النجف/ عبدالله علي العارضي
خلال الأيام الثلاثة الماضية، شهدت محافظة النجف سلسلة من النزاعات المسلحة و"الدكات" العشائرية داخل الأحياء السكنية، ما أثار قلق الأهالي ودفعهم للمطالبة بتدخل عاجل من الجهات الأمنية لوضع حدٍّ لهذه الظاهرة التي وصفوها بـ"الغريبة والدخيلة" على مدينةٍ عُرفت بهدوئها وطابعها الديني والعلمي.
ففي حادثٍ وقع مساء السبت الماضي، تمكنت مديرية شرطة قضاء الكوفة من إلقاء القبض على متهمَين اثنين تورّطا في مشاجرة تخلّلها إطلاق نار ضمن أحد أحياء القضاء، وذلك بتوجيهٍ من قائد شرطة محافظة النجف اللواء محمد جابر ذياب الفتلاوي، وبإشراف مدير شرطة الكوفة اللواء عدي صاحب كاظم.
وأفاد بيان المديرية بأن المتهمَين أُحيلا إلى الجهات القضائية المختصة بعد اتخاذ الإجراءات القانونية بحقهما، فيما تواصل المفارز الأمنية ملاحقة باقي المطلوبين ومنع أي مظاهر مسلّحة داخل المدن.
وفي حادثٍ آخر، ألقت مفارز شرطة النجدة القبض على مجموعة من الأشخاص بعد وقوع مشاجرة في شارع المناذرة قرب أحد المطاعم، حيث تم استصحاب جميع الأطراف إلى مركز الشرطة المختص، وبدأت الأدلة الجنائية تحقيقاتها بإشراف ضابط التحقيق.
تحذيرات من "ترييف المدينة"
ويقول الصحفي كرار العسّاف في حديثٍ لـ (المدى) إن "محافظة النجف تمتلك خصوصية فريدة كونها مدينة علمائية مقدسة تستقطب الزائرين والطلاب من مختلف المحافظات والبلدان، لكن ما يجري اليوم من "دكات" ونزاعات هو مأساة حقيقية تهدد هوية النجف الهادئة".
ويضيف العسّاف أن "بعض هذه الحالات تُرتكب من أشخاص قادمين من محافظات أخرى بعد موجات النزوح، فيما انخرط قسم من أبناء النجف أنفسهم في هذه السلوكيات بعد تأثرهم بعادات دخيلة"، مشيراً إلى أن "تكرار هذه الظواهر يثير الرعب بين العوائل النجفية ويقوّض حالة الاستقرار التي عُرفت بها المدينة منذ عقود".
ويحذّر من أن "وجود بعض الأحزاب ذات الأجنحة المسلحة ساهم كذلك في تفاقم الظاهرة، إذ بات السلاح يُستخدم خارج نطاق الدولة، ما ينعكس سلباً على الأمن المجتمعي والنسيج الاجتماعي".
"الدكة" العشائرية جريمة
من جانبه، أوضح الباحث بالشأن القانوني رضوان البشير لـ (المدى) أن “النجف من أكثر المدن استقرارًا وهدوءًا، إلا أن ظاهرة "الدكات" العشائرية بدأت تظهر أحيانًا مسببة قلقًا للأهالي والسلطات".
وبيّن أن "مجلس القضاء الأعلى أصدر القرار رقم (570 لسنة 2017) الذي عدّ "الدكة" العشائرية عملاً إرهابيًا وفق قانون مكافحة الإرهاب رقم (13 لسنة 2005)، ويعاقَب مرتكبوها بالسجن المؤبد أو الإعدام، وهي خطوة مهمة لفرض هيبة القانون".
ويضيف البشير أن "الحالات في النجف لا تزال محدودة لكنها تتزايد في أطراف المدينة بسبب نزاعات مالية أو عائلية وضعف الوعي القانوني، ومع انتقال العرف العشائري إلى المدن بدأ النسيج الاجتماعي يتعرض لخطر حقيقي".
ويتابع قائلاً: "الخطر لا يكمن في عدد الحوادث، بل في تقبّلها الاجتماعي، إذ أسهمت ثقافة (النخوة بالسلاح) وتراجع دور الوجهاء والإعلام في إبقاء هذه الممارسات، إلى جانب ظاهرة (الجلوة) – أي إجبار ذوي أحد الأطراف على مغادرة المنطقة – وهي ممارسة غير قانونية تنتهك حقوق السكن والحرية الشخصية".
مخاوف الأهالي من انفلات أمني
في أحد أحياء النجف القديمة، يقول المواطن مصطفى حسن لـ(المدى): "لم نكن نسمع بهذه الأمور سابقًا، النجف كانت رمزًا للطمأنينة، واليوم نعيش الخوف من إطلاق نار مفاجئ بسبب خلاف بسيط، على الأجهزة الأمنية أن تكون أكثر حزمًا، لا نريد أن تتحول النجف إلى مدينة السلاح والدم. ما يحدث إساءة كبيرة لسمعة المدينة التي تستقبل ملايين الزائرين سنويًا".
أما المواطنة زهراء الحسيني فتقول بأسى: "نطالب الحكومة المحلية والاتحادية بوضع خطة عاجلة، لأن انتشار السلاح بين المدنيين صار كارثة. نريد حلولًا جذرية، لا اعتقالات مؤقتة تنتهي بصلح عشائري".
دعوات لردع الظاهرة وتحصين المجتمع
ويرى مختصون أن معالجة "الدكات" العشائرية لا تكون بالعقوبات وحدها، بل عبر نشر ثقافة التسامح واحترام القانون، وتعزيز الوعي الأمني والمجتمعي، إضافة إلى إجراءات استباقية تمنع انتشار السلاح خارج سلطة الدولة.
ويجمع الأهالي في أحاديثهم لـ(المدى) على أن النجف، بتاريخها الديني والعلمي، لا تحتمل مثل هذه المظاهر الغريبة، وأن الحفاظ على قدسية المدينة واستقرارها مسؤولية جماعية تتطلب تعاون الأجهزة الأمنية والوجهاء ورجال الدين والإعلام للحد من "ترييف" السلوك داخل مدينةٍ تمثل رمزاً للسلام والاعتدال في العراق.










