TOP

جريدة المدى > عام > ضياء العزاوي .. اتخاذ موقف الفعالية عبر التصميم الغرافيكي

ضياء العزاوي .. اتخاذ موقف الفعالية عبر التصميم الغرافيكي

نشر في: 5 مارس, 2024: 12:27 م

د. غادة حسين العاملي

الكتاب من تأليف: لينا الحكيم
الناشر: دار خط (Khatt Books) – امستردام
السلسلة: مكتبة التصميم العربي – العدد الرابع
اللغتان: العربية والانجليزية
عدد الصفحات: 176 صفحة مصورة بالالوان
تاريخ الاصدار: 2017

يشكل هذا الكتاب خطوة نادرة في توثيق التجربة التصميمية العربية من منظور نقدي معاصر، اذ يركز على واحد من ابرز الفنانين العراقيين والعرب ضياء العزاوي، المعروف عالميا باعماله التشكيلية، لكن قلّما جرى تناول جهده في التصميم الغرافيكي بوصفه اداة للتعبير الثقافي والسياسي.
من خلال هذا العمل، تقدم المؤلفة لينا الحكيم قراءة دقيقة لعلاقة العزاوي بين الفن والموقف، وكيف تحول التصميم عنده من وسيلة جمالية الى اداة مقاومة ثقافية وذاكرة بصرية جماعية.
يأتي هذا الكتاب ضمن مشروع مكتبة التصميم العربي الذي اطلقته دار خط (Khatt Books)، وهو مشروع توثيقي وبحثي يهدف الى كتابة تاريخ التصميم في العالم العربي من خلال دراسات عن الرواد الذين اسهموا في تطوير لغة بصرية عربية معاصرة.
الكتاب الرابع في هذه السلسلة خُصص للعزاوي، الذي يعد من الجيل الذي جمع بين الدراسة الاكاديمية والانخراط الثقافي والسياسي، وبين الفنون التشكيلية والطباعة والنشر في فترة عاصفة من تاريخ العراق والمنطقة.
الكتاب لا يقدم سيرة شخصية للعزاوي، بل دراسة تحليلية لمشروعه التصميمي الممتد من ستينيات القرن الماضي حتى منتصف الثمانينيات، وهي المرحلة التي شهدت نشاطا ثقافيا واسعا في العراق وبلاد الشام، وتداخلت فيها الفنون بالسياسة وبقضايا التحرر الوطني.
تُقسم فصول الكتاب الى ثلاثة محاور رئيسية
البدايات والتكوين البصري
تستعرض الحكيم نشأة العزاوي في بغداد، ودراسته للفنون الجميلة، وتأثره بالمشهد الثقافي العربي ما بعد الاستقلال. خلال هذه الفترة كان التصميم الغرافيكي جزءا من الحراك الثقافي وليس مجرد مهنة، اذ ارتبط بالمجلات والملصقات السياسية وحملات التضامن وبيانات الفنانين.
هنا يتضح دور العزاوي في تصميم مطبوعات ومجلات وملصقات تستلهم الخط العربي والزخارف الرافدينية لتأسيس هوية بصرية حديثة ذات جذور محلية.
التصميم كأداة مقاومة وموقف
من اهم محاور الكتاب تحليل كيف استخدم العزاوي ادوات التصميم في التعبير عن قضايا الحرية والمقاومة وفلسطين والهوية العربية.
الملصق عنده لم يكن مادة ترويجية، بل لغة سياسية مكثفة تجمع بين الرموز الموروثة والعناصر الحديثة (اللون الصارخ، الحرف العربي بوصفه صوتا بصريا، والتكوين الديناميكي الذي يوجه العين نحو الفكرة). هذا الجانب يجعل تجربة العزاوي قريبة من مدارس التصميم الاشتراكي والتحرري في العالم الثالث في تلك الفترة.
المرحلة البريطانية والتدويل البصري
بعد انتقاله الى لندن في منتصف السبعينيات للعمل في المركز الثقافي العراقي، استمر العزاوي في تطوير خطه الغرافيكي، فصمم اغلفة كتب ومعارض دولية، وادخل عناصر تجريدية اكثر حرية في تكويناته.
تحلل المؤلفة كيف حافظ على الروح العربية في اعماله رغم وجوده في بيئة غربية، وكيف اصبحت تجربته جسرا بين الحداثة الاوروبية والذاكرة العراقية الشرقية.
ترى المؤلفة ان العزاوي اسس لغة غرافيكية عربية معاصرة تقوم على ثلاثة مرتكزات:
الرمز الشعبي والتراثي حيث استخدام رموز سومرية وكتابات مسمارية ونقوش من التراث الاسلامي والعراقي القديم، اضافة الى الخط العربي كعنصر تصميمي، ولم يتعامل مع الحرف كوسيلة كتابة فقط، بل كعنصر تجريدي يدخل في التكوين ليعبر عن الصوت والايقاع والهوية. كما انه تعامل مع اللون بوصفه ذاكرة جمعية، فالالوان في اعماله قوية وحارة، مأخوذة من البيئة العراقية ومن جداريات المدن، مما يمنح التصميم طاقة سياسية وثقافية.
وما يمكن ان يصف قيمة الكتاب الاكاديمية والثقافية فهو توثيق تاريخي بصري، يجمع الكتاب بين النص والصورة ويعرض ملصقات واغلفة نادرة لم تكن منشورة من قبل، مما يجعله مرجعا بصريا للمؤرخين والباحثين.
وكذلك احياء مفاهيم التصميم الملتزم، ويذكر بان التصميم في العراق والعالم العربي لم يكن منفصلا عن السياسة والثقافة، بل كان جزءا من مشروع وطني ونهضوي.
ومن خلال المقارنة التي تضعها المؤلفة بين العزاوي ومصممين معاصرين، يصبح الكتاب اداة تربوية يمكن لطلبة التصميم الاستفادة منها.
اهمية وقوة الكتاب انها اول توثيق اكاديمي لتجربة العزاوي في التصميم الغرافيكي. وثنائية اللغة تجعل الكتاب متاحا لجمهور عربي ودولي. وعملية الاخراج الفني للكتاب تعبر عن مضمونه، فهو نفسه قطعة تصميمية مبهرة. ويعيد الاعتبار للتصميم بوصفه خطابا فكريا وثقافيا لا مجرد مهنة.
ولا يخفى على المطلع على الكتاب او مقتنيه انه يركز على مرحلة محددة من مسيرة العزاوي (حتى الثمانينيات) بينما تظل اعماله اللاحقة بحاجة الى دراسة مستقلة. كما يغيب عن المؤلفة التوسع في المقارنة مع التيارات العالمية في التصميم السياسي رغم التشابه في الرؤية.
ويعد هذا الكتاب جزءا من جهد متصاعد لاعادة كتابة تاريخ التصميم العربي من منظور محلي بعد عقود من هيمنة النموذج الغربي على الدراسات الاكاديمية وفقر المكتبات العربية والعراقية عموما الى اصدارات حديثة في هذا الاختصاص.
من خلال العزاوي يرى القارئ كيف يمكن للفنان العربي ان يجمع بين الحداثة والهوية، وان يجعل من التصميم موقفا اخلاقيا وثقافيا.
ولذلك فان الكتاب لا يخص المتخصصين فقط، بل يخاطب جمهورا واسعا من المهتمين بالفن والثقافة والسياسة.
يذكر الكتاب بان التصميم ليس محايدا، بل هو ساحة صراع ناعم بين القيم والجمال والسياسة.
تقدم لينا الحكيم عملا مخلصا في التوثيق والتحليل، يعيد وضع العزاوي في موقعه الحقيقي بوصفه احد مؤسسي الوعي الغرافيكي العربي الحديث.
انه كتاب يستحق ان يُدرس في كليات الفنون والتصميم، وان يكون مرجعا لكل من يبحث عن العلاقة بين الفن والمجتمع، وبين الجمال والموقف.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

بروتريه: فيصل السامر.. قامة شامخة علماً ووطنيةً

الحكّاء والسَّارد بين "مرآة العالم" و"حديث عيسى بن هشام"

الكاتب يقاوم الغوغائية والشعبوية والرقابة

في مجموعة (بُدْراب) القصصية.. سرد يعيد الاعتبار للإنسان ودهشة التفاصيل الصغيرة

دجلة الجريح .. رحلة نهرية عبر مهد الحضارة

مقالات ذات صلة

من منسيات النقد الأدبي في العراق
عام

من منسيات النقد الأدبي في العراق

د. نادية هناوي القسم الأول شهدت مرحلة الخمسينات انعطافة مهمة لا في تاريخ الشعرية العربية ببزوغ حركة الشعر الحر حسب؛ إنما أيضا بانبثاق نشاط قصصي واضح ذي أدوات خاصة وتقنيات جديدة مميزة ناتجة عن...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram