بغداد/ تبارك عبد المجيد
في الوقت الذي تسعى فيه أمانة بغداد إلى إحياء البيوت التراثية وتحويلها إلى فضاءات ثقافية تعيد للمدينة ملامحها الأصيلة، يثير بعض المختصين تساؤلات حول طبيعة الاستثمار في هذه المباني، بعد أن تحولت بعض الاماكن القديمة في العاصمة إلى مطاعم ومنشآت تجارية غيرت من طابعها التاريخي. وبين جهود الأمانة للحفاظ على الإرث المعماري وملاحظات المعماريين على أسلوب التنفيذ، تبقى بغداد مدينة تتشبث بذاكرتها وتحاول أن توازن بين الماضي والحاضر.
وأكد المتحدث باسم أمانة بغداد عدي الجنديل أن الأمانة تولي اهتماماً واسعاً بالمباني والبيوت التراثية في العاصمة، باعتبارها جزءاً مهماً من الذاكرة الثقافية والحضرية لبغداد، مشيراً إلى أن هذه الجهود تأتي في إطار توجهات أمين بغداد للحفاظ على الإرث المعماري والثقافي للمدينة.
وقال الجنديل في حديث لـ(المدى)، إن "الأمانة أنجزت بالكامل مشروع بيت الشاعر العربي الكبير محمد مهدي الجواهري وبيت العلامة الشيخ أحمد الوائلي، اللذين جرى ترميمهما وتأهيلهما وتحويلهما إلى متاحف ثقافية تضم مقتنيات الشخصيتين، لتصبح فضاءات مفتوحة للثقافة والفكر وملتقى للأدباء والمثقفين، إضافة إلى تنظيم ندوات وفعاليات ثقافية أسبوعية داخلها".
وأضاف أن هذه الخطوة تمثل جانباً من جهود الأمانة في تعزيز الهوية الثقافية للعاصمة والتعريف بالرموز الوطنية أمام الزوار والسائحين، لاسيما مع إعلان بغداد عاصمة للسياحة العربية لعام 2025، ما يجعل هذه المواقع من أهم نقاط الجذب السياحي والثقافي في المدينة.
وأشار المتحدث إلى أن أمانة بغداد أنشأت حديثاً قسم الشؤون الثقافية ضمن هيكلها الإداري، ليكون معنياً بإدارة البيوت التراثية وتنظيم النشاطات الثقافية، موضحاً أن من بين خطط هذا القسم المستقبلية استملاك عدد من البيوت العائدة لشخصيات وطنية بارزة كان لها أثر كبير في تاريخ العراق الحديث، من بينها منزل رئيس الوزراء الأسبق الدكتور محمد فاضل الجمالي وبيوت أخرى مثل منزل المهندسة المعمارية، زها حديد".
وفي سياق متصل، كشف الجنديل عن مشاريع أخرى قيد التنفيذ، منها تطوير عدد من البيوت التراثية الواقعة في شارع حيفا، منها بيت تراثي رقمه 14 و 161 مجاور دار البلدية، والعمل على إعادة تأهيلها لتصبح مقرات دراسية وثقافية تابعة للأمانة. كما يجري حالياً العمل على تأهيل بناية "القصر الأبيض"، وهي من أبرز الأبنية القديمة في بغداد، شيدت عام 1934 وبإشراف أمين بغداد الأسبق أرشد العمري، وكانت تُستخدم سابقاً كدار ضيافة للحكومة.
وبين الجنديل أن الأمانة تعمل حالياً على صيانة هذه البناية وتحويلها إلى متحف يوثق مراحل تاريخ بغداد المعاصر، لتكون شاهداً على تطور العاصمة وذاكرتها التاريخية والاجتماعية، ومعلماً ثقافياً يضاف إلى رصيد المدينة الحضاري.
وتابع المتحدث بالتأكيد على أن أمانة بغداد ماضية في خططها لحماية البيوت التراثية وصونها، وإحياء دورها في تعزيز الثقافة المحلية وربط المجتمع بتاريخ مدينته العريق.
من جهتها، قالت المهندسة المعمارية هدى علي لـ(المدى)، إن "الاهتمام الذي تبديه أمانة بغداد بالمناطق التراثية والمباني القديمة خطوة إيجابية ومهمة في سبيل الحفاظ على هوية المدينة"، لكنها أشارت في الوقت نفسه إلى أن "بعض المشاريع الاستثمارية التي أُقيمت داخل الأبنية التراثية لم تُراعِ قيمتها التاريخية والمعمارية، وتم تحويلها إلى مطاعم أو منشآت تجارية أضرت بطابعها الأصيل".
وأضافت علي أن "هناك بيوتاً قديمة في مناطق عدة من بغداد جرى تغيير تصاميمها الداخلية والخارجية بشكل أفقدها ملامحها التراثية، بسبب غياب الإشراف الهندسي المتخصص أو عدم الالتزام بالمعايير العمرانية التي تحمي هوية الأبنية القديمة"، مؤكدة أن "هذا النوع من التدخلات يُعد خسارة للذاكرة المعمارية للمدينة".
وأوضحت أن "الاستثمار في الأبنية التراثية أمر مرحب به عندما يكون مدروساً ويحافظ على الطابع الأصلي للمكان، لأنه يمكن أن يحقق فائدة اقتصادية وسياحية كبيرة من دون المساس بالقيمة التاريخية"، داعية إلى "تعزيز دور الخبراء والمختصين في العمارة والتراث ضمن لجان تقييم المشاريع الاستثمارية، لضمان التوازن بين التنمية والحفاظ على التراث".
واضافت أن "بغداد مدينة ذات إرث عميق، وأي مشروع داخل نسيجها التاريخي يجب أن يُنفذ بروح تحترم الماضي وتنسجم مع الحاضر، لأن هوية المدينة ليست قابلة للتجريب أو التبديل التجاري".










