TOP

جريدة المدى > سينما > أفضل عشرة أفلام آسيوية بنظر 15 مخرجا

أفضل عشرة أفلام آسيوية بنظر 15 مخرجا

نشر في: 16 أكتوبر, 2025: 12:03 ص

مهند حيال
شرفني مهرجان موباسان، وبمناسبة ذكرى تاسيسه، بتكليفي مع 15 مخرجًا آسيويًا آخرين، لترشيح أفضل عشرة أفلام آسيوية منذ تأسيس المهرجان في التسعينات وحتى اليوم، مع كتابة نصوصًا قصيرة تعبيرية عن تلك الاختيارا ت .. وكانت هذه اختياراتي:
فيلم "صبي كبير السن"
عندما شاهدتُ فيلم Oldboy لبارك تشان-ووك للمرة الأولى، أسرتني مشهدية ممر القتال بعمق، إذ حوّل العنف الخام إلى رقصة بصرية مذهلة. في لقطة واحدة متصلة، لا نرى مجرد صراعٍ جسديٍّ عنيف، بل مجازًا وجوديًا كاملًا: رجلٌ عالق في متاهة لا نهاية لها من القدر، كأوديب المحاصر داخل مصيره المأساوي.
وكما هو حال أوديب، يجد أو داي-سو نفسه أسير دائرة لا يفهمها تمامًا ولا يستطيع السيطرة عليها. سجنه الذي دام خمسة عشر عامًا لا يرمز إلى تقييدٍ جسديٍّ فحسب، بل إلى مواجهةٍ وجوديةٍ عميقة مع الزمن نفسه، دورةٍ لا تنتهي ولا فكاك منها. كل ضربة في الممر تجسيدٌ ماديٌّ لمعركته ضد قدرٍ غير مرئي، تكرارٌ لفعل تمرّد أوديب العقيم على مصيرٍ محتوم.
يلتقط بارك تشان-ووك هذا الصراع شعريًا، محتضنًا الجمال المتناقض الكامن في المعاناة والنزال. هذا التناقض الجمالي هو جوهر التراجيديا الإغريقية: لحظة الانكشاف المروّع والسقوط الحتمي الذي يعيشه أوديب عند مواجهة الحقيقة. وبالمثل، فإن رحلة أو داي-سو نحو الانتقام تقوده إلى كشفٍ مرعبٍ لذاته، حيث ينسج الزمن خيوط المأساة بعنايةٍ مذهلة.
إنّ Oldboy يعكس بعمق تقاطع المصير والهوية، مبرزًا الزمن كقوة وجودية طاغية. وهكذا يغدو الممر ليس فضاءً ماديًا فحسب، بل فضاءً زمنيًا أيضًا، متاهةً محتومة تجسد الحالة الإنسانية نفسها. يذكّرنا بارك تشان-ووك بأن السينما هي الفنّ الوحيد القادر على جعل صراعاتنا الوجودية العميقة مرئية، محوِّلةً لحظات العنف الخام إلى تأملات عميقة في مصير الإنسان.
فيلم "استمع لصديق بارماك"
عندما شاهدتُ فيلم "أسامة" للمخرج صديقي صديق برمك قبل أكثر من عقد، علِق في ذهني مشهد واحد بصورة حادّة لا تُمحى: فتاة صغيرة تزرع شعرها في أصيص زهور كان مخصصًا في الأصل للأزهار. بدلاً من أن تزرع وردًا، تزرع أنوثتها، وتدفن جسدها المحكوم عليه في تربةٍ خُلقت لتغذي الجمال والحياة.
في تلك اللحظة السينمائية الواحدة تكثّف كل شيء - مأساة زمنٍ يرفض الأنوثة، ويُجبر الفتاة على التنكّر لهويتها والتحول إلى كائنٍ آخر، كائنٍ يتغذّى على الصمت والموت بدلًا من الحياة.
في ذلك المشهد رأيتُ جوهر سينما صديقي صديق برمك؛ بكاميراه الصامتة ونظرته الحسّاسة، يروي بمهارة قصةً يصبح فيها الجسد نفسه عبئًا، وتتحوّل الطفولة إلى لعبة مستحيلة.
ولعلّ أكثر المشاهد إيلامًا هو حين نراها تقفز الحبل داخل السجن؛ مشهدٌ شديد التأثير يتحدى جوهر الزمن نفسه، إذ يُظهر البراءة وهي تُقاوم القسوة بعنادٍ، محاولةً يائسة للحفاظ على الطفولة داخل فضاءٍ خانقٍ ومُستَبدّ.
إنّ "أسامة" ليس مجرد حكاية عن القمع، بل هو تأمل عميق في الزمن بوصفه إطارًا وجوديًا. ما نشهده ليس معاناة فردية فحسب، بل امتدادًا تاريخيًا للألم والمحو.
