متابعة/ المدى
تعاني بحيرة "آمرلي" في محافظة صلاح الدين وسط العراق جفافاً شديداً حوّلها إلى مساحة جرداء قاحلة بعد أن كانت رافداً حيويّاً لريّ العديد من المزارع وتربية المواشي وصيد الأسماك، وملاذاً طبيعياً للباحثين عن الراحة والاستجمام، لتعكس بذلك الآثار الكارثية للجفاف الحادّ الذي تشهده البلاد.
وتُعدّ البحيرة أحد أبرز المواقع السياحية الطبيعية في المنطقة، نظراً إلى ما تتمتع به من مساحات خضراء ونسيم عليل يخفّف وطأة الحرارة الملتهبة خلال صيف العراق، ما جعلها مقصداً لسكان المدن والقرى القريبة خلال أيام العُطل والمناسبات، حيث كانت بمنزلة مكان ترفيهي مجاني للأفراد والعائلات. لكن مشهد البحيرة تبدّل كليّاً هذا العام؛ المياه اختفت، والأسماك نفقت، والحقول ذبُلت، فيما بقيت الذكريات وحدها تسبح في وجدان الأهالي.
ونبّه قائممقام قضاء آمرلي، ميثم نوري، إلى أنّ البحيرة التي تُعدّ الخزين المائي الوحيد للمنطقة جفّت بالكامل، للمرة الأولى في تاريخها، في حادثةٍ وصفها بأنّها "الأسوأ منذ أكثر من قرن"، وفقاً لما نقلته وسائل إعلام محلية، مؤكداً أنّ الجفاف الطويل وقلّة الأمطار سبَّبا انحسار المياه تماماً.
ويروي العديد من المواطنين علاقتهم الخاصة ببحيرة آمرلي، وما يختلجهم من مشاعر تجاه هذا المَعلم السياحي. ففي مدينة تكريت، تتحدث ندى العواد، الموظفة في وزارة التربية العراقية والأم لثلاثة أطفال، عن البحيرة، وتصفها بأنّها "المكان الأحبّ" لعائلتها.
وتقول: "كنا نذهب إلى البحيرة كل عطلة صيفية. كان أطفالي يركضون بجانب المياه ويحاولون اصطياد السمك بصناراتهم البدائية التي يصنعونها بأيديهم. كانت ضحكاتهم تملأ المكان". وتضيف: "لدينا كم كبير من الصور ومقاطع الفيديو قرب البحيرة، حيث الطبيعة والمرح، وكلّنا أمل في أن تعود الحياة لهذا المكان الجميل".
وبحسب تقارير رسمية، تعود أسباب الجفاف إلى تراجع معدلات الأمطار في شمال العراق خلال العامين الماضيين، وانخفاض منسوب الخزين المائي في سد العظيم الذي كان يغذّي بحيرة آمرلي. وتشير التقارير إلى أنّ موجات الحرارة الشديدة، وضعف الإمدادات المائية من السدود، وعدم وجود خطط حكومية عاجلة لإنعاش الخزانات الطبيعية، جعلت من جفاف البحيرة أمراً حتميّاً.
ويتحدث يوسف عبد الرحيم، من قضاء الشرقاط بمحافظة صلاح الدين، عن الأيام التي كانت تجمعه رفقة أصدقائه قرب البحيرة.
ويقول عبد الرحيم: "كنا نأتي في عطلة يوم الجمعة، نغنّي ونشوي السمك ونستمتع حتى ساعات المساء. كانت البحيرة ملاذاً ننسى معه تعب الأسبوع، فتعود إلينا مشاعر الفرح والحياة. كانت "آمرلي" تشبهنا ببساطتها، لكنّها كانت تبعث الحياة".
ويرى يوسف أنّ جفاف البحيرة "لم يسرق فقط المياه، إنّما سرق من العراقيين طقوسهم وعلاقاتهم"، قائلاً: "نحن أبناء مدنٍ صغيرة، وهذه الأماكن كانت متنفّسنا الوحيد".
ويلفت فاضل عباس وهو مزارع في قرية قريبة من البحيرة، إلى أنّه كان يعتمد على مياه "آمرلي" في زراعة القمح وتربية الماشية، موضحاً: "كنا نعيش على رزقها، حتى ماشيتنا كانت تجد المراعي الغنية بالحشائش حول البحيرة. لكن اليوم، لا زرع ولا عشب. وفي حال استمرّ الجفاف، سيقتل كل شيء".
وكانت البحيرة سبباً لتعزيز العلاقات بين زوّارها والسكان القريبين منها، وفقاً لما تقوله المواطنة ناهدة عزيز، وهي المقيمة في محافظة ديالى المجاورة لمحافظة صلاح الدين بإنّها كوّنت طيلة فترة ارتيادها البحيرة علاقات عديدة مع سيدات من قرى مجاورة.
وتضيف: "تعرّفتُ على نساء كثيرات هناك. كنّا نطبخ معاً ونتبادل الطعام والقصص. نضحك ونشرب الشاي على ضفاف المياه. بعضهنّ ما زلن يتصلن بي حتى تاريخه، ويؤكّدن أن المياه ستعود حتماً إلى البحيرة. وفي حين نقصد البحيرة للاستمتاع، غير أنّ حياة السكان هناك ترتبط حكماً بمياه البحيرة".
بحيرة آمرلي تلفظ أنفاسها الأخيرة.. الأرض ت صرخ عطشاً والذكريات تغرق في الغبار

نشر في: 14 أكتوبر, 2025: 12:02 ص









