علي حسين
في مجتمعٍ تم تجريده من الحق في محاسبة السياسي والمسؤول، وحرمانه الاقتراب من قلاعهم الحصينة، يغيب التواصل بين الناس والسلطة، ويجد المسؤول الكبير أن اللقاء بالمواطنين والتحدث إليهم نوع من انواع الفضل الذي عليهم أن لاينكروه باعتباره إنجازاً تاريخياً .
في ظل هذه الأوضاع التي يبني فيها المسؤولون سدوداً بينهم وبين الشعب، يصبح من العجائب أن يعرف المواطن ما هي اهتمامات رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء أو من يجلس على كرسي رئيس البرلمان، فهذه أمور لا يجوز طرح الأسئلة عنها .
بالأمس وأنا أطالع بعض المواقع الإخبارية لفت نظري فديو للرئيس الفرنسي الاسبق ساركوزي وهو يسير الى السجن لينفذ حكما قضائياً بالحبس، واخبرتنا القنوات الفضائية الفرنسية إن السؤال الذي شغل الرأي العام الفرنسي لم يكن فقط عن حالته الصحية أو ظروف اعتقاله، بل: ما الذي حمله ساركوزي معه خلف القضبان؟، فقد اكتشفت الصحافة ان ساركوزي اختار رواية تعبر عن حالته النفسية والفكرية في هذه المرحلة العصيبة. فقد اصطحب معه رواية "الكونت دي مونت كريستو"، للكاتب ألكسندر دوما، تلك القصة الخالدة عن "إدمون دانتيس" الرجل الذي سُجن ظلماً قبل أن يتمكّن من الهروب ويعود لينتقم من جلاديه.
دائماً ما أسأل نفسي: ما الكتاب الذي سيحمله معه المسؤول العراقي الذي سيقدم للمحاكمة بتهمة الفساد، سيقول البعض يارجل وهل يجرؤ القضاء ان يقدم رأسا كبيرة الى المحاكمة أو ان يجعلها تقضي ليلة في زنزانة، فالتاريخ سيذكر ان هذه البلاد منحت الحرية " للمفكر " نور زهير بعد ان لفلف اكثر من ثلاثة مليارات من الدولارات، ولكن مع هذا دعونا نحلم : ما هو الكتاب الذي سياخذه معه اكبر مسؤول عراقي لو تمت محاسبته "لا سامح الله"؟ سيقول البعض ساخراً يارجل معظم ساستنا يعشقون مكيافيلي من خلال السماع وطبقوا مبادئه في السياسة من دون أن يقرأوا كتابه "الأمير".
وما دمنا في حديث الاخبار فقد كشف مصدر اعلامي أن الإنفاق الفعلي لمكتب رئيس الحمهورية العراقية بلغ أكثر من 27 مليار دينار خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي، وهذا يعني بلغة الارقام ان رئيسنا انفق ما يقارب الاربعة مليارات من الدنانير كل نهاية شهر، في وقت يتمنى فيه مواطن عراقي ان يحصل من الدولة على راتب حماية لايتجاوز الت " 200 " الف دينار .
لا يعترف المسؤول والسياسي العراقي بالخطأ ويعتقد أن الخطأ والصواب لا علاقة لهما بالفشل.. حين تحول العراق، من أغنى دولة عربية إلى بلد يخضع لقوانين العشائر ومصطلحات " الكوامة " ومفردة " من يا عمام ؟" .









