ثائر صالح
الجزء الثاني
شهدت السنوات الأخيرة، خاصة بعد مقتل الأفرو أمريكي جورج فلويد على يد الشرطة عام 2020 وظهور حركة “حياة السود مهمة” نشاط جديد لكشف الجوانب المظلمة في التاريخ فيما يتعلق بالعنصرية، المسكوت عنها أو المعروفة. بين مظاهر هذه الحركة هدّ تمثال إدوارد كولستون (القرن 17)، أحد السياسيين وتجار العبيد في بريطانيا الذي عمل مع شركة أفريقيا الملكية التي احتكرت “تصدير” نحو 13 مليون أفريقي من ساحل أفريقيا الغربي. هنا نعرج على الموسيقى لنذكر جورج فريدريك هندل وتوظيف أمواله في شركات الاتجار بالعبيد الأفريقية الملكية وشركة بحر الجنوب بشكل مباشر. وهناك معطيات عن أن 32% من المساهمين في الأكاديمية الملكية للموسيقى التي أسسها هندل (مشتركين أو مستثمرين) بين 1719 - 1729 كانوا أيضاً مستثمرين في الشركة الملكية الأفريقية.
ويسجل ليوبولد موتسارت خلال زيارته لندن مع عائلته أنه التقى عددا من المانحين الأثرياء بينهم تجار عبيد وآخرين امتلكوا مزارع في ما وراء البحار الذين تأسست أنشطتهم الاقتصادية على امتلاك العبيد وتشغيلهم في هذه المزارع. وقد خص تجار العبيد ببعض التفصيل خلافاً لمهن باقي الأشخاص.
تزامناً مع ازدياد الاهتمام بتاريخ العالم الغربي المسكوت عنه مؤخراً، مثل الموقف من الحريات وتاريخ العبودية، بدأ بعض الباحثين مؤخراً بدراسة تاريخ “فرق العبيد” التي أسسها المستعمرون في اندونيسيا والفلبين والبرازيل وهايتي للترفيه عن المستعمرين البيض خلال القرون 15-18. فقد نقل المستعمرون الأوروبيون موسيقاهم إلى المستعمرات، خاصة في الأمريكتين، لكن ما يثير الاهتمام هنا هو تأسيس فرق موسيقية قوامها مستعبدين في اندونيسيا التي استعمرتها هولندا. وقد تعجب الهولنديون من قابليات الموسيقيين سكان جاوا آنئذ على تعلم الموسيقى الأوروبية وإتقانها بشكل كامل. وقد أثّرت موسيقى جاوا على موسيقى النصف الثاني من القرن التاسع عشر بشكل ملحوظ، خاصة في فرنسا. ويقدر عدد العبيد من شرقي آسيا الذين باعهم الهولنديون بالملايين.
هناك العديد من الموسيقيين العبيد أو أبناء العبيد المولّدين أشهرهم متعدد المواهب السيّاف والضابط وعازف الكمان البارع المُكنّى بموتسارت الأسود: جوزف بولون الذي عرف باسم الفارس دو سانت جورج، وهو الذي قاد فرقة اللوج الأولمبي في باريس لتدشين سيمفونيات يوزف هايدن الباريسية الأربع. وكان صديق ورفيق الجنرال توماس ألكسندر دوما (وهو أبو الروائي الشهير الكسندر دوما صاحب روايات كونت مونت كريستو والفرسان الثلاثة) في حروبه إبان الثورة الفرنسية، ودوما يتحدر من العبيد كذلك.
وبين موسيقيي بريطانيا من أبناء العبيد نذكر عازف الكمان الشهير جورج برِجواتر الذي ولد لأم بولونية وأب من جزر الهند الغربية. وكان برِجواتر عازف الكمان الذي ألف له بيتهوفن سوناتا كرايسلر الشهيرة. وقد اسميت أهم قاعة موسيقى في مانشستر باسمه، وهي مقر فرقة هاليه المعروفة. نذكر كذلك صمويل كولرج - تايلر الذي تحدر أبوه من سيراليون. أما في أمريكا فقد برز اسم ويليام غرانت ستل وفلورنس برايس، وسكوت جوبلن.
موسيقى الاحد: الموسيقى والعبودية

نشر في: 12 أكتوبر, 2025: 12:01 ص









