المدى/خاص
حذّر النائب عارف الحمامي، اليوم الخميس، من التداعيات الخطيرة لاستمرار موجة الجفاف التي تضرب مناطق الأهوار في المحافظات الجنوبية، مؤكداً أن الوضع الحالي قد يُدخل العراق فيما وصفه بـ”القائمة الرمادية” بيئياً إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة للحد من التدهور المستمر في هذا النظام البيئي الفريد.

وقال الحمامي في تصريح تابعته (المدى)، إن “الأهوار ليست مجرد مسطحات مائية أو أراضٍ رطبة، بل تمثل نظاماً بيئياً متكاملاً يمتد لعشرات الكيلومترات، ويتميز بخصوصية فريدة تشكلت على مدى آلاف السنين، ما يجعل تعرضه للجفاف تهديداً بيئياً وإنسانياً بالغ الخطورة”.

وأضاف أن “جفاف الأهوار يتسبب في نفوق أعداد كبيرة من الكائنات الحية، بما فيها أنواع نادرة، فضلاً عن دفع عشرات الآلاف من السكان إلى الهجرة نتيجة فقدانهم لبيئتهم الطبيعية ومصادر رزقهم”، مبيناً أن “الأهوار تُعد بمثابة خزّان طبيعي للثروات وتلعب دوراً مهماً في التوازن المناخي”.

وأكد الحمامي أن “استمرار الأزمة دون حلول جذرية سيؤدي إلى نتائج كارثية على المستوى البيئي والاجتماعي والاقتصادي، ما يضع العراق في مواجهة ما يمكن تسميته بالقائمة الرمادية بيئياً”، داعياً إلى “تحرك حكومي جاد وعاجل لإيجاد معالجات واقعية تضمن الحفاظ على هذه الثروة البيئية، وحماية أكثر من مليون نسمة يقطنون مناطق الأهوار”.

من جانبه، قال الخبير البيئي علي وسام في حديث لـ(المدى)، إن “الأهوار الجنوبية تواجه أسوأ موجة جفاف منذ عقود بسبب الانخفاض الكبير في الإطلاقات المائية من تركيا وإيران، إضافة إلى سوء إدارة الموارد المائية داخلياً”، موضحاً أن “منسوب المياه في عدد من الأهوار الرئيسية انخفض إلى أقل من 20% من مستواه الطبيعي، ما تسبب بتصحر مساحات واسعة كانت تغطيها المياه طوال العام”.

وأضاف وسام أن “تراجع الغطاء النباتي وتدهور التربة جعلا المنطقة أكثر عرضة للعواصف الغبارية، إذ تشير التقديرات إلى أن نحو 40% من العواصف التي تضرب العراق مصدرها مناطق كانت تُعد في السابق أراضي رطبة في الأهوار”، مشيراً إلى أن “الأزمة الحالية لم تعد بيئية فقط، بل تحولت إلى كارثة إنسانية واجتماعية واقتصادية متكاملة”.

وشدّد على أن “الحل لا يكمن في المعالجات الآنية، بل في استراتيجية مائية وطنية شاملة تُعيد التوازن بين الحاجات الزراعية والبيئية والسكانية، مع تفعيل الدبلوماسية المائية لزيادة الإطلاقات من دول المنبع”.

تُعد أهوار العراق الجنوبية الممتدة بين محافظات ذي قار والمثنى وميسان والبصرة من أهم الأنظمة البيئية في الشرق الأوسط، وأُدرجت عام 2016 على قائمة التراث العالمي لليونسكو لما تمثله من تنوع بيولوجي وثقافي نادر.

لكن هذه المكانة باتت مهددة خلال الأعوام الأخيرة مع تراجع مناسيب المياه إلى مستويات غير مسبوقة، وتحوّل أجزاء واسعة من الأهوار إلى أراضٍ قاحلة.

وتشير تقارير وزارة البيئة إلى أن أكثر من 70% من مساحة الأهوار تعرضت للجفاف منذ عام 2022، الأمر الذي تسبب بخسارة آلاف العائلات لمصدر رزقها القائم على صيد الأسماك وتربية الجواميس، ما دفع كثيرين إلى النزوح نحو المدن القريبة.

في المقابل، تؤكد منظمات محلية أن استمرار الوضع الحالي سيؤدي إلى فقدان العراق واحداً من أهم أنظمته البيئية الطبيعية، فضلاً عن الإضرار بسمعته الدولية، إذ تُراقب اليونسكو والمؤسسات البيئية العالمية عن كثب الوضع المائي في هذه المناطق.

ويطالب ناشطون بيئيون وخبراء الحكومة الاتحادية بإعلان “حالة طوارئ بيئية” في المحافظات الجنوبية، وتخصيص موازنات طارئة لمعالجة آثار الجفاف، إلى جانب الضغط الدبلوماسي على دول المنبع لتأمين حصة عادلة من المياه وفق القوانين الدولية.

ويرى هؤلاء أن معالجة أزمة الأهوار تمثل اختباراً حقيقياً لقدرة الدولة العراقية على حماية بيئتها وموروثها الطبيعي، مؤكدين أن تجاهل الأزمة سيُدخل البلاد في مرحلة بيئية حرجة يصعب الخروج منها مستقبلاً.