بقلم: د. غادة حسين العاملي
يعدّ المقال البحثي “الاتجاهات الحديثة في بحوث صناعة المحتوى الاعلامي الرقمي” للباحثة أميرة محمد محمد سيد أحمد، والمنشور في المجلة المصرية لبحوث الاتصال ا
تأتي هذه المراجعة لتسليط الضوء على القيمة العلمية للمقال، وقراءة نتائجه في ضوء التطورات المتسارعة في اخراج المحتوى الرقمي خلال عامي 2023 و2024.
عرض المقال
ترصد الباحثة في دراستها التوجهات الحديثة في بحوث الاعلام الرقمي من خلال تحليل عينات واسعة من الدراسات العربية والاجنبية، وتبيّن كيف تحوّلت صناعة المحتوى الى منظومة متكاملة تجمع بين التحرير، الاخراج، والادارة التقنية.
تركّز المقالة على فكرة ان التحول الرقمي لم يعد محصورا في الانتقال من الورق الى الشاشة، بل في تغيّر البنية الذهنية والفنية للمؤسسات الاعلامية، حيث اصبح الانتاج يعتمد على التكامل بين التفكير التحريري والتصميم البصري وتحليل البيانات.
وقد صنّفت الباحثة الاتجاهات الجديدة في اربعة محاور اساسية:
1. تعدد المنصات وضرورة تكييف الاخراج لكل وسيلة رقمية.
2. المحتوى التفاعلي الذي يجعل الجمهور شريكا في صناعة الرسالة.
3. الذكاء الاصطناعي كأداة لتحليل سلوك الجمهور واقتراح القوالب الاخراجية.
4. الهوية البصرية كعنصر اتصالي يؤثر في ثقة الجمهور ومصداقية الوسيلة.
تحليل نقدي لموقع الاخراج في الدراسة
تظهر الدراسة وعيا متقدما بكون الاخراج ليس مرحلة نهائية في عملية الانتاج، بل بنية تفكير واتصال بصري ترافق الفكرة منذ ولادتها حتى تقديمها للجمهور.
فالاخراج في نظر الباحثة يتحول من “شكل” الى “استراتيجية” تهدف الى توحيد التجربة المعرفية والبصرية للمتلقي عبر كل المنصات.
كما تشير الى ان القرارات الاخراجية الحديثة لم تعد تخضع فقط للذائقة الفنية، بل لبيانات الجمهور ومعايير الاداء الرقمي (زمن المشاهدة، نسب التفاعل، سرعة التصفح)، ما يجعل المخرج اليوم اقرب الى محلل بيانات منه الى مصمم جرافيك.
ومن زاوية اخرى، تفتح الدراسة افاقا جديدة لمفهوم الاخراج التفاعلي، الذي يدمج النص والصورة والصوت والحركة في واجهة واحدة، ويتعامل مع المتلقي كفاعل يغيّر ترتيب المحتوى وفق اهتماماته.
نقاط القوة في المقال
1. المنهج التحليلي الشامل الذي ربط بين النظرية والممارسة الميدانية.
2. تحديث المفاهيم التقليدية (كالتحرير، الانتاج، الاخراج) لتتناسب مع بيئة الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي.
3. تركيزها على الهوية البصرية كمؤشر على تطور الوعي المؤسسي داخل غرف الاخبار الرقمية.
4. القدرة على التنبؤ بالاتجاهات المقبلة في بحوث الاعلام، خصوصا ما يتعلق بدمج الوعي التصميمي بالتحليل المعرفي.
ملاحظات نقدية
على الرغم من اهمية الدراسة، الا انها لم تتعمق بما يكفي في البعد الجمالي والادراكي للاخراج الرقمي، اذ ركزت على التحولات الادارية والمنهجية اكثر من تحليل الخطاب البصري ذاته.
كما ان موضوع الذكاء الاصطناعي التوليدي، الذي بدأ يغيّر جوهر عملية الاخراج، لم يحظ بتفصيل كافٍ في الدراسة رغم اهميته المتزايدة في العام نفسه.
ومع ذلك، يبقى المقال وثيقة اساسية لفهم كيفية تحوّل غرف الانتاج والاخراج في الاعلام العربي نحو العمل الرقمي المتكامل.
دلالات المراجعة
من خلال مراجعة هذا العمل يمكن القول ان الاخراج في الاعلام الرقمي بات اليوم يمثّل العقل المنظم للمحتوى، وليس مجرد المظهر البصري له.
وانّ الاتجاه الذي رصدته الباحثة في 2023 ما زال يتطور في 2024 و2025 نحو المزيد من التكامل بين المخرج والمحرر والمصمم، في بيئة تفاعلية تقودها البيانات.
ان فهم هذا التحول يساعد الجامعات والمؤسسات الاعلامية على اعداد جيل جديد من المخرجين الرقميين، يجمع بين الحسّ الفني والوعي التكنولوجي، بين الذائقة والمعرفة، وبين الانسان والتقنية.
يبقى مقال أميرة محمد سيد أحمد (2023) علامة فارقة في الادبيات العربية حول صناعة المحتوى الرقمي،
لانه يقدّم صورة علمية دقيقة عن موقع الاخراج في قلب التحول الاعلامي.
وبالنسبة للباحثين والممارسين، فهو نص يذكّر بأن الجمال في الاعلام الرقمي لم يعد تفصيلا شكليا، بل بنية فكرية تنتج الوعي ذاته.
المقال “الاتجاهات الحديثة في بحوث صناعة المحتوى الإعلامي الرقمي” للباحثة أميرة محمد محمد سيد أحمد نُشر في المجلة المصرية لبحوث الإعلام، المجلد 2023، العدد 84 (يوليو 2023)، الصفحات 791-846.
