بغداد/ سجى رياض
يعاني الدينار العراقي من ضغوط متزايدة، تمثّلت مؤخرًا في فقدانه نحو 5 % من قيمته أواخر عام 2024، في ظلّ تحديات داخلية وخارجية أبرزها تراجع الاحتياطيّ النقديّ، وارتفاع الطلب على الدولار في الأسواق الموازية، والاعتماد المفرط على الإيرادات النفطية.
وبهذا الصدد، يرى صادق الركابي، مدير البحوث الاقتصادية في المركز العالمي للدراسات التنموية في المملكة المتحدة، أن تراجع الدينار يرتبط جزئيًا بعدم التزام بعض المصارف بالقواعد الرقابية، إضافةً إلى القيود الأمريكية المشدَّدة على التحويلات الخارجية، ولا سيما تجاه إيران.
وأشار إلى أن تهريب الدولار والتساهل في التعامل مع العقوبات المفروضة على طهران، قلّلا من توافر الدولار في السوق العراقية، ما أدى إلى ارتفاع قيمته أمام الدينار.
سوق موازية تفتك بالثقة
تفاقمت الأزمة مع نشاط السوق الموازية، حيث يهيمن الدولار على التعاملات، ويضعف قيمة الدينار تدريجيًا. وبيّن الركابي أن الاعتماد المزمن على النفط، وضعف الإنتاج المحلي، يُبقي الدينار عرضة للتراجع، دون سند إنتاجي حقيقي يسانده.
وأبرز الركابي معضلة أخرى تتمثل في انعدام الثقة بين المواطنين والنظام المصرفي، مشيرًا إلى أن نحو 98 تريليون دينار عراقي متداولة خارج دائرة البنوك، ما يعكس غياب الثقة بالقطاع المصرفي، فضلًا عن غياب التطوير المصرفي لجذب المودعين.
تداعيات مستقبلية مقلقة
وحذّر الركابي من أن استمرار تراجع الدينار قد يؤدي إلى تضخم وارتفاع الأسعار، ممّا يدفع القطاع الخاص إلى الإحجام عن الاستثمار أو عن التوسّع، ويؤخر عجلة التنمية.
ورغم ذلك، أبدى تفاؤله بوجود احتياطيات كبيرة وتوجّه الحكومة لتنويع الاقتصاد، ممّا قد يدعم الاستقرار على المدى البعيد.
من جانبه، أكّد مستشار رئيس الوزراء للشؤون المالية، مظهر محمد صالح، أن استقرار العملة يتطلّب تنسيقًا بين البنك المركزي والحكومة، مع انفتاح أكبر على المؤسسات الدولية، وتفعيل أدوات السياسة الاقتصادية وفق رؤية تنموية شاملة.
وأشار إلى نجاح السياسة النقدية في كبح جماح التضخّم لأقل من 3%، مدعومةً باحتياطياتٍ أجنبيةٍ تلامس 100 مليار دولار، وسعر صرف رسمي ثابت عند 1320 دينارًا لكل دولار.
وأضاف أن تنويع الإيرادات غير النفطية من خلال إصلاح النظام الضريبي وتطوير الرقابة الجمركية، يُعدّ ركيزة لتحقيق توازن اقتصادي مستدام.
كما شدّد على أهمية التحوّل نحو الاقتصاد الرقمي وتوسيع الشمول المالي، حيث ارتفعت نسبة البالغين الذين يمتلكون حسابات مصرفية إلى 40% خلال عام واحد فقط.
الشفافية مفتاح الاستقرار
أما الخبير الاقتصادي أحمد عبد ربه، فدعا إلى حزمة متكاملة لضبط السوق، تشمل ضبط الإنفاق العام، وتوسيع القاعدة الإنتاجية، وتنظيم حركة الدولار.
وأكّد على أهمية الشفافية في مزاد العملة وتشديد الرقابة على التحويلات الخارجية، مع ضرورة استخدام الاحتياطيّ النقديّ بحذر.
كما اعتبر الاستقرار السياسي عاملًا حاسمًا لحماية قيمة الدينار، مشيرًا إلى أن أي اضطرابات تعزّز الطلب على الدولار كملاذ آمن وتضغط على العملة المحلية.
وفي ختام حديثه، شدّد عبد ربه على أن بناء اقتصاد متنوّع قادر على توليد العملة الصعبة من قطاعات غير نفطية يُعدّ السبيلَ الوحيدَ لتحصين الدينار من تقلبات السوق والسياسة.










