بغداد – عبدالله علي العارضي
تسود الأوساط الشعبية والوظيفية في العراق حالة من القلق بعد البيان الأخير للبنك المركزي العراقي الذي تضمَّن حزمة قرارات تتعلق بالاحتياطي النقدي وسياسة إدارة الدولار، في وقتٍ تعاني فيه الموازنة العامة من عجزٍ متراكمٍ وديونٍ داخليةٍ متزايدة، ما أثار المخاوف من أزمةٍ ماليةٍ جديدة قد تنعكس على الرواتب والأسعار.
يقول الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي لـ«المدى» إنّ «البنك المركزي خفّض احتياطيه بالدولار من أجل تنويع محفظته الاستثمارية، بهدف الاستثمار بالذهب والسندات لتعظيم الموارد»، مبينًا أنّ «الحديث عن موازنة 2026 في الوقت الحالي هو حديث إعلامي، لأن إعدادها من مهام الحكومة المقبلة وليست الحالية».
ويضيف المرسومي أنّ «العراق سيتبنى تسعير 60 دولارًا للبرميل الواحد في موازنة العام المقبل، وهذا الرقم واقعي لكنه غير متحفّظ، لأن الأسعار قد تنخفض إلى 50 دولارًا خلال الربع الأخير من هذا العام أو مطلع العام القادم».
ويتابع: «نحن أمام دورةٍ نفطيةٍ طويلة الأجل من الانخفاض، وهو ما يُنذر بأزمةٍ ماليةٍ بسبب تراجع الإيرادات وارتفاع الإنفاق، إذ بلغ العجز الفعلي في الموازنة أكثر من 35 تريليون دينار خلال السنوات الثلاث الأخيرة، رغم أن أسعار النفط كانت بحدود 75 دولارًا وبمعدل صادراتٍ يفوق 3.3 ملايين برميل يوميًا».
ويُحذّر المرسومي من أنّ «الأخطر هو أن هذا العجز تم تمويله بالاقتراض الداخلي الذي وصل إلى أكثر من 91 تريليون دينار، وهو الأعلى في تاريخ العراق».
أما الخبير الاقتصادي جليل اللامي فيوضح لـ«المدى» أنّ «إعلان البنك المركزي خفض الاحتياطي الإلزامي بالدولار يعكس رغبةً في تحرير جزءٍ من السيولة داخل المصارف»، مضيفًا أنّ «هذا القرار لم يُعلن تفصيلُه بعد، ومن المرجح أن يُطبَّق على شكل دفعات لتفادي صدماتٍ مفاجئةٍ في السيولة وسعر الصرف».
ويشير اللامي إلى أنّ «الهدف من تحرير جزءٍ من السيولة المحتجزة بالدولار هو تمكين المصارف من التوسع في الإقراض والتعاملات، تخفيفًا للضغط على القطاع المصرفي»، لكنه في الوقت ذاته يرى أنّ «الإجراء يحمل مخاطر إذا لم يُدار بدقة، فقد يؤدي إلى ضغوطٍ على سعر الصرف أو ارتفاعٍ في معدلات التضخم».
ويضيف: «النسبة الحالية للاحتياطي النقدي بالدينار تبلغ نحو 10٪، وإذا تم تعديلها تدريجيًا ومدروسًا، فسيكون لذلك أثر إيجابي على السيولة المصرفية، أمّا إذا تم التنفيذ بصورةٍ مفاجئةٍ فستكون له انعكاساتٌ سلبيةٌ على السوق وسعر الصرف».
وفي ما يتعلق بموازنة 2026، يؤكد اللامي أنّ «الأزمة الحقيقية تكمن في اعتماد الدولة بنسبة 91٪ على الإيرادات النفطية، بينما تمثل الرواتب والمصروفات التشغيلية نحو 70٪ من إجمالي الإنفاق العام، ما يجعل الموازنة هشّة أمام أي تراجعٍ في أسعار النفط».
ويبيّن أنّ «الدين الداخلي وصل إلى نحو 85 تريليون دينار، فيما بلغ الدين الخارجي أكثر من 54 مليار دولار، ما يرفع أعباء خدمة الدين ويقلّص القدرة على تمويل المشاريع».
ويقدّر أنّ «حجم الموازنة المطلوبة للعام المقبل سيكون بين 200 إلى 220 تريليون دينار، لكن هذا الرقم قابلٌ للتعديل تبعًا لتسعيرة النفط وحجم المشاريع الاستثمارية».
في بغداد، تتزايد المخاوف بين الموظفين والمواطنين من انعكاس الأزمة المالية على الرواتب والأسعار. يقول المواطن محمد عبد الكريم لـ«المدى» إنّ «الناس خائفةٌ فعلًا، لأن أي حديثٍ عن العجز أو خفض الاحتياطي يعني احتمال تراجع قيمة الدينار أو تأخير الرواتب، والأسواق بدأت تتأثر حتى قبل صدور أي إجراءٍ فعلي».
أما الموظف الحكومي حيدر عبد الرزاق فيعبّر عن قلقه قائلًا: «نحن نعيش على الراتب، وإذا حصل أي تأخيرٍ فسنواجه ضائقةً حقيقية، فالأسعار في ارتفاعٍ والالتزامات كثيرة. المواطن لم يعُد يثق بالتصريحات التي تتحدث عن الاستقرار المالي».
يرى اللامي أنّ «مواجهة الأزمة تتطلب إرادةً سياسيةً لإجراء إصلاحاتٍ هيكليةٍ تشمل تنويع الإيرادات، خفض الإنفاق غير المنتج، وتحفيز القطاع الخاص»، مشيرًا إلى أنّ «التوازن بين السياسة النقدية والمالية هو السبيل الوحيد لتجنّب الانهيار».
ويخلص إلى أنّ «استمرار الاعتماد على النفط دون تنويع الاقتصاد يعني أن كل هبوطٍ في الأسعار سيتحول إلى أزمةٍ معيشيةٍ مباشرة تمسّ المواطن والموظف قبل أي قطاعٍ آخر».
قرارات البنك المركزي.. مخاوف من أزمة مالية وتأخير في الرواتب!

نشر في: 21 أكتوبر, 2025: 12:03 ص









