TOP

جريدة المدى > عام > سلمان خان وتطبيق التعليم الذكي AI خانميغو

سلمان خان وتطبيق التعليم الذكي AI خانميغو

كلمات جديدة شجاعة

نشر في: 22 أكتوبر, 2025: 12:13 ص

لطفية الدليمي
عندما نشر الروائي ألدوس هكسلي Aldous Huxley روايته التاريخية عالم جديد شجاع Brave New World عام 1932، كان منقاداً برؤية مستقبلية لتطوّر العلم تنبئ بالحذر والتحسّب ممّا قد تؤول إليه مفاعيل التطوّر العلمي والتقني ومنعكساتهما على الإقتصاد والسياسة. يبدو أنّ مهندس البرامجيات ومبتكر النمط الثوري الجديد في التعليم الرقمي سلمان خان Salman Khan إستأنس أفكار هكسلي ففكّر في كتابة كتاب جديد أراد من عنوانه أن يتصادى في الإيقاع مع كتاب هكسلي. اختار خان لكتابه الجديد عنوان (كلمات جديدة شجاعة Brave New Words) مع عنوان ثانوي يكشف عن طبيعة موضوعه (كيف سيعمل الذكاء الإصطناعي على تثوير التعليم، ولماذا يعدُّ هذا أمراً طيّباً؟). يمكنُ في السياق العام ملاحظة اختلافيّن جوهريين بين الكتابيْن: كان هكسلي يتحرّك بدفعٍ من رؤية ديستوبية شديدة التحسّب؛ أمّا خان فنراه يحلّقُ بجناحين من أجنحة بروميثيوس المحمّلة بوهج الثمار المتخيّلة للثورة القادمة. أما التمايز الثاني فيكمنُ في أنّ هكسلي رسم ملامح صورة عامة متخيّلة (أقرب إلى روايات الخيال العلمي) عن مستقبل بشري؛ في حين أنّ خان يحكي عن ثورة علمية-تقنية كان هو المبادر للبدء في إذكاء جذوتها المتقدة، وأعني بها ثورة التعليم الرقمي والمنصّات التعليمية المجانية.
كان المستقبل المهني لخان (المولود عام 1977) يبشّرُ بجوائز ثمينة تنتظره قريباً؛ فقد إلتحق بعد إكمال دراسته الثانوية بتفوّق بمعهد ماساتشوستس التقني MIT لدراسة مشتركة بين الرياضيات والهندسة الكهربائية وعلم الحاسوب، وبعدما أكمل الدراستيْن بتفوّق ملحوظ شاء إكمال دراسته العليا (الماجستير) في الهندسة الكهربائية، وبعدما أتمّ هذه الدراسة شاء أن يضيف لدراسته شهادة ماجستير أخرى في إدارة الأعمال من جامعة هارفرد.
في عام ٢٠٠٦ أسّس خان أكاديمية خان Khan Academy لمشاركة محتوى الدروس الخصوصية الذي أنشأه لأفراد العائلة الأصغر سناً مع جمهور أوسع. منذ ذلك الحين ساعدت منصّته التعليمية عبر الشبكة العالمية (الإنترنت) في تعليم أكثر من ١٥٠ مليون شخص حول العالم.
فصلًا تلو الآخر، يُطلِعُ خان القرّاء على تنبؤاته – التي تحقق بعضها منذ تأليف الكتاب أواسط عام 2024 – حول تطبيقات الذكاء الإصطناعي العديدة في التعليم. رؤية خان بشأن التعليم هي التالية: سيُحسّن الذكاء الإصطناعي بشكل جذري كلاً من نتائج الطلّاب وتجارب المعلمين، وسيُسهم في بناء مستقبل يُتاحُ فيه للجميع الوصولُ إلى تعليم عالي المستوى وعلى نطاق عالمي.
قد يميل كثيرون منّا إلى تفضيل مُقاربة تشكيكية في رؤية خان، وبخاصّة إذا كان ممّن يتابعون حركة التقنية التعليمية من غير انقطاع. أظنّ أنّ السبب واضح: لعقود عديدة تصدّرت التقنيات والإبتكارات المُثيرة عناوين الصحف، مصحوبةً بوعود جريئة مماثلة لإحداث ثورة في التعلّم والتعليم كما نعرفهما؛ ولكن دون أن تُحدث تأثيراً يُذكر في الفصول الدراسية الحقيقية. لكنّ الامر مع خان يختلف تماماً لو درسنا بدقّة أراءه وتطبيقاته التي تتأسّس على خبرة حقيقية ولا تكتفي بالوعود التبشيرية يوتوبية الطابع. أنشأ خان – بالإعتماد على خبرته التقنية الشخصية – تطبيقاً تعليمياً أسماه خانميغو Khanmigo، وهو مُعلّم مُدعم بالذكاء الإصطناعي. يُقدّم خان حجة مُقنعة مفادُها أن التقنيات المُدعمة بالذكاء الإصطناعي ستكون مُختلفة؛ ذلك بعد أن صار بمستطاعنا أخيراً بلوغُ طريقة لتزويد كلّ طالب بالتعليم والدعم والتوجيه المُخصّص والمصمّم للإيفاء بمتطلباته الشخصية، وهو ما يوصفُ بالتعليم المشخصن Personalised Education ، وهو النمط الذي كان سابقاً بعيداً عن متناول معظم الأطفال في معظم الفصول الدراسية. يصف خان هذا الأمر في كتابه بكلمات بسيطة شديدة الوضوح: «إن توفير مُعلّم بشري مُخصّص للإيفاء بإحتياجات كل طالب عند الطلب أمرٌ مُكلف للغاية وعسير على التنفيذ؛ أما مُعلّمو الذكاء الإصطناعي فليسوا كذلك».
الأمثلة على التعليم المشخصن وقدراته الهائلة كثيرة للغاية. يقدّمُ خان أمثلة من بيئة التعليم الأمريكي. تخيلْ مثلاً: أنت طالب في الصف السابع (وهو ما يعادل الأوّل ثانوي في مدارسنا العربية)، وتجد صعوبة في مواكبة الرياضيات. لكن الآن لديك مُعلّم ذكاء اصطناعي،مثل الذي يصفه خان، بجانبك. أثناء حلّك لمجموعة من مسائل الكسور الصعبة لن يُقدّم لك الحل فحسب؛ بل سيُقسّم كل مسألة إلى خطوات سهلة الفهم. عندما تواجه صعوبة في كلّ خطوة سيُقدّم لك تفسيرات سهلة الفهم، ودفعة لطيفة نحو الطريق الصحيح. عندما تحصل أخيرًا على الإجابة الصحيحة سيُولّد برنامج التعليم المدعم بالذكاء الإصطناعي تقديم أسئلة تدريبية مُحدّدة تُساعدك على بناء فهمك وثقتك بنفسك.
ليس الأمر مقتصراً على الرياضيات وحدها. بمساعدة مُعلّم الذكاء الإصطناعي يمكنُ أن يُصبح الماضي حياً بطرق رائعة. أثناء تعلّمك عن قيادة أبراهام لينكولن خلال الحرب الأهلية، يُمكنك إجراء «حوار» مع الرئيس السادس عشر نفسه. يمكن أن يحصل الأمر، كما يوضّح خان في كتابه، مع أية شخصية أدبية تحبها وتفضّلها.
الأمر ليس قصراً على الرياضيات والأدب والتاريخ والبيولوجيا والفيزياء والكيمياء. حتى كتابة المقالة Essay Writing ستكون واحدة من الموضوعات التي يهتمّ بها التعليم المدعم بالذكاء الإصطناعي. عندما يحين وقت كتابة مقال فليس على الطالب أن يقلق بشأن الصفحة الفارغة المُزعجة التي لا يعرف كيف السبيل للبدء في نقل أفكاره إليها. بدلاً من القلق غير المنتج سيطلب مُعلّم الذكاء الإصطناعي من الطالب مُحفّزات ذهنية لمساعدته على العصف الذهني. سيحصل الطالب على ملاحظات حول مخطط مقترح للمقالة في ثوانٍ، مع نصائح لتحسين المنطق أو الجوانب التي تحتاج إلى مزيد من البحث. أثناء صياغة مسودة إبتدائية للمقالة سيُقيّم معلّم الذكاء الإصطناعي كتابة الطالب بطريقة فورية – وهو أمرٌ يقع في مرتبة الإستحالة بدون هذه التقنية – ويُبيّن له أين يُمكنه توضيح أفكاره، أو تقديم المزيد من الأدلة، أو مُعالجة حجة مُضادة. قبل تقديم المقالة في صيغتها النهائية سيُقدّم المُعلّم الإصطناعي اقتراحات مُفصّلة لتحسين اللغة وتوضيح مسائل إشكالية محدّدة.
الموضوعة الأساسية التي يتوجّب التأكيد عليها هي أنّ الذكاء الإصطناعي ليس محض ثورة تقنية جديدة بل هو عصرُ تنوير جديد؛ لذا لن يكون إتقان الذكاء الإصطناعي مجرد أمرٍ مُحببٍ خلال بضع سنوات بل سيكون أمراً ضرورياً للعديد من المهن. الموظفون الذين يستطيعون استخدام الذكاء الإصطناعي بفعالية سيكونون أكثر قيمةً بكثير من غيرهم. نحن عندما نعمل على دمج هذه التقنية في التعليم فإنّنا إنّما نُحسّن تجارب الطلاب ونتائجهم، ونُعدّهم لوظائف المستقبل التي ستصبح أكثر متعةً وإشباعاً مع وجود الذكاء الإصطناعي. هذا يشمل وظيفة التدريس أيضاً؛ فمع كل ابتكارٍ تقني يمثلُ انعطافة كبرى في حياتنا تُثار مخاوف من استيلاء الآلات على الوظائف؛ ولكن عندما يتعلق الأمر بالتعليم فليس على المرء سوى أن يتفق مع رؤية خان التي أوردها في كتابه: أدوات الذكاء الإصطناعي والمعلمون لا يُمكنهم أبداً، ولا ينبغي لهم أبداً، أن يحلوا محل المعلمين. ما يُمكن للذكاء الإصطناعي فعلُهُ هو دعمهم وتمكينهم.
مع الذكاء الاصطناعي يُمكن للمعلّمين الحصولُ على مُساعد تدريس خارق للتعامل مع المهام الروتينية مثل تخطيط الدروس وتصحيحها، والتي تستغرق ما يقرب نصف يوم المعلم العادي. في ثوانٍ يُمكن لمساعد الذكاء الإصطناعي تصحيحُ اختبارات الإملاء أو إنشاء خطة درس تربط الثورة الصناعية بالأحداث الجارية، ويمكنه أيضاً مراقبةُ تقدم كل طالب وإعطاء المعلمين ملاحظات فورية، ممّا يسمح بعصر جديد من التعلم الشخصي المقترن بالشغف ولذّة الإكتشاف. فضلاً عن ذلك، ومع وجود مساعدي الذكاء الإصطناعي الذين يتولون المهام اليومية، يمكن للمعلمين التركيزُ على ما يجيدونه: إلهام الطلاب، وبناء العلاقات، والتأكّد من أنّ جميع الطلّاب يشعرون بالإهتمام والدعم وبخاصةً الأطفال الذين يحتاجون إلى القليل من المساعدة الإضافية.
بالطبع لكلّ تقنية جديدة محاذير وتحدّيات يتوجّبُ الإنتباه لها، وهذا ما لا يتغاف عنه خان في حومة تبشيره بالثورة التعليمية القادمة. يشير خان إلى أنّ هناك تحديات تواجه إدخال الذكاء الإصطناعي إلى المدارس على نطاق واسع. نحن في مسيس الحاجة إلى أنظمة تحمي خصوصية الطلاب وتخفف من التحيزات، ثمّ لا يزال هناك الكثير مما يجب فعله حتى يتمكّن كل طفل من الوصول إلى الأجهزة والإتصال اللازمين لإستخدام الذكاء الإصطناعي في المقام الأول. لا توجد تقنية تُعتبر حلاً سحرياً للتعليم؛ لكنّ الذكاء الإصطناعي يمكن أن يُحدث تغييراً جذرياً ويُحقق مساواة كبيرة بين المتعلّمين.
كتاب خان متخم بالوعود البروميثيوسية الجامحة، وهي وعود ليست بعيدة أو عسيرة التحقق. نحن نشهد تحقق بعضها في أيامنا هذه، وسنشهد تسارعاً حثيثاً في تحقيقها في السنوات القليلة القادمة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

بروتريه: فيصل السامر.. قامة شامخة علماً ووطنيةً

موسيقى الاحد: 250 عاماً على ولادة كروسيل

الحكّاء والسَّارد بين "مرآة العالم" و"حديث عيسى بن هشام"

في مجموعة (بُدْراب) القصصية.. سرد يعيد الاعتبار للإنسان ودهشة التفاصيل الصغيرة

شخصيات اغنت عصرنا.. الملاكم محمد علي كلاي

مقالات ذات صلة

الكاتب يقاوم الغوغائية والشعبوية والرقابة
عام

الكاتب يقاوم الغوغائية والشعبوية والرقابة

أدارت الحوار: ألكس كلارك* ترجمة: لطفية الدليمي يروى كتابُ مذكرات لي ييبي Lea Ypi ، الحائز على جائزة، والمعنون "حُرّة Free" تجربة نشأتها في ألبانيا قبل وبعد الحكم الشيوعي. أما كتابُها الجديد "الإهانة indignity"...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram