تنادي بالحرية والعدالة الاجتماعية بصورة أقرب الى الواقع المعاش، حيث يتسع مجال تناول الموضوعات التي تنتقد السلطة وتنادي بالتغيير.
يتجلى تأثير التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي في تنوع وتفاعل المنابر الثقافية في إعادة تشكيل الحقول الثقافية، بما يعكس سعي المثقفين إلى ملامسة الجمهور الأوسع والتعبير عن واقع متغير، مما يؤدي إلى تنويع المنابر الثقافية، حيث يلعب المثقفون دورا مهما في تشكيل وتوجيه الخطاب الثقافي حول القضايا المجتمعية والسياسية. مما يجعل العلاقة بين الثقافة والسياسة أكثر تفاعلية، حيث تؤثر التحولات على توجهات الخطاب الثقافي، وتؤثر الثقافة بدورها على تشكيل الرأي العام والسياسات، ويمكن أن يتبلور حينها فضاء ثقافي أكثر حيوية وتعددية، إلا أنه كثيراً ما يكون التفاعل آني وأكثر هشاشة، مما يجعل الخطاب أكثر عرضة للسطحية والانتقائية، بما يحمله من تشظٍ وتسارع، وهذا يدخله في فعل ورد فعل اللحظة.
يتجه أسلوب الخطاب الثقافي أثناء التحولات السياسية، نحو تنويع أشكاله، والبحث عن قوالب وأساليب جديدة تساهم في التأثير والتعبير، إذ تتداخل فيه العديد من الجوانب الفردية والجمعية، وهنا يظهر التحول في الدور والمشاركة ضمن شبكات واسعة من الفاعلين وأقرب إلى الناس وإيقاع حياتهم اليومية. بشكل عام، التغيير السياسي يؤثر على الخطاب الثقافي بطرق متعددة، مما يعكس التفاعل بين السياسة والثقافة والمجتمع.
الروائي حسن كريم عاتي: السؤال المركزي، ما هو أثر السياسي على الثقافي في المجتمع؟
تجمل أسئلة الاستطلاع، السؤال المركزي: ما أثر السياسي على الثقافي في المجتمع؟ فالسياسي بطبيعته نتاج عملي لثقافة أنتجته، ويرتبط بها، فهي التي خلقت مبرراته، وتعمل على استمراره، وهو قادر على تجسيد تلك الرؤية عبر الممارسات اليومية المعبرة عن تلك الثقافة، فالسياسة وجه بارز لثقافة تمثلها، والثقافة وعي أوسع لتلك الممارسة السياسية تستند إليها وتدعمها، وهو ما يجعل من تغيّر أي منهما يشترط تغيّر في الآخر حتماً.
لذلك فالمحطات المفصلية في حياة المجتمع عند حدوث المتغيرات السياسية الكبرى، فرصة مهمة لإثارة الأسئلة الثقافية، عن طبيعة التغيير وأهميته ومبرراته، وإمكانية تبنيه أو رفضه، وخلق بيئة تحث على التفاعل معه ايجابياً، أو ترفضه، ذلك الذي يدفع إلى تبني سياسة جديدة تتناسب مع الأسئلة الثقافية الجديدة. وهو ما حدث في العراق بعد التحولات السياسة الكبرى.
ولكون المتغير السياسي في العراق، وإن كان توقاً للنخب الثقافية غير المرتبطة بالسلطة، وأمنية شعبية تبحث عن فرصة لتحقيقها بأمل تحسين واقعها اليومي، ذلك المتغيّر لم يأت من القاعدة (البيئة الثقافية الباحثة عن إجابات عن أسئلة بضرورة التغيير)، بل حدث بشكل معاكس، بتغيير سياسي من أعلى الهرم، وهو ما جعل من الثقافي يبحث عن إجابات ترتبط بضرورته، وطبيعته، ومبرراته، وإمكانية تبنيه أو رفضه. فجاء الخطاب الثقافي متعدداً ومتنوعاً في المضامين والأساليب، ولم ينجح لحد الآن بصياغة رؤية موحدة، وإن كانت واسعة، تأخذ بالمشتركات. فعمل كل توجه إلى خلق بيئة ثقافية تعمل على تقبل المتغير أو رفضه عبر سياسات تتسم بالتناقض في أكثر الأحيان.
هاتف جنابي: الخطاب الثقافي وذرف الدموع
السياسة تؤثر في الخطاب الثقافي، وكلما كانت الدولة متحضرة كان للخطاب الثقافي تأثير على السياسي. في أوروبا واليابان وكوريا الجنوبية مثلا، هناك مستويان رئيسان للنشاط الثقافي: حكومي وخاص، وجرت العادة على العمل بخطين متوازيين وفي أحيان كثيرة يقوم الخاص بطلب العون أو التنسيق بينه وبين الحكومي، ويقومان بإنجاز مشاريع تحظى بحضور في البلد وخارجه. ويبقى الفضاء الثقافي الوطني والمجتهد وأهمية وحيوية وطرافة وجدة الفعاليات الثقافية بمثابة المسبار والرقيب. وعادة ما يستقطب الدعم الرسمي دور النشر والمؤسسات الثقافية الأخرى في فعاليات ذات مردود ثقافي وريعي. أما ونحن نعيش في ظل سيادة «التفاهة» و»الضحالة» السياسية فإن تدهور الخطاب الثقافي أمر لا مفر منه.
عشنا خطابا ثقافيا واضحا وأحادي الجانب في زمن الديكتاتورية، فكانت هناك رقابة رسمية شديدة وخطوط حمراء معلومة، ومع كل ذلك كانت هناك مؤسسات ثقافية تقوم بدورها بغض النظر عن طبيعته، واليوم تعتبر وزارة الثقافة « عالة» و»مجالا» لإكمال توزيع المناصب طائفيا وأثنيا، على أنني أرى المسألة أكثر عمقا وخطورة لأسباب اجتماعية، واقتصادية، وحضارية، وسياسية، ودينية. لقد تدهورت الثقافة العراقية جدا تماهيا مع تدهور الأوضاع على كافة المستويات في العقدين ونيف الأخيرين. من الملاحظ أن معظم «المنابر الثقافية» لا تملك مشروعا فنيا وفكريا وطنيا وحضاريا، وأغلب الجامعات تعيش حالة من تدهور المستوى التعليمي ومناهجه والتزوير أيضا.
أصبحت الثقافة غريبة اليوم في مجتمع تسوده الأمية، وتقل فيه نسبة القُّراء، وتغلق كثير من المكتبات الخاصة، حيث تلعب وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي ذات الانتماءات الطائفية والفئوية المعروفة دورا سلبيا من خلال التسطيح، والتدليس، والتجهيل، حتى أصبح ترويج الثقافة الوطنية والرصينة عملا عبثيا وغريبا لا يحظى باحترام. من المحزن أن وسائل التواصل الاجتماعي تلعب دورا مؤثر في نشر ثقافة الانحطاط، وأصبح لما يسمى بـ «الذباب الإلكتروني» دور خطير في تكميم الأفواه وتحريف الحقائق، وتسخيف دور المثقف، من يقف على أقرب تلة متأملا في واقع الثقافة العراقية، لا يسعه سوى ذرف الدموع، ولكل قاعدة استثناء.
علي عبد الأمير عجام: استخدام الدين في السياسة ثقافة ارهابية بامتياز
جاء التغيير السياسي بعد 2003 نتاجاً لعمل عنيف تمثل بالغزو الأميركي، لذا لا يمكن اعتباره تغييراً طبيعياً يتضمن بالضرورة خطاباً ثقافياً مختلفاً عما سبق حين تمكن نظام البعث وخلال عقود حكمه من جعل «إرهاب الدولة» نهجاً سياسياً وثقافياُ ثابتا، واللافت ان تلك الثقافة صارت بطريقة أو بأخرى سياقاً شبه ثابت في العراق، حد ان النظام «الديمقراطي» بعد 2003 لم يتردد في استخدام ثقافة العنف بوسائل واشكال عدة ضد خصومه.
بما ان الدين في العراق فرزٌ طائفي يخبو ويظهر بالتناسب مع قوة الدولة وحضورها، لذا كان الدين في السياسة يعني اعتماد الخطاب الطائفي، وهو ما يشكل موقداً لنار ثقافة العنف وهو ما حصل تماما بعد العام 2003 حين تم اسقاط الدولة العراقية بالكامل، بعد ان أضعفها النظام الديكتاتوري وجعلها مجرد عربة تتولى خدمة الطاغية ووجوده في السلطة، واستخدام الدين في السياسة كان ثقافة ارهابية بامتياز، ليصبح المقدس غطاءً حتى للجرائم التي تقترفها العصابات الصغيرة ، وهو ما جعل المثقف هدفاً سهلاً للاغتيال الجسدي والمعنوي (تم اغتيال مئات الصحافيين والكتاب بعد 2003) ومن ثم ترويع المجتمع بعامة وجعل العنف الراية الأعلى في مسار البلاد.
من يقتلع تلك الجذور الثقافية والسياسية للعنف هو دولة عادلة فوق كل قانون وجماعة، ولكن هل هناك من يؤمن بقوة الدولة ومؤسساتها في العراق؟ ذلك هو السؤال وفي صفحاته ينضوي الحل العملي.
د. كريم شغيدل: ردة فعل نسقية معاكسة
