TOP

جريدة المدى > خاص بالمدى > كارثة بيئية في المثنى .. مداخن معامل الطابوق تخنق الأهالي: نعيش تحت سماء من السموم!

كارثة بيئية في المثنى .. مداخن معامل الطابوق تخنق الأهالي: نعيش تحت سماء من السموم!

نشر في: 12 أكتوبر, 2025: 12:02 ص

 المثنى/ كريم ستار

في مشهدٍ يتكرّر كل يوم، تتصاعد أعمدة الدخان الكثيف من معامل الطابوق في منطقة آل بوموسى التابعة لقضاء الهلال في محافظة المثنى، لتغطي سماء القرى القريبة، وتنشر رائحة خانقة تمتد إلى المنازل والطرقات.
هذا الدخان الأسود الذي يتصاعد من أفران الطابوق القديمة، لم يعد مجرد مظهر مزعج للسكان، بل تحوّل إلى كارثة بيئية وصحية تهدد حياة المئات من العائلات، بعدما سُجلت حالات متزايدة من الأمراض التنفسية والسرطانية بين الأهالي، وفق ما يؤكده السكان والجهات الصحية في المحافظة.
يقول المواطن عبد الحسين محمد، أحد سكان المنطقة، إنهم يعيشون تحت سحابة من التلوث لا تنقشع حتى في الليل: "ننام ونستيقظ على الدخان، نغلق الأبواب والنوافذ، لكن الرائحة تخترق كل شيء. أطفالنا يعانون من السعال المزمن، وهناك من أصيب بأمراض صدرية خطيرة، وقد طالبنا مراراً بإغلاق هذه المعامل أو نقلها بعيداً عن البيوت، لكن لا أحد يسمعنا".
الأهالي في آل بوموسى يؤكدون أن أصحاب المعامل يواصلون تشغيل أفرانهم دون مبالاة بالتحذيرات أو بشكاوى المواطنين، وأن الانبعاثات تغطي المنطقة بشكل يومي، خصوصاً في فترات الصباح الباكر والمساء، حين تكون حركة الهواء ضعيفة فيتجمع الدخان فوق المنازل.
من جهته، كشف معاون محافظ المثنى لشؤون الزراعة والموارد المائية، يوسف سوداي، عن تفاصيل أكثر دقة حول طبيعة المشكلة قائلاً: "هناك معامل ومصانع في منطقة آل بوموسى تتسبب فعلاً في تلوث بيئي خطير يصل إلى المنازل القريبة منها، هذه المعامل مخالفة لشروط البيئة التي تشترط أن تبعد خمسة كيلومترات على الأقل عن المدن، لكن بعضها لا يبتعد سوى كيلومتر واحد أو أقل، كما أن موقعها مع إتجاه الرياح يجعل الأدخنة تتجه مباشرة نحو التجمعات السكنية".
وأضاف سوداي أن "دائرة الصحة في المثنى تمتلك تقارير رسمية تُظهر تسجيل حالات كثيرة من الإصابات بالأمراض التنفسية والجلدية والخبيثة بين سكان المناطق المحيطة بمعامل الطابوق، مؤكداً أن الوضع وصل إلى حد لا يمكن السكوت عنه".
كانت هناك جلسة صريحة لمجلس تحسين البيئة برئاسة محافظ المثنى، حضرها ممثلو الدوائر المعنية بالتلوث، وتمت مناقشة هذه الكارثة بشكل مفصل. وعلى إثرها اتُخذت إجراءات فورية، منها قطع الكهرباء عن بعض المعامل المخالفة، خصوصاً تلك الواقعة على أراضٍ تابعة لمحافظة الديوانية الملاصقة للمثنى، بحسب سوداي.
ورغم تلك الإجراءات، فإن نقل هذه المعامل ليس بالأمر السهل، إذ يشير معاون المحافظ إلى أن أغلبها حصل على موافقات رسمية من وزارة البيئة، ما يجعل إيقافها أو ترحيلها يحتاج إلى قرار مركزي وتنسيق عالٍ بين المحافظات.
وأضاف سوادي: "نحن نعمل على الضغط بالتعاون مع بيئة الديوانية لإلزام أصحاب المعامل باستخدام تقنيات صديقة للبيئة، مثل الفلاتر الحديثة ومنظومات الحرق النظيفة، إضافة إلى إنشاء أحزمة خضراء حول مواقع الإنتاج لتقليل التلوث".
في المقابل، يرى المواطن قاسم علي، وهو ربّ أسرة يقطن على بعد أقل من كيلومترين من المعامل، أن "الحلول التي تُطرح تبقى حبراً على ورق".
وأضاف: "سمعنا وعوداً كثيرة منذ سنوات. لجان بيئية تزور المنطقة وتلتقط الصور ثم ترحل، لكن الأدخنة تبقى كما هي. نحن لا نطلب المستحيل، نريد فقط أن نعيش في بيئة لا تقتلنا ببطء".
من جهته، يرى المختص البيئي حيدر فاضل أن تكرار هذه الظواهر في المحافظات الجنوبية يكشف عن ضعف في تطبيق التشريعات البيئية.
وقال فاضل في حديث لـ(المدى)، إن "هناك معايير واضحة تحدد مواقع الصناعات الثقيلة والملوثة، لكن في الواقع يتم تجاوزها لأسباب استثمارية أو بفعل الضغوط. المشكلة لا تكمن فقط في الأدخنة، بل في تراكم المواد السامة في التربة والمياه أيضاً، ما يؤدي إلى تأثيرات طويلة المدى على الصحة العامة".
ويشير فاضل إلى أن "الحلول العملية يجب أن تشمل تحويل معامل الطابوق التقليدية إلى معامل تعمل بالغاز الطبيعي أو بالكهرباء، مع فرض رقابة صارمة على الانبعاثات".
كما دعا إلى "إشراك منظمات المجتمع المدني في متابعة هذا الملف لأن حياة المواطنين لا يمكن أن تُترك رهينة لمعادلة الربح والخسارة".
من جانب آخر، يطالب الأهالي بتعويض المتضررين وإجراء فحوصات طبية دورية في المنطقة للكشف المبكر عن الأمراض الناتجة عن التلوث.
ويقول الناشط المدني كرار شاكر إن "السكوت عن هذه الكارثة هو تواطؤ صريح ضد صحة الناس"، داعياً الحكومة المحلية إلى "اتخاذ موقف جريء بإيقاف جميع المعامل المخالفة فوراً".
ويؤكد معاون المحافظ يوسف سوداي أن "الحكومة المحلية لن تتهاون في حماية أرواح المواطنين"، مشيراً إلى أن "المثنى تتواصل بشكل مستمر مع بيئة الديوانية ووزارة البيئة لمتابعة تنفيذ التعهدات التي قدمها أصحاب المعامل للتحول نحو الإنتاج النظيف. لكنه يعترف بأن “الواقع البيئي في المنطقة لا يزال مقلقاً، ويتطلب متابعة يومية وإجراءات أكثر صرامة".
وبين الأدخنة التي تخنق الهواء والوعود التي ما تزال تنتظر التنفيذ، تبقى منطقة آل بوموسى شاهداً على واحدة من أكبر الأزمات البيئية في المثنى، حيث يدفع السكان ثمن الإهمال والبطء الإداري، في وقتٍ يتزايد فيه الخطر على صحتهم يوماً بعد آخر.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

مقالات ذات صلة

لا حسم في

لا حسم في "الإطار": الملف البرتقالي يخرج بلا مرشحين ولا إشارات للدخان الأبيض

بغداد/ تميم الحسن أصبح "الإطار التنسيقي" يبطئ خطواته في مسار تشكيل الحكومة المقبلة، بانتظار ما يوصف بـ"الضوء الأخضر" من واشنطن، وفق بعض التقديرات. وفي المقابل، بدأت أسماء المرشحين للمنصب الأهم في البلاد تخرج من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram