طالب عبد العزيز
يأملُ أحدُ المواطنين بأن تنتهي الانتخابات قريباً؛ لا لأنه ينتظر مرشحه الاصلح؛ أو يعوّل على مستقبل أفضل بعدها؛ إنّما ليستحوذ قبل غيره؛ على حديد إحدى لوحات الإعلان؛ لأحد المرشحين الكبار، اللوحة التي رأي مواطننا (العظيم) في حديدها الوفير ما يكمل به بناء بيته، لذا، فهو يعلن بحنجرته ولسانه عن حجزها له؛ من خلال تصويرها من كلِّ الجهات، متوعداً كل من يفكر بأخذها؛ لافتاَ النظر الى حاجته لها، وعدم تجاوز الآخرين على حقّه فيها.
هذه الصورة؛ وهذا المقطع المصور يكشف لنا عن حقيقة وجوهر الانتخابات عند المواطن البسيط، المسكين، الذي لا يرى في العملية الكبيرة، المنفوق عليها مليارات الدنانير أكثر من (كومة) حديد؛ يسارع في الاستحواذ عليه، والانتفاع به، إمّا ببيعه، أو إكمال بيت شرع ببنائه، أمّا المشاركة في الانتخابات والامل في التغيير واستبدال الفاسدين بآخرين فاسدين أو غير فاسدين فهذه مما لا تخطر له على بال، أو تقع ضمن قائمة تصوراته، وسبق أنْ قيَّضَ لنا ولغيرنا مشاهدة هجومات باعة العتيك(العتاكة) على اللوحات الاعلانية؛ فجر اليوم الأول؛ الذي يعقب الانتخابات، أي قبل الإعلان عن فوز هذا وذاك، من الذين أمسوا ومنذ أكثر من عشرين سنة؛ لا يعنون لهؤلاء شيئاً، في مشهد يكشف عن صورة اليأس والإحباط التي تنطوي عليها نفسُ المواطن البسيط.
وفي حقيقة الامر فأنَّ العملية السياسية العراقية برمتها لن تكشف لنا عن أكثر من صراع قديم جديد؛ بين مجموعة من اللصوص والفاسدين والقتلة والعملاء من الذين تزيّوا بزيِّ السياسة، ومنحتهم ديمقراطية أمريكا والتشريعات العرجاء المسوغ ليكونوا أمراء طوائف، وزعماء أحزاب، ورجال مال وأعمال، وبرلمانيين، ووزراء، ومديرين عامين .. لكننا، وحين ننعم النظر في الغالبية العظمى منهم لن نقع إلا على من لا يعنيه من أمر المواطن البسيط شيئاً، وما هو لديه أكثر من رقمٍ، مخلوقٍ مخدوع، يركب ظهره؛ ليوصله الى غاياته وأطماعه ومراميه.
نقرأ في خطب الكثير من(أصحاب الفخامة والسيادة والمعالي)بأنهم سيعملون على توحيد البلاد، وانهاء المحاصصة الطائفية، واسترداد ما سرق من مال، ومن ثم تأمين حياة كريمة للمواطن، وإيجاد الوظيفة المناسبة له، ووو ولكأنَّ المواطن هذا بلا ذاكرة!! أو بلغ درجة عليا في الاستغفال!! ألم يسمعها منكم في الانتخابات السابقة، والتي سبقتها، وسبقتها منذ أكثر من عقدين؟ ترى لماذا هذا الاستخفاف بعقله؟ والى متى ستظل قضية مثل الكهرباء والماء وفرصة العمل دالةً غبيةً عليه؟ وعنواناً عريضاً لحشره في صندوق الاقتراع.
الطبقة السياسية هذه انتجت لنا مواطناً هشّاً، مخدوعاً، مستغفَلاً، متوسِلاً .. ومواطنٌ بهذه الصورة لا يعوّلُ عليه في عملية البناء والتحولات، لأنّه صُنع من خيباتٍ لا حصر لها، بعد أنْ سرح وراء من ظلَّ يعده بالجنة، عبر متوالية البكاء وجلد الذات، واليأس من زينة الحياة الدنيا، واستمراء الهوان. هذا المواطن، وبسبب من حاجته راح يجري وراء هؤلاء، الكذبة، وإنْ تكشف له كذبهم، يدفعه خوفٌ اسمهُ (الحاكمُ السنيّ وعودة البعث) وهما ورقتان رابحتان بين صفوف هؤلاء المساكين، مع الأسف، الذين فرحوا بسماع جملة مؤذن مسجدهم (عليٌّ وليُّ الله) . ما يريده المواطن هذا هو أنْ يبرهن (السياسيُّ المناضلُ، صاحبُ الكرامات الليلية ...) بعمله، وأخلاصه، وبتفكيره، وأمانته لا بغيرها على أرواح وأموال (عبد الزهرة وعمر وجورج وآزاد) إذْ لن تنقذ عبد الزهرة من الجوع جملة (عليٌّ ولي الله، ولا حتّى حيِّ على خير العمل).










