المدى/خاص
تتجه الأوضاع البيئية والإنسانية في مناطق الأهوار بجنوب العراق نحو مرحلة غير مسبوقة من التدهور، وسط تفاقم أزمة الجفاف التي تضرب البلاد منذ سنوات، في ظل ضعف الإجراءات الحكومية وغياب الحلول المستدامة لمواجهة آثارها.
أكد النائب عارف الحمامي، أن “معدلات النزوح من مناطق الأهوار تضاعفت ثلاث مرات خلال الأشهر القليلة الماضية”، محذراً من “كارثة إنسانية وبيئية قد تطال مئات الآلاف من المواطنين نتيجة الجفاف المستمر ونفاد مصادر المعيشة”.
وقال الحمامي في تصريح تابعته(المدى)، إن “الأهوار في جنوب العراق تعدّ أكثر مناطق البلاد تضرراً من آثار أزمة الجفاف، خاصة بعد فقدان نحو 95% من الثروة السمكية، وحوالي 80% من الثروة الحيوانية التي كانت تشكل عصب الحياة لسكان هذه المناطق”. وأضاف أن “معدلات النزوح تضاعفت ثلاث مرات خلال عام 2025، ما يهدد بتحويل الوضع الإنساني إلى مرحلة كارثية تحاصر مئات الآلاف من المواطنين الذين يعتمدون على الصيد وتربية الجاموس كمصدر رزق رئيسي”.
وأشار إلى أن “الأزمة لم تتوقف عند حدود جفاف المسطحات المائية فقط، بل امتدت إلى شح مياه الشرب في عدد من القرى الواقعة على أطراف الأهوار، ما أجبر العديد من العائلات على الهجرة نحو المدن المجاورة أو العاصمة بحثاً عن ظروف معيشية أفضل”.
وشدد الحمامي على “ضرورة إدراك الدولة خطورة الموقف في مناطق الجنوب والفرات الأوسط، ولا سيما الأهوار التي تمثل الأكثر تضرراً على مستوى العراق”، داعياً إلى “وضع خطة طارئة بالتعاون مع المنظمات الدولية لمعالجة آثار الجفاف، وتوفير بدائل معيشية عاجلة للسكان المحليين”.
وفي السياق ذاته، حذّر الخبير البيئي باسم الفهد من أن “ما يجري في الأهوار ليس مجرد أزمة موسمية، بل هو تحوّل بيئي طويل الأمد قد يؤدي إلى انهيار النظم البيئية في الجنوب بالكامل خلال السنوات المقبلة”.
وقال الفهد في حديثه لـ(المدى)، إن “تراجع الإطلاقات المائية من دول المنبع وتغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة، عوامل مجتمعة ساهمت في تسريع جفاف الأهوار، التي كانت تمثل نظاماً بيئياً فريداً من نوعه في العالم”.
وأضاف أن “البيئة المحلية فقدت قدرتها على التعافي الذاتي، فالمياه الراكدة الملوثة وغياب الغطاء النباتي جعلت من عودة الحياة البرية أمراً بالغ الصعوبة”، لافتاً إلى أن “استمرار الصمت الرسمي تجاه ما يجري يعني أننا نتجه نحو محو تدريجي لهوية الأهوار وتراثها الثقافي والبيئي الذي دخل قائمة التراث العالمي في عام 2016”.
ويذكّر الفهد بأن “الأهوار كانت تشكّل موطناً لملايين الطيور المهاجرة ومصدر رزق لعشرات الآلاف من العائلات، لكنها اليوم تحوّلت إلى أراضٍ متشققة خالية من مظاهر الحياة”.
تعاني مناطق الأهوار، الممتدة بين محافظات ذي قار والمثنى والبصرة، من أزمة جفاف متصاعدة منذ عام 2022 نتيجة انخفاض منسوب نهري دجلة والفرات، وتراجع الإطلاقات المائية من تركيا وإيران، إضافة إلى ضعف البنية التحتية للمشاريع الإروائية المحلية. وتشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 80% من أراضي الأهوار جفّت خلال العامين الماضيين، ما أدى إلى نزوح آلاف العائلات وخسارة معظم الثروات الحيوانية والسمكية.
وكانت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) قد حذّرت في تقاريرها الأخيرة من أن استمرار تراجع منسوب المياه في الجنوب العراقي سيؤدي إلى “كارثة بيئية دائمة”، في حال لم تتخذ الحكومة العراقية خطوات عاجلة لإعادة إنعاش الأهوار وتأمين الحصص المائية الكافية.
ومع استمرار شح المياه وغياب المعالجات الجذرية، يقف سكان الأهوار اليوم أمام خيارين أحلاهما مرّ: البقاء في بيئة قاسية تفتقر لأبسط مقومات الحياة، أو النزوح نحو المجهول، في واحدة من أكثر الأزمات الإنسانية إلحاحاً التي يشهدها العراق منذ سنوات.