هنا يتجاوز الجسد الأنثوي حدوده البيولوجية، ليغدو مرآة تعكس زمنًا اجتماعيًا توقف عن التقدّم الطبيعي للحياة.
يُمسك برمك بهذه اللحظات المفصلية ببراعةٍ شعرية، فيبني من خلالها سردًا بصريًا عميقًا آسِرًا بجماله القاسي. فيلمه لا يدعونا لمشاهدة مأساة فتاة واحدة، بل يدفعنا إلى معايشة ثِقَل مرور زمنٍ مرفوضٍ من الحياة، زمنٍ يواصل الوجود بإصرار، مذكّرًا إيّانا بأن السينما هي الفنّ الوحيد القادر على جعل عذابات الجسد والروح مرئية… وخالدة.
فيلم"غابة الحداد" - للمخرجة ناعومي كاواسي
في لحظةٍ سينمائية نادرة، تخلّت الشابة عن ملابسها لتدفئ جسد الشيخ العجوز بجسدها وسط الغابة الصامتة، مانحةً إيّانا مشهدًا لا يُنسى. كانت لحظةً تجاوزت الجسد لتلامس الروح، فأيقظت دفئًا روحيًا يخترق الزمن ويعيد تشكيل ذاكرة الفقد والحنين.
تميّزت ناعومي كاواسي بأسلوبها الفريد في صناعة السينما، إذ تروي فيلمها "The Mourning Forest" بلغةٍ بصريةٍ تجمع بين الحسّ الشعري والرهافة الوثائقية. عدستها الهادئة تتجوّل بين الطبيعة والإنسان ككيانين متداخلين، تلتقط التفاصيل العفوية الدقيقة المشحونة بعُمقٍ عاطفي كبير. كاواسي لا تتدخّل، بل تراقب بصبرٍ وتأمل، وتترك لشخصياتها حرية البوح بصمتهن، بإيماءاتٍ بسيطةٍ وتفاعلٍ غريزيّ مع الطبيعة.
وهكذا، تتحوّل الغابة إلى شخصية وثائقية بحدّ ذاتها، تسجّل حيوات البشر ومعاناتهم، تصغي إليهم بهدوءٍ وصبر، كأنها أمّ كونية تحتضن أسرارهم. تتحرّك الكاميرا بين الأشجار والوجوه كمن يكتب قصيدةً بصرية عن الحياة والزمن والفقد.
هذا المزج بين الواقعية الوثائقية والصورة الشعرية يمنح الفيلم عمقًا استثنائيًا، يجعل الحزن والفقد محسوسَين، لكن محاطين بالدفء والرقة. تصوغ كاواسي فيلمها كمرآةٍ تعكس الروح الإنسانية، تلتقط ذاكرتنا وأحزاننا ولحظات دفئنا العابرة وسط زمنٍ ساكنٍ يتدفّق في صمت، يحمل كل شيءٍ معه، ولا يترك خلفه سوى آثاره الجميلة والمؤلمة في آنٍ واحد.
فيلم "الخادمة" - للمخرج بارك تشان-ووك
في اللحظة التي تبادلت فيها هيـديكو وسوك-هي ملابسهما داخل الغرفة المضاءة بضوءٍ خافت، بدا وكأن الرغبة والبراءة تخوضان تبادلًا سريًا بينهما. أمام مرآةٍ يلفها ضوءٌ خجول، تداخلت الهويات، واختلط الضحك المتوتر باللمسات غير المباشرة. مشهد مغلف بالبراءة، لكنه مشحون بالإغواء، صاغه بارك تشان-ووك بلغته البصرية الرفيعة؛ الأقمشة الناعمة، خشخشة الثياب، والسكوت القصير الذي قال أكثر مما قالت الكلمات، كاشفًا عمّا تخفيه الألسن، ورافعًا الحجاب عن الطبقات المستترة خلف وجه البراءة.
في قلب هذا المشهد تكمن الخداع والأدوار المتبادلة. كل واحدةٍ تؤدي دورًا للأخرى: هيـديكو كالأرستقراطية المتزنة، وسوك-هي كالخادمة البريئة. لكن تبادلهما للملابس يتجاوز الفعل الجسدي ليصبح تبادلًا للهويات، إذ تتلاشى الحدود بين الأصالة والتمثيل، بين ما هو حقيقي وما هو مُتخيّل.
أما الزمن في "الخادمة"، فيؤدي دورًا خادعًا هو الآخر؛ يرفض أن يسير في خطٍّ واحد، بل يعود مرارًا من زوايا جديدة، كاشفًا طبقاتٍ متراكمة من الرغبة والخداع مع كل إعادة سرد. هذه البنية الزمنية المتكسّرة تُبرز أن الحقيقة والرغبة لا تُكشفان إلا عبر تراكم النظرات والتفاصيل الصغيرة - تمامًا كما تتطور علاقة هيـديكو وسوك-هي من لحظاتٍ تبدو بريئة في ظاهرها، إلى انكشافٍ حاسمٍ تصنعه يد الزمن، ببطءٍ، ودهاءٍ، وجمالٍ قاتل.
يستخدم بارك تشان-ووك، من خلال لغته السينمائية المترفة، الإغواء البصري كأداة سردية. فكل لقطة، وكل حركة كاميرا، وكل تفصيل دقيق في الديكور والأزياء صُمم بعناية متناهية ليغمر المُشاهد في عالمٍ فخمٍ نابض بالجمال. إنه عالم يحرّر الجسد دون أن ينتزع عنه جوهره الشعري وجماله الجوهري.
في "الخادمة" لا يكون الإغواء السينمائي مجرد وسيلة فنية، بل هو الجوهر نفسه - الأداة القصوى التي تكشف بها السينما الحقائق المخبأة خلف كل قناع. هنا، يتحول الجمال إلى فعل كشفٍ، والإغواء إلى لغةٍ للفهم، حيث تُصبح الصورة وسيلةً للمصارحة لا للإخفاء، وتغدو اللقطة مرآةً تتعرّى فيها الرغبة والحقيقة في آنٍ واحد.
فيلم "ولا واحد أقل" - للمخرج تشانغ ييمو
حين غادرت المعلّمة الشابة قريتها الريفية متجهة إلى المدينة بحثًا عن تلميذها المفقود، كانت تحمل معها شيئًا واحدًا فقط: إصرار طفلٍ على ألّا يُفقد أي طفلٍ أبدًا. هذه اللحظة البسيطة والهادئة، التي التقطها تشانغ ييمو بلغته السينمائية النقية والشاعرية، تختصر جوهر فيلم «ولا واحد أقل».
هنا لا نشهد رحلةً مادية فحسب، بل انتقالًا روحيًا - من براءة الطفولة إلى وعيٍ متفتح، ومن الهامش الصامت للحياة الريفية إلى صخب المدينة وضياعها.
طفلةٌ وحيدة تتجوّل في مدينةٍ مزدحمة، بلا مالٍ ولا خريطة، ترى أمامها هدفًا واحدًا بسيطًا يقود خطاها. ومن خلالها، يذكّرنا ييمو بأن إصرار الطفولة يمكن أن يُغيّر الواقع بعمقٍ يفوق الخطب والكلمات. في حركتها الهادئة وخطواتها الصغيرة، يتراكم الزمن ببطء، متحوّلًا داخلها إلى نضجٍ رقيقٍ واستيقاظٍ على العالم، دون أي افتعالٍ درامي أو مبالغةٍ عاطفية.
أسلوب الفيلم الذي يقترب من الوثائقي يمنح هذه الحكاية المتواضعة عمقًا استثنائيًا. الكاميرا لا تتدخل ولا تُصدر أحكامًا، بل تكتفي بمراقبة الرحلة بعينٍ صبورةٍ وموضوعية، لتدع الواقع يتحدث بصدقٍ عن نفسه. هذا الحسّ الواقعي الدقيق هو ما يمنح الفيلم صدقه وقوته الإنسانية البالغة.
من خلال سينماه الصادقة، يسعى تشانغ ييمو بهدوء إلى تحقيق العدالة، فيُسمِع الأصوات التي نادرًا ما تُسمَع، ويكشف عن قوة البراءة حين تقترن بالإصرار.
إن "ولا واحد أقل" يعلّمنا أن العالم يتغيّر أحيانًا على يد من لا نتوقعهم - طفلة واحدة لا تتزحزح عن إيمانها بأن كل طفلٍ يستحق مكانه في هذا العالم... بلا استثناء.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

محمود هدايت: في السينما الشاعرية لا توجد صور قطّ.. بل أزمنة

"الست" عن حياة أم كلثوم محور حديث رواد مواقع التواصل الاجتماعي قبل عرضه

رحلة إلى عوالم البحر الأحمر السينمائي

مقالات ذات صلة

سينما

"الست" عن حياة أم كلثوم محور حديث رواد مواقع التواصل الاجتماعي قبل عرضه

متابعة: المدى لم يلبث فريق عمل الفيلم المصري "الست" أنْ عرَض الإعلان الترويجي للفيلم الذي يجسّد حياة "كوكب الشرق"، أم كلثوم، التي تقوم بدور شخصيتها الفنانة المصرية منى زكي، حتى ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram