ذي قار / حسين العامل
كشفت مصادر بيئية وحكومية عن تراجع خطير في حجم الثروة السمكية في مناطق الأهوار، وفيما أشاروا إلى أن أهوار الجبايش التي كانت تسوّق نحو 150 طناً من الأسماك يومياً تراجعت إلى أقل من 5 أطنان، أكدوا أن 90 بالمئة من صيادي الأسماك فقدوا مصادر دخلهم في المناطق التي ضربها الجفاف.
يأتي ذلك في ظل جملة من التحديات الناجمة عن التغيرات المناخية وأزمة المياه التي تواجهها محافظة ذي قار في السنوات الأخيرة، إذ تعرّضت نحو 90% من مساحات الأهوار في المحافظة للجفاف وتضررت مئات القرى، ناهيك عن نزوح وهجرة أكثر من 10 آلاف أسرة من مناطق سكناها، وفقد معظم سكان الأهوار والقرى خلال الأعوام المذكورة مصادر دخلهم المتمثلة بالزراعة وصيد الأسماك وتربية المواشي، فيما تفاقمت آثار التصحر والعواصف الغبارية على حياة السكان المحليين.
وقال رئيس منظمة الجبايش للسياحة البيئية، الناشط البيئي رعد حبيب الأسدي، للمدى إن «الأوضاع الاقتصادية التي يمر بها صيادو الأسماك في مناطق الأهوار مزرية جداً بسبب ما لحق الأهوار من جفاف جراء أزمة المياه»، مبيناً أن «قضاء الجبايش الذي كان يصدر ما بين 100 – 150 طناً من الأسماك بات لا يتوافر في أسواقه حالياً سوى أقل من 5 أطنان».
وأوضح الناشط البيئي أن «سوق الأسماك في قضاء الجبايش، على سبيل المثال، كان يشهد تواجد أكثر من 60 تاجر جملة (صفّاط) لشراء الأسماك، وكل صفّاط يشتري ما لا يقل عن طنين من الأسماك، أما الآن فلا يوجد سوى صفّاطين اثنين، ومجمل تجارتهم لا تتجاوز 5 أطنان من الأسماك».
ولفت إلى أن «صيد الأسماك اقتصر على عمود النهر وسط انخفاض كبير في مناسيب المياه وتردٍّ كبير في نوعيتها».
وتطرّق رئيس منظمة الجبايش للسياحة البيئية إلى جفاف شبه شامل ضرب مناطق الأهوار في المحافظات الجنوبية، مشيراً إلى أن «جفاف أكثر من 90 بالمئة من مناطق أهوار الناصرية المتمثلة بأهوار الجبايش والحمّار والأهوار الوسطى ومناطق الفهود، ناهيك عن تفاقم المشكلة في مناطق الأهوار في محافظتي ميسان والبصرة».
وتحدث الأسدي عن محنة شرائح اجتماعية من الصيادين والمسوقين للأسماك فقدوا مصدر دخلهم وفرص عملهم، وأخذوا يبحثون عن فرص أخرى للعمل في ظل واقع اقتصادي تندر فيه فرص العمل وتتفشى فيه مظاهر البطالة. ومن جانبه، تطرّق مدير قسم خدمات الثروة الحيوانية في زراعة ذي قار، ميثم عباس عزيز العبودي، لـ(المدى)، إلى آثار التغيرات المناخية والجفاف على البيئة والسكان في مناطق الأهوار، مبيناً أنها كانت كبيرة وقاسية خلال السنوات الأخيرة، لافتاً إلى أن الثروتين السمكية والحيوانية كانتا الأكثر تأثراً من جراء ذلك. ويجد العبودي أن «تداعيات الجفاف وشح المياه كانت كبيرة وقاسية على صيادي الأسماك ومربّي المواشي، لما خلّفته من أوضاع خطيرة حرمتهم من مزاولة مهنهم التي تشكّل مصدر رزقهم الوحيد». وكشف مدير قسم خدمات الثروة الحيوانية أن «محافظة ذي قار تضم 2500 صياد أسماك مُجاز رسمياً، وأن 80 بالمئة منهم مسجلون في مناطق الأهوار، وهؤلاء قد تأثروا بصورة كبيرة بسبب تراجع المخزون السمكي الناجم عن الجفاف»، مشيراً إلى أن «90 بالمئة من صيادي الأسماك في الأهوار فقدوا مصادر دخلهم، وما تبقّى منهم يعتمد على الصيد في عمود نهر الفرات وتفرعاته المارة في مناطق الأهوار».
وختم العبودي حديثه بالإشارة إلى تأثر السلسلة الغذائية للأسماك في المناطق التي تشح فيها المياه أو التي تنخفض فيها إيراداتها، حيث تتردى نوعية الأسماك في المياه الشحيحة والملوثة.
بالتزامن مع اليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف، كشفت محافظة ذي قار يوم (17 حزيران 2025) عن زحف الجفاف على أكثر من 87 بالمئة من مناطق الأهوار والأراضي الرطبة، وتسجيل أكثر من 10 آلاف نازح بيئي، داعية إلى تولّي إدارة ملف المياه والمفاوضات مع دول الجوار من قبل خبراء ومختصين، وإلى اعتماد سياسة تقاسم الضرر الناجم عن أزمة المياه.
وفي أواسط تشرين الأول الجاري، كشفت البيانات الرسمية المتعلقة بآثار الجفاف والتغيرات المناخية في محافظة ذي قار، عن هلاك أكثر من 15 ألف رأس جاموس ونحو ألفي رأس من الأبقار خلال ثلاث سنوات فقط، ما تسبب بخسائر فادحة لمربي المواشي، فيما تمثّل الدعم الحكومي للتخفيف من الضرر بمبادرة رئاسية تقضي بتجهيز المربين بحصّة مجانية واحدة من أعلاف النخالة والمولاس مقدارها 45 كيلوغراماً.
وكان مسؤولون محليون ومنظمات مجتمعية في ذي قار قد حذروا في آب 2023 من ارتفاع معدلات النزوح السكاني الناجم عن الجفاف وشح المياه في مناطق الأهوار والأرياف، مشيرين إلى أثر هذه الحالة على حياة المدن.
يُذكر أن منظمة «طبيعة العراق» المعنية ببيئة الأهوار العراقية كشفت يوم (15 تشرين الأول 2023) عن تراجع مساحات الأهوار في جنوب العراق إلى 7 بالمئة فقط، مؤكدة انخفاض مناسيب المياه في الأنهار المغذية لمناطق الأهوار إلى أدنى مستوياتها.
وتشكّل مناطق الأهوار خمس مساحة محافظة ذي قار، وهي تتوزع على عشر وحدات إدارية من أصل 22 تضمها المحافظة، إذ تُقدّر مساحة أهوار الناصرية قبل تجفيفها مطلع تسعينيات القرن الماضي بمليون و48 ألف دونم، في حين تبلغ المساحة التي أُعيد غمرها بالمياه بعد عام 2003 نحو 50 بالمئة من مجمل المساحة الكلية لأهوار الناصرية، إلا أن هذه المساحة المغمورة سرعان ما تتقلص بصورة كبيرة بعد كل أزمة مياه تمر بها البلاد.