لم يكن التغيير الذي حصل بعد الغزو الأميركي في التاسع من نيسان 2003 تغييراً تقليدياً كالانقلابات العسكرية السابقة، ولم تكن الحرب تقليدية كما في الحربين السابقتين اللتين خاضهما العراقيون مرغمين، بل هو زلزال مدوٍّ زعزع مختلف الثوابت، فكل تغيير سياسي يرافقه حتماً متغيرات اجتماعية واقتصادية وثقافية، إذ تتغير السياقات وتتبل المواقف والقناعات، انقلبت صور الثقافة بأدلجات جديدة مضادة لما كان سائدا، اختفت ثقافة المديح نثراً وشعراً وحلت محلها ثقافة التبشير بالديمقراطية، وتحول عدو الأمس إلى صديق وحليف، كما تحول العميل إلى مناضل، ونسفت الكثير من الأسس بما في ذلك مفهوم الوطنية نفسه، ومفاهيم أخرى كالجهاد والمقاومة والغزو والاحتلال والطائفة والدين والعرق والعشيرة والولاء والمواطنة، ثم جاء الاحتراب الطائفي لينسف ما تبقى من علاقة الإنسان بمجتمعه ووطنه، وتفننت الذهنيات العقائدية بابتكار طرق جديدة في القتل مستعيدة أبشع صور التوحش من قطع الرؤوس إلى حرق الجثث والتمثيل بها أو رميها للكلاب السائبة، فكل هذا كان ينتج متغيرات ليس على مستوى السياقات الثقافية فحسب وإنما على مستوى الأنساق.
تغيرت موضوعات الأدب عموماً كما تحولت أنساقه المضمرة من أيدلوجيات الاستبداد والعبودية إلى أنساق التحرر، ومن أنساق العنف وإقصاء الآخر إلى أنساق التسامح والتعايش، ومن نسق الأنا المتضخمة إلى نسق الأنا المنكسرة التي خذلتها تحولات الواقع، بمعنى آخر حدثت ردة فعل نسقية معاكسة لما ساد الواقع، وإن كانت هناك متغيرات هوياتية طالت الأنساق الثقافية. ومثلما أسهم الانفتاح الثقافي على العالم من خلال التقنيات الرقمية الحديثة والسوشيل ميديا في التلاقح الإيجابي بتطلعات حضارية كانت مكبوتة في ظل الاستبداد، أسهمت تلك الوسائل أيضاً بإشاعة الثقافة الاستهلاكية التي لم تصمد أمامها الثقافة النوعية التي من الممكن أن تغير في مسارات سيرورة المجتمع وبناء الدولة.
الفنان والناقد د. جواد الزيدي: عند إندلاع الصراع الطائفي تكشفت معادن المثقفين بشكل واضح
أرى إن الخطاب الثقافي قبل هذا الوقت كان يسير بإتجاهين متضادين تناغماً مع الرؤى الآيديولوجية، خطاب متصالح مع النظام السياسي وآخر معارض بمختلف توجهاته الفكرية ، وإن الخطاب المعارض كان متوائماً من خلال التركيز على مهمة واحدة وكان متسيّداً على خطاب السلطة، أما بعد المتغير السياسي فقد تشظت رؤى بعض المثقفين إنطلاقاً من اقترابها من رؤوس النظام الجديد محاولة بذلك إزاحة التيارات الوطنية (تقدمية وديموقراطية) على الرغم من ثبات موقف المثقف الوطني على مبادئه ومناهجه في الفحص وتكريسها بما يستطيع، بيد إن محاولات الإستيلاء على مراكز القرار مستمرة من قبل مثقف السلطة والمزاحمة على قيادة المؤسسات الثقافية (جمعيات، نقابات، إتحادات) وغيرها من خلال دفع مباشر وبقوة من قوى أرادت الهيمنة عليها. وعند إندلاع الصراع الطائفي تكشفت معادن المثقفين بشكل واضح، فقد اسهم التيار الوطني في ترميم الشروح في بنية الثقافة الوطنية. بينما تخندق القسم الآخر في ظل طائفته وقوميته واتجاهه الفكري، وظل يداهن السلطة ويقترب منها ويغازلها ويرتمي بأحضانها ويتبنى مفاهيمها من أجل مصالح ذاتية، ووصل الحد الى أن بعض المثقفين أصبح ناطقاً رسمياً بإسم بعض التيارات الراديكالية المتطرفة أو حتى الإرهابية، وتجاوز الأمر ذلك بتبني بعض المؤسسات الرسمية وغير الرسمية خطاب السلطة ومفاصلها الحزبية، الخطاب الذي كان يتعثر على أبوابها ففتح هؤلاء الباب لتبني الخطاب الطائفي الساذج وشرعنته على أساس المناهج الدراسية والمنجزات الثقافية متعددة الإتجاه، ما أشر خللاً بنيوياً في تشكل مرجعيات بعض المثقفين العراقيين.
الشاعر صادق الطريحي: يبدو لي أنّ السياسة بأطيافها ما زالت متسلطة على الثقافة والمجتمع
لا شكّ في أنّ للتغيير السياسي ـ في العصور الأدبية جميعا ـ أثر واضح في تحولات المضمون والأسلوب في عموم الأدب، فقد تحرر الأدب قليلاً من طوق السلطة السياسية الدكتاتورية، وصارت الكتب التي كانت ممنوعة في يوم ما، متاحة أمام الجميع للقراءة والتحليل والنقد، ويمكننا القول إنّ الكم الهائل من كتب القصة والرواية والشعر، يحمل مضمونا جديدا، غير موجود سابقا! تمثل في توظيف الهامش وصعوده، والتوسع في تمثلات المرجعيات الثقافية والدينية والطائفية، فضلا عن مضامين مبتكرة تفرد بها بعض الأدباء، لكنّ الأساليب الأدبية بقيت كما هي، أو قل إنّ التغيير فيها لا نستطيع تلمسه بوضوح!! لقد دخلت علينا بعض المناهج النقدية الحديثة، بفعل انفتاح السوق الكتبي الثقافي، وإن كان بعضها موجودا على شكل استنساخ، لكن الممارسة النقدية والأكاديمية جعلتها ظاهرة ملموسة، لكن الأداء الأسلوبي النصي للكتابة العراقية، ظل كما هو في الشعر مثلا (العمودي، التفعيلة، النثر) لكن النسبة الكمية لمفردات هذا الأداء تغيرت بالتأكيد، أما في الرواية فما زلنا نستلهم الأساليب الرواية القادمة من الآخر إلا قليلا!!
ويبدو لي أنّ السياسة (بأطيافها الرسمية وغير الرسمية) ما زالت لها السلطة على الثقافة والمجتمع، بحيث ظهرت لدينا ظاهرة الكاتب المدافع عن مرجعياته، بطريقة وأخرى، وما زالت الثقافة ليست بذات التأثير في المجتمع، على الرغم من ابداعها وتبنيها لموضوعات تخص المجتمع العراقي، ولعل تسويق الكتاب العراقي (المنتج على حساب المؤلف، أو جهة داعمة) يعد دليلا على ابتعاد المجتمع عن الثقافة!
وأنا أرى أنّ المثقف ما زال يحاول أن يجدد وظيفته وتأثيره في المجتمع، فينجح مرة ويخفق مرات أخر، بسبب قوى أقوى منه!
ولعل الشيء الجميل بعد التغيير السياسي، هو كثرة المنابر الثقافية والمجالس الاجتماعية (بعض المجالس موجودة قبل التغيير) وتنوعها في المكان والزمان والإمكانات، ومثل ذلك الصحف وبعض المجلات والفضائيات، وربما أتاحت هذه المنابر الثقافية مساحة أوسع للتفاعل بين الثقافة والمجتمع، لكن ثبوت روادها يقلل من هذا التفاعل!!
أما السلطة الأوسع للتأثير والتفاعل الثقافي فتبقى لوسائل التواصل الاجتماعي، لسهولة التعامل معها، لكن هذه الوسائل تحمل خطرا كبيرا، فبعض المواد أو الأخبار مضللة، وبعض المواد مسروقة من آخرين! ولا يمكننا إقامة دليل نقديّ على تفرد مادة ما بكثرة المتفاعلين مع النص؛ لأنّ بعضهم لم يقرأ النص أصلا، لكنه يتفاعل معه بعبارات مستعملة، أو (كليشيهات) صورة أو كتابية جاهزة. ولكن على العموم، ثمة الكثير من الصفحات الرصينة أتاحت للمتلقي العراقي، ان يناقش الأفكار ويعرض وجهة نظره الخاصة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

بروتريه: فيصل السامر.. قامة شامخة علماً ووطنيةً

موسيقى الاحد: 250 عاماً على ولادة كروسيل

الحكّاء والسَّارد بين "مرآة العالم" و"حديث عيسى بن هشام"

في مجموعة (بُدْراب) القصصية.. سرد يعيد الاعتبار للإنسان ودهشة التفاصيل الصغيرة

شخصيات اغنت عصرنا.. الملاكم محمد علي كلاي

مقالات ذات صلة

الكاتب يقاوم الغوغائية والشعبوية والرقابة
عام

الكاتب يقاوم الغوغائية والشعبوية والرقابة

أدارت الحوار: ألكس كلارك* ترجمة: لطفية الدليمي يروى كتابُ مذكرات لي ييبي Lea Ypi ، الحائز على جائزة، والمعنون "حُرّة Free" تجربة نشأتها في ألبانيا قبل وبعد الحكم الشيوعي. أما كتابُها الجديد "الإهانة indignity"...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram