بغداد / عبدالله علي
يشهد العراق هذا العام انخفاضًا ملحوظًا في إنتاج التمور، نتيجة لتقلبات مناخية حادة وندرة العاملين في مهنة التلقيح اليدوي، ما يهدد استقرار هذا القطاع الزراعي الحيوي ويؤثر في الغطاء النباتي المحلي.
وتشهد بساتين النخيل في عدد من المحافظات العراقية تراجعًا واضحًا في إنتاج التمور خلال موسم 2025، نتيجة موجات الجفاف والتقلبات المناخية التي أثرت على توقيت الإزهار وجودة المحصول في مناطق متعددة.
ووفقًا لبيانات وزارة الزراعة، يمتلك العراق أكثر من 22 مليون نخلة موزعة على مختلف المحافظات، وتسعى الوزارة إلى رفع العدد إلى 30 مليون نخلة خلال السنوات المقبلة عبر برامج الإكثار النسيجي ودعم المزارعين. وتشير الإحصاءات إلى أن إنتاج الموسم الماضي تجاوز 800 ألف طن، صُدّر منها نحو 700 ألف طن، ما وضع العراق في صدارة الدول المنتجة للنخيل ورابعًا عالميًا في حجم الإنتاج.
لكن الإنتاج هذا العام جاء دون التوقعات، إذ تسببت التقلبات المناخية في تفاوت مراحل التلقيح وانخفاض نسبة عقد الثمار، إضافة إلى ندرة الملقحين اليدويين وارتفاع كلف الإنتاج. وقال الخبير الزراعي أحمد الفيادة في حديث لـ «المدى» إن الموسم الحالي شهد تقلبات مناخية حادة وموجات برد غير معتادة أثرت على عملية الإزهار، موضحًا أن الفحول أخرجت طلعها الذكري في منتصف كانون الثاني، فيما تأخرت إناث النخيل حتى مطلع نيسان، خصوصًا في أصناف البرحي والشويثي الأصفر والشكر. وأضاف أن هذا التفاوت في التزهير تسبب بنقص كبير في الطلع الذكري، ما رفع سعره إلى نحو 25 ألف دينار في بعض مناطق بغداد والشمال، مشيرًا إلى أن الأمطار الرعدية المتذبذبة زادت من ظاهرة «الشيص»، أي فساد الثمار قبل نضوجها الكامل.
وبيّن الفيادة أن مهنة التلقيح اليدوي تعاني من تراجع حاد نتيجة قلة العاملين وارتفاع النخيل، ما أدى إلى عزوف الشباب عنها، محذرًا من أن استمرار الإهمال قد يؤدي إلى فقدان غطاء نباتي مهم، ويؤثر سلبًا في الحمضيات التي تعتمد على ظل النخيل في نموها.
وفي البصرة، وصف الفلاح جاسم كاظم الموسم الحالي بأنه «الأصعب منذ سنوات»، وقال لـ«المدى» إن أصناف البرحي والشكري والشويثي الأصفر من أجود الأنواع، لكنها تضررت بسبب تأخر التلقيح ونقص المياه وارتفاع درجات الحرارة في فترات حساسة"، مضيفًا أن "بعض العذوق لم تكتمل نضجًا واضطر المزارعون إلى تركها على الأشجار أو التخلص منها".
وأشار كاظم إلى أن الأسعار لم تغطِ تكاليف الإنتاج هذا العام، في ظل ارتفاع أجور العمال ونقص الملقحين، مؤكدًا أن تنويع الأصناف أصبح ضرورة لمواجهة تغير المناخ، لأن الاعتماد على نوع واحد من النخيل بات محفوفًا بالمخاطر.
ويرى مختصون أن استقرار إنتاج التمور في العراق يتطلب تحركًا حكوميًا عاجلًا لإحياء مهنة الملقحين، وتوفير برامج لإنتاج الطلع الذكري المجفف والمبرد، وتعزيز المكافحة البيولوجية ضد أمراض وآفات النخيل، فضلًا عن تطوير تقنيات الري وتأمين وسائل صعود آمنة إلى الأشجار العالية.
ويؤكد خبراء أن تنفيذ هذه الإجراءات سيسهم في استعادة التمور العراقية مكانتها في الأسواق الإقليمية والعالمية، بعد أن كانت لعقود طويلة رمزًا للخصوبة والعطاء في أرض الرافدين.










