TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العراق يخرّج المهندسين والأطباء.. لكنه يستورد خبراتهم!

العراق يخرّج المهندسين والأطباء.. لكنه يستورد خبراتهم!

نشر في: 23 أكتوبر, 2025: 12:02 ص

د.سهام يوسف علي

رغم أن العراق يخرّج آلاف المهندسين والأطباء كل عام، يظل الاعتماد على الخدمات الأجنبية هائلًا، خصوصًا في المجالات الفنية والهندسية. فقد كشف رئيس غرفة التجارة الإيرانية – العراقية المشتركة، يحيى آل إسحاق، أن العراق يستورد حوالي 70% من خدماته في هذه القطاعات، فقد صدّرت إيران وحدها خدماتٍ فنيةً هندسيةً إلى العراق بقيمة 128 مليون دولار خلال ستة أشهر، وتتراوح الصادرات السنوية بين 300 و400 مليون دولار، بما فيها مشاريع البنية التحتية الكبرى، والخدمات التقنية والهندسية المتخصصة. هذه الحقيقة تضع أمامنا سؤالًا صارخًا: هل خبراتنا الوطنية غائبة أم مستبعدة؟
التناقض صارخ. آلاف الخريجين من كليات الهندسة والطب يتطلعون إلى وظائف وفرص لتطبيق مهاراتهم، لكن مشاريعنا الوطنية تُدار غالبًا بواسطة شركات أجنبية. المال يُنفق، والكفاءات تبقى حبيسة البطالة أو تغادر البلاد بحثًا عن فرص في الخارج. أسباب هذا الواقع واضحة: ضعف التدريب العملي، بطء الإجراءات الحكومية، غياب سياسات واضحة لتوظيف الخريجين في المشاريع الوطنية، وتفضيل العقود الأجنبية السريعة على حساب الكفاءات المحلية.
ما معنى استيراد الخدمات؟
ببساطة، يعني أن الدولة أو الشركات العراقية تلجأ إلى شركات أجنبية لتقديم خبراتٍ أو تنفيذ مشاريع كان من الممكن أن تقوم بها الكوادر الوطنية. وتشمل هذه الخدمات: الهندسة، وإدارة المشاريع الكبرى، والاستشارات الفنية والإدارية، وتكنولوجيا المعلومات والبرمجيات، والتدريب والتعليم المهني، والخدمات المالية والمصرفية المتخصصة.
ماذا يعكس هذا الوضع؟
أولًا، ضعف البنية الإنتاجية والمعرفية: 70% من الخدمات مستوردة، وهذا يعني أن الجامعات والشركات المحلية لم تبنِ قدرات كافية لتلبية الطلب على الخبرات الفنية والهندسية.
ثانيًا، اعتماد الدولة على الخارج: مشاريع البنية التحتية الكبرى تُدار غالبًا بواسطة شركات أجنبية، ما يجعل العراق مستهلكًا للتنمية بدلًا من أن يكون منتجًا لها.
ثالثًا، تأثير على سوق العمل: الكفاءات العراقية تُهمَّش، ويزداد إحساس المهندسين والفنيين بالبطالة أو الهجرة إلى الخارج.
رابعًا، نزيف اقتصادي: الأموال التي تُنفق على الخدمات الأجنبية غالبًا ما تخرج من الاقتصاد المحلي، بدلًا من أن تُعيد دورة التنمية داخله.
ما نستورده ليس مجرد مواد أو معدات، بل معرفة وخبرة بشرية في الهندسة وإدارة المشاريع الكبرى، والاستشارات الفنية والإدارية، وتكنولوجيا المعلومات، والتدريب المهني، والخدمات المالية المتخصصة. المال يُنفق مقابل الخبرة بدل أن يُستثمر في بناء القدرات الوطنية، وهذا يخلق دائرة مستمرة من الاعتماد على الخارج واستنزاف الموارد.
العواقب ليست نظرية، بل حقيقية: نزيف مالي هائل يخرج من الاقتصاد المحلي، وإهمال الكفاءات الوطنية، وتأخر التنمية التي يُفترض أن يقودها أبناء البلد أنفسهم. إذا أردنا كسر هذه الدائرة، يجب أن نعيد ترتيب أولوياتنا: تطوير التعليم التقني والهندسي وربطه مباشرة بسوق العمل، وتشجيع القطاع الخاص المحلي على تنفيذ المشاريع الكبرى، وإلزام الشركات الأجنبية بنقل المعرفة، وتعزيز ثقافة الابتكار والإنتاج المحلي لبناء سيادة اقتصادية حقيقية.
استيراد 70% من خدمات العراق ليس مجرد رقم في تقرير، بل مرآة ضعفنا المؤسسي والمعرفي. رغم وجود آلاف الخريجين المؤهلين، يبقى الاعتماد على الخارج هائلًا، ما يهدد التنمية ويهدر الموارد. إذا أراد العراق أن يتحول إلى دولة منتجة ومستقلة، فعليه أن يحوّل هذا الاعتماد إلى فرصة لبناء القدرات المحلية، قبل فوات الأوان.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

"دبلوماسية المناخ" ومسؤوليات العراق الدولية

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram