TOP

جريدة المدى > عام > خمسة كتب للخروج من دائرة القراءة الاستهلاكية

خمسة كتب للخروج من دائرة القراءة الاستهلاكية

نشر في: 8 أكتوبر, 2025: 12:01 ص

كه يلان محمد
منطق ابن خلدون
يبحثُ كتاب منطق ابن خلدون للدكتور علي الوردي عن معالم الثورة المعرفية التي دشنها ابن خلدون. إذ انقلب صاحب المقدمة على مبادئ المنطق الأرسطي، ويشيرُ الوردي في سياق دراسته للمنهج الخلدوني إلى التسلسل الذي تتخذه الإرادة المعرفية قبل الطفرة التي يشهدها منطق التفكير إذ يُذكرُ مؤلف "وعاظ السلاطين" بسيادة القياس المنطقي والاستنباط على العقول لأمدٍ غير قصير لافتاً في هذا الصدد إلى جملةٍ من الآراء المبنية على القياس الاستنباطي وهي لا تخلو من الغرابة والعجائبية. وبرأي الوردي يُسجلُ السبق للخروج من دائرة المنطق الأرسطي لكل من الغزالي وابن تيمية، فالأول على الرغم من إعترافه بصحة العقل المنطقي قياسا بالحس، لكنه يضعه في درجة أدنى من مرتبة الكشف الصوفي. أما الثاني يذهب إلى أن الكليات العقلية قد تكون بديهية أحياناً كما في العلوم الرياضية غير أنَّ بقية المجالات العلمية تستمدُ منطقها من التجربة ويعتقد علي الوردي بأنَّ ابن تيمية قد مهد برأيه هذا للمبدأ الاستقرائي.يناقشُ الكاتبُ نظرية ابن خلدون مخالفاً ما قاله ساطع الحصري بأنَّ جوهر النظرية هو العصبية كما لا يتفقُ مع طه حسين في رأيه بأنَّ نظرية ابن خلدون هي الدولة. يرى الوردي بأن محور النظرية يدور حول البداوة والحضارة. ما يمكنُ قوله بالإجمال أنَّ علي الوردي يرصدُ شكلين من المنطق في كتابه أولاً المنطق الاستنباطي القياسي، وثانياً المنطق الاستقرائي مقارناً بين القراءات المنطلقة من المنهجين للظواهر والصراعات والتحولات التي تجدُ طريقها إلى مطبخ التاريخ البشري.
النهضوي الأخير
يعودُ الدكتور حسام أحمد في كتابه الصادر باللغة الانكليزية "النهضوي الأخير طه حسين وبناء المؤسسات في مصر" ترجمه موسى الحالول، إلى أحد أبرز روَّاد الحراك التنويري في العالم العربي. مايجدرُ بالتنويه هنا أنَّ استعادة طه حسين بكل ما يرمزُ إليه من الفرادة في التفكير الاستشرافي والعمق في الإيمان بدور المؤسسات العلمية واستقلاليتها ليس الغرضُ منها اجتراراً نستولوجيا لزمنٍ قد مضى بقدر ما يجبُ أن يكون الهدفُ من التأمل في تجربة طه حسين تأكيداً على أن المثقف يستمدُ جدارته من مراقبة الواقع وتحديد أمراضه الاجتماعية والفكرية، كذلك ما يميزُ مفكرين من معدن صاحب "الأيام" هو عدم الالتفاف على الأزمة والجرأة على تسمية الاشياء بمسمياتها، والدليل على ذلك ما أورده حسام أحمد من آراء عميد الأدب العربي عن ضرورة وجود ميزانية مرصودة للتعليم وأن لا يصرفُنا العدوُ الخارجي عن العدو المقيم في الداخل وهو الفقر والجهل والمرض، والشعب الجاهل لا يمكن أن ينشئ جيشاً قوياً كريماً يقدر الوطن. ومن الأقوال التي ينقلها الكاتبُ عن طه حسين هو كلامه التحذري من أن يحكمَ الناس أشباه المتعلمين "الويل كل الويل لبلدٍ يحكمه أنصاف المتعلمين" تكمنُ قيمة هذا المؤَلف في تغطية كل ماقدمه طه حسين على المستوى التعليمي والإبانة عن دوره الفعال في حماية استقلالية الجامعة إذاً أنت من خلال هذه الدراسة تتعرف على الوظيفة التربوية لطه حسين إلى جانب صورته أديباً ومؤرخاً ومجتهداً.وتتأكدُ بأنَّ كل بحث عن منارة النهضة الفكرية يؤدي إلى طه حسين.
الشرُّ والوجود فلسفة نجيب محفوظ الروائية
عالم نجيب محفوظ الإبداعي لا يمكن الاستغناء عنه، ولا تنتهي الرحلة بقراءة متونه الروائية بل يستدعي الكشف عن أبعاده، ومتابعة ما ينشرُ عنه وما تقوله الحفرياتُ عن تطريزات أعماله وآلياته في التنظيم والتجدد. يسلكُ الناقد الفلسطيني الدكتور فيصل دراج في كتابه منهجاً مقارناً لاستبطان رؤية محفوظ الإبداعية ودراسة فلسفته للحياة والوجود، وهو يُذكَّرنا في المقدمة بأنَّ نجيب محفوظ كان طالباً نابغاً في كلية الفلسفة، وتوسلَ من النص الروائي أن يكون ملعباً للجدل بين التاريخ والفلسفة، فقد أراد أن يضئ أسئلة الفلسفة بإجابات التاريخ من جهة، وأنَّ يقرأ التاريخ قراءة فلسفية من جهة أخرى. يبدأُ دراج تنقيبه بالوقوف عند المرحلة التاريخية في سيرة نجيب محفوظ الإبداعية مشيرا إلى أن صاحب "زقاق المدق" قد أعلن منذ نصوصه الأولى عن وحدة نقد السلطة والكتابة الروائية. بعد موت التاريخ وإسدال الستار على رموزه الفرعونية، يديرُ محفوظ دفة أعماله نحو الواقع. وينتقلُ بمسرح الحدث إلى الجامعة في "القاهرة الجديدة" ومن ثمَّ يتابعُ فيصل دراج المفردات التي تنهض عليها الرواية المحفوظية "السلطة ،الفتوة، الاستبداد، التمرد" ويفردُ فصلاً لمناقشة مفهوم المفارقة في أدب نجيب محفوظ، موضحاً بأن التمثيل بالضد هو جوهر المفارقة، ويرصدُ فيصل دراج موقع هذه اللعبة في "خان خليلي" والثلاثية، ويضيف عنصر الصدفة إلي قراءته لرواية "اللص والكلاب " ليس هذا كل ما يتابعهُ الكاتبُ في منجزه النقدي بل إلى جانب بحثه التأملي في تضاعيف روايات محفوظ بمراحلها المتعددة، بدءاً من التاريخية مروراً بالواقعية والرمزية وصولاً إلى الملحمية، يقارنُ فيصل دراج بين خط الكتابة لدي محفوظ والاتجاهات الرواية العالمية كما يُمثلها كل من بلزاك دوستويفسكي وتوماس مان وروبرت موزيل. ما يمكن قوله بالاختصار أنَّ دراج يبحثُ في مسعاه النقدي عن الأسئلة الفلسفية المضمرة في بصمة محفوظ الإبداعية.
الإنسان على المحك
لعل أهمَّ سؤال يرمي به علي حرب على طاولة النقاش في كتابه الجديد "الإنسان على المحك المركزية البشرية والتوازن البناء" هو عن موقعنا في العالم. أين نحن مما تمرُّ به القرية الكونية؟! يلفتُ علي حرب الانتباه إلى أن السؤال الذي قد شغل جيل شبلي شميل، محمد عبده ، وشكيب أرسلان لماذا تقدم الغرب وتأخر المسلمون؟ لم يعدْ مناسباً لهذه المرحلة إنما ينبغي تعديله بصيغة أخرى. لماذا يتأخر العربُ وتتقدمُ بلدانُ كانت وراءهم؟ وبذلك يفاجئنا مؤلف "لعبة المعنى" بأنَّ العالم العربي ما عدا بعض الدول الموجودة على جغرافيته يمشي بالمقلوب، ومن السيء إلى الأسوأ، ويمضي الفيلسوف اللبناني علي حرب أبعد في تشخيصه مطلقاً مصطلح "الاستثناء السلبي " على مجتمعاتنا. وفي الوقت الذي يراقب فيه صاحب "حديث النهايات" ما تتخبطُ فيه منطقتنا من الأزمات والصراعات، على خلفية الانقسامات بين المواطنة والولاءات الفرعية وتبعات الزلزال الذي ضرب أجزاءً من الخارطة وأعراض صومنا الطويل الأمد، عن الإبداع العلمي والفكري فهو لايغض النظر عن نرجسية الغرب وبحثه عن الأعداء ولو كانوا وهميين. منبهاً بأنَّ إدارة العالم بمنطق التأله والاصطفاء والتجبر تفتحُ الطريق نحو نهايات كارثية.ومايخلص إليه علي حرب من متابعته لخط الأزمات أنَّ المشكلة الأكبر تتمثلُ في العقلية التي تدير العالم.وحسن قيادة العقل الذي كان شعارا لمشروع الحداثة لم يتحقق إلا نقيضه.
إشكاليات الفكر العربي المعاصر محمد عابد الجابري
يناقشُ المفكر المغربي في مباحث كتابه حزمة من المفاهيم والإشكاليات التي لايزال الجدلُ محتدماً بشأنها، ويبدأُ بتوضيح مايقصده بمصطلح الإشكالية وهي مشاكل عديدة لاتتوافرُ إمكانيةُ حلها منفردة ولاتقبل الحل من الناحية النظرية، إلا في إطار حل عام يشملها جميعاً ومن ثمَّ لمعرفة مفهوم الإصالة يعود الجابري إلى لحظة انبثاق الإسلام ويؤرخ بذلك الحدث للنهضة العربية الأولى فبرأيه أنَّ قاعدة الدعوة الإسلامية كانت ما أطلق عليه اسم "الحنفاء" وهم يمثلون التجديد مقابل التقليد الذي كان يستميتُ في حمايته سادة مكة لكن انتظام هذا الحراك العقائدي والاجتماعي لم ينتظم في التراث الحنفي لتثبيت عنده راكدا وجامدا، بل ليرتكز عليه في تجاوز كل الموروث القديم وتشييد تراث جديد ومايقوله الجابري من خلال هذا التحليل الألمعي أنَّ التواصل مع التراث يكون منتجاً وعاملاً للنهوض، إذا استند إلى منطق واقعي وحيوي فيما لاينشأ من وهم التطابق مع المعطي التراثي إلا مزيدُ من التزمت أما بالنسبة إلى موضوع المعاصرة والقبول بالنموذج الغربي، يؤكد مؤلف "تكوين العقل العربي" بأن منذ الاصطدام بالحضارة الغربية لم تعد لدينا حرية الاختيار بين الأخذ بها أو رفضها، لأنَّ هذا النموذج فرض علينا مع التوسع الاستعماري .والغرب حسب رؤية الجابري إلى الآن هو العدو الذي يجب الاحتراز منه والوقوف ضد مطامعه وسيطرته من جهة والنموذج الذي يغري باقتدائه والسير في ركابه من جهة ثانية.والوجه الأبرز لإشكالية الخطاب العربي المعاصر يراه الجابري في مفاهيمه المستقاة إما من الماضي العربي الإسلامي أو من الحاضر الأوروبي وبالتالي إنَّ هذه المفاهيم في كلتا الحالتين تمت بصلة لواقع ليس هو واقع العربي الراهن.ونحن في سياق الحديث عن تناول الجابري لهذه الإشكاليات من الضروري التوقف عند رأيه حول غياب القفزات العلمية في الثقافة العربية والسبب وفق تحليله هو أن السياسة كانت محركاً للحياة الثقافية والفكرية في الفضاء الإسلامي فيما الفكر انتزع استقلاليته من الخط السياسي والكهنوتي في أوروبا بعد صراعه المرير مع الكنيسة. السؤال الذي يلاحق القارىء بعد أن يختمَ ماقدمه الجابري في طيات كتابه هو إلى مدى نحن استفدنا من هذا المجهود الفكري وبنينا عليه المشروع المستقبلي؟ّ! وما إن تنظر إلى الواقع حتى يزداد لديك الشكُ بأننا لم نحسن التدبر في أعمال الجابري وأقرانه من المفكرين .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

بروتريه: فيصل السامر.. قامة شامخة علماً ووطنيةً

موسيقى الاحد: 250 عاماً على ولادة كروسيل

الحكّاء والسَّارد بين "مرآة العالم" و"حديث عيسى بن هشام"

في مجموعة (بُدْراب) القصصية.. سرد يعيد الاعتبار للإنسان ودهشة التفاصيل الصغيرة

شخصيات اغنت عصرنا.. الملاكم محمد علي كلاي

مقالات ذات صلة

الكاتب يقاوم الغوغائية والشعبوية والرقابة
عام

الكاتب يقاوم الغوغائية والشعبوية والرقابة

أدارت الحوار: ألكس كلارك* ترجمة: لطفية الدليمي يروى كتابُ مذكرات لي ييبي Lea Ypi ، الحائز على جائزة، والمعنون "حُرّة Free" تجربة نشأتها في ألبانيا قبل وبعد الحكم الشيوعي. أما كتابُها الجديد "الإهانة indignity"...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram