TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > أزمة القيادة السياسية السنية في العراق: غياب المشروع وضياع البوصلة

أزمة القيادة السياسية السنية في العراق: غياب المشروع وضياع البوصلة

نشر في: 14 أكتوبر, 2025: 12:02 ص

محمد علي الحيدري

منذ عام 2003 والعراق يعيش تحولات متلاحقة أطاحت ببنية السلطة القديمة وأقامت نظامًا سياسيًا جديدًا يقوم على التوازنات الطائفية والعرقية، لكنه في الوقت نفسه كشف هشاشة البنى التمثيلية داخل المكوّنات جميعها. غير أن الأزمة الأوضح والأكثر استعصاءً برزت في البيت السني، حيث لم تستطع النخب السياسية أن تصوغ لنفسها مشروعًا وطنيًا متماسكًا يعبّر عن مصالح جمهورها أو يحافظ على حضورها ضمن المعادلة العراقية الجديدة.
فقد انتقلت القوى السنية من مرحلة الإنكار والمقاطعة في السنوات الأولى بعد التغيير، إلى مرحلة المشاركة الحذرة ثم إلى التنازع الداخلي على الزعامة والمكاسب، دون أن تنجح في التحول إلى قوة سياسية ذات رؤية ومؤسسات راسخة. وانشغلت قياداتها بصراعات النفوذ والموقع، فغابت عنها فكرة المشروع الجامع الذي يعيد الثقة بين المجتمع السني والدولة، أو يقدّم رؤية لمعالجة إرث التهميش والدمار الذي ضرب المحافظات الغربية خلال الحرب على الإرهاب وما بعدها.
إن أزمة القيادة السنية ليست في الأشخاص فقط، بل في طبيعة التمثيل ذاته: فالأحزاب والكتل لم تنشأ من رحم المجتمع أو من تجربة فكرية أو نقابية أو نضالية، بل من تسويات آنية فرضتها اللحظة السياسية، فتحولت الزعامة إلى امتياز شخصي أكثر منها مسؤولية عامة. ومع كل دورة انتخابية تتبدل التحالفات، لكن الثابت هو غياب المرجعية الفكرية والسياسية التي تضع بوصلة العمل وتحدد أولوياته.
ومع تفكك التحالفات التقليدية وتراجع ثقة الجمهور، صارت الساحة السنية مشرعة أمام قوى محلية وإقليمية تبحث عن موطئ قدم أو ورقة تفاوض، فصار القرار السياسي يتوزع بين عواصم متعددة، بدل أن يصدر عن مشروع وطني ينبع من داخل العراق ويصب في استقراره. أخطر ما في الأزمة أنّها لا تترك فراغًا فحسب، بل تولّد فراغات جديدة: غياب القيادة الجامعة جعل الصوت السني ضعيفًا في لحظات الحوار الوطني أو عند رسم السياسات الكبرى، كما جعل الجمهور يلوذ بالعشيرة أو المنطقة أو الانتماء المحلي بحثًا عن حماية أو تمثيل، وهو ما يعمّق الانقسام الاجتماعي والسياسي في آن واحد.
إن استعادة الدور السياسي السني لا يمكن أن تتم عبر تبديل الوجوه أو إعادة تدوير التحالفات، بل عبر إعادة تعريف الدور ذاته: الانتقال من تمثيل طائفي محدود إلى مشروع وطني يسهم في بناء دولة المواطنة والقانون، ويستند إلى رؤية اقتصادية واجتماعية واضحة تعالج آثار الحروب والإقصاء. ذلك وحده ما يعيد الثقة بين المجتمع والدولة، ويمنح السياسة معناها الحقيقي. العراق بحاجة إلى قيادة سنية جديدة، لا بمعنى الأسماء، بل بمعنى الوعي والمسؤولية ، قيادة تنظر إلى المصلحة العامة لا من نافذة الطائفة، بل من أفق الوطن الذي لا يقوم إلا بجميع أبنائه.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram