المدى/خاص
سجّل العراق خلال النصف الأول من عام 2025 أعلى إيرادات غير نفطية منذ عام 2003، في مؤشر اعتبره مختصون دليلاً على تحسن نسبي في أداء بعض القطاعات غير النفطية، لكنه لا يلغي الحاجة إلى إصلاح اقتصادي شامل يحرر البلاد من تبعية النفط.
ويحذر خبراء من أن استمرار اعتماد الموازنة العامة بنسبة تفوق 85% على عائدات بيع الخام، يجعل الاقتصاد العراقي هشّاً أمام أي هزات في أسعار الطاقة العالمية، مؤكدين أن الإصلاح الحقيقي يتطلب خططاً جريئة لإعادة هيكلة الإيرادات وتفعيل القطاعات المنتجة كالزراعة والصناعة والسياحة.
أكد مقرر مجلس النواب الأسبق، محمد عثمان الخالدي،، أن الإيرادات غير النفطية خلال النصف الأول من عام 2025 تعد الأعلى منذ عام 2003، مشيراً إلى أن العراق بحاجة إلى إصلاح اقتصادي واسع لمواجهة اهتزازات سوق النفط وتراجع أسعاره المحتمل في المرحلة المقبلة.
وقال الخالدي في حديث تابعته (المدى)، إن “العراق يعتمد بنسبة تصل إلى 85% على عائدات النفط الخام كمورد أساسي لخزينة الدولة لتغطية النفقات التشغيلية والتنفيذية والاستثمارية، وهذه النسبة مقلقة للغاية لأنها تجعل الاقتصاد الوطني هشاً ومعرضاً لتقلبات السوق العالمية”، مبيناً أن “أية أزمة أو تراجع في أسعار النفط العالمية قد تؤدي إلى عجز مالي كبير، وربما إلى تعطيل مشاريع تنموية وخدمية أساسية في البلاد”.
وأضاف أن “تنمية الإيرادات غير النفطية وجعلها تتصاعد بصورة مستدامة ستشكل ركيزة مهمة لخدمة الاقتصاد الوطني”، داعياً الحكومة إلى “اعتماد خطة إصلاح اقتصادي جريئة خلال السنوات المقبلة، تتضمن إصلاح النظام الضريبي والجمركي، وتنشيط قطاعات الزراعة والصناعة والسياحة، وتفعيل الجباية من الخدمات الحكومية”، مؤكداً أن “الإصلاح الفعلي يتطلب إرادة سياسية واضحة وإدارة مهنية تضع الاقتصاد المنتج بديلاً عن الاقتصاد الريعي”.
وفي السياق ذاته، قال الخبير الاقتصادي طه الجنابي في تصريحلـ(المدى)، إن “ارتفاع الإيرادات غير النفطية يمثل مؤشراً إيجابياً على بدء تعافي بعض القطاعات، خصوصاً المنافذ الحدودية والضرائب والرسوم الحكومية، إلا أن هذا الارتفاع ما يزال أقل بكثير من الطموح إذا ما قورن بحجم الإنفاق العام”، مشيراً إلى أن “الاقتصاد العراقي ما زال يعاني من غياب التنويع، ومن ضعف في الإدارة المالية وتهرب ضريبي واسع”.
وأوضح الجنابي أن “المرحلة المقبلة تتطلب من الحكومة إعادة هيكلة المالية العامة وتوسيع قاعدة الإيرادات من خلال دعم القطاع الخاص، وتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي، فضلاً عن مكافحة الفساد الذي يلتهم جزءاً كبيراً من العائدات”، مؤكداً أن “الاستمرار بالاعتماد على النفط وحده يشكل مخاطرة استراتيجية لا يمكن الاستمرار بها طويلاً”.
تأتي هذه التصريحات في وقت تشير فيه بيانات وزارة المالية إلى أن الإيرادات غير النفطية تجاوزت 14 تريليون دينار خلال النصف الأول من عام 2025، وهي الأعلى منذ عام 2003، بزيادة تقدر بأكثر من 30% مقارنة بالعام الماضي.
ويعود هذا التحسن إلى تشديد الإجراءات الجمركية والضريبية وتفعيل بعض موارد الدولة المهملة، إلى جانب تحسن حركة التجارة في المنافذ البرية والبحرية.
ورغم هذه المؤشرات، يرى مختصون أن الطريق ما يزال طويلاً أمام العراق لتحقيق تنويع اقتصادي حقيقي، في ظل استمرار الإنفاق الحكومي المرتفع وتباطؤ إصلاح القطاعات الإنتاجية، وهو ما يجعل الإصلاح المالي والاقتصادي ضرورة ملحّة وليست خياراً.










