TOP

جريدة المدى > محليات > حرب إلكترونية صامتة فوق العراق: تشويش غير مسبوق يربك خدمات GPS ويكشف هشاشة الفضاء السيبراني

حرب إلكترونية صامتة فوق العراق: تشويش غير مسبوق يربك خدمات GPS ويكشف هشاشة الفضاء السيبراني

نشر في: 27 أكتوبر, 2025: 12:02 ص

 متابعة / المدى

تشهد بغداد ومحافظات عراقية منذ أكثر من أسبوع اضطرابات واسعة في خدمات تحديد المواقع (GPS)، ما تسبب بشلل جزئي في تطبيقات التوصيل والملاحة وأربك حركة النقل والأنشطة اليومية. يرجح مختصون أن التشويش مرتبط بإجراءات أمنية مرتبطة بالانتخابات، في حين يرى آخرون أنه شكل جديد من الحرب الإلكترونية الإقليمية يسلّط الضوء على ضعف حماية الفضاء السيبراني العراقي.

ففي الوقت الذي تتزايد فيه شكاوى سائقي التوصيل والشركات العاملة بالتطبيقات الذكية من تعطل الخرائط وظهور مواقع خاطئة، تتزامن هذه الاضطرابات مع مؤشرات على نشاط إلكتروني معقّد يمتد من الحدود الشرقية للعراق حتى أجواء بغداد.
ويرى مراقبون أن التشويش المتكرر لم يعد مجرد خلل تقني عابر، بل تحوّل إلى أداة ضغط واختبار أمني في ساحة تتقاطع فيها مصالح قوى إقليمية ودولية، ما يثير تساؤلات حول قدرة العراق على حماية فضائه السيبراني وضمان استقرار خدماته الحيوية.
وأكد أحد سائقي التوصيل في شارع 62 الكرادة وسط بغداد أن «الخرائط في التطبيقات تتعطل أو تُظهر مواقع خاطئة للزبائن أو المطاعم، ما يضطرنا إلى الاتصال هاتفياً لتحديد العنوان يدوياً، وهو ما يقلل من كفاءة العمل ويضاعف الجهد».
وقال سائق آخر: «أحيانًا يرسِلني التطبيق إلى شارع مختلف تماماً عن الموقع الحقيقي، أو يتوقف النظام نهائياً. في اليوم الواحد نخسر أكثر من ساعة بسبب الأخطاء في تحديد الاتجاه».
ولم تقتصر المشكلة على الأفراد، بل امتدت إلى شركات التوصيل التي تعتمد على تتبّع السائقين لحساب الوقت والتكاليف؛ إذ يؤدي الخلل في نظام الـGPS إلى اضطراب في توزيع الطلبات وحساب المسافات بدقة.
يطالب العاملون في مجال التوصيل وزارة الاتصالات والجهات الأمنية بتوضيح رسمي حول طبيعة التشويش ومداه الزمني، وتوفير بدائل تقنية أو فترات تنظيمية لتقليل الضرر على الأعمال اليومية.
وعلّق المختص بالشأن التقني عثمان أحمد أكرم بالقول إن «سبب تعطيل خدمات التوصيل هو التشويش على إشارات GPS، ما يؤدي إلى التلاعب بمواقع الأجهزة الذكية وجعل التطبيقات تظهر المواقع بشكل غير دقيق، مما يسبب ضياع المركبات وتأخير عمليات التوصيل». وأضاف أن «التشويش يتم عبر بث إشارات راديو أقوى من إشارات GPS، بينما التزييف يعني بث إشارات GPS مزيفة لخداع أجهزة الاستقبال وجعلها تحسب موقعاً غير صحيح»، مشيراً إلى أن «التداخل الكهرومغناطيسي للأجهزة الإلكترونية القريبة قد يضعف أو يعيق إشارات GPS، ما ينعكس سلباً على العمل والتنقل».
ولاحظ عدد من سكان المنطقة الخضراء ومناطق قريبة توقف أنظمة الملاحة في تطبيقات مثل Waze وGoogle Maps، بينما أكد عاملون في خدمات التوصيل وجود صعوبات تعيق أداء عملهم، ولم يتمكن أصحاب طائرات التصوير المسيّرة من تشغيلها أو تسييرها.
وتداولت منصات على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام القليلة الماضية أن قيادة العمليات المشتركة وجهت بتفعيل أجهزة تشويش في بغداد للحماية من الطائرات «الدرون» المسيرة حتى انتهاء الانتخابات، بالمقابل.
وتشير بيانات فنية إلى أن التشويش يتركز في مناطق شمال وشرق العراق، وبالتحديد على امتداد الحدود العراقية — الإيرانية. كما سجلت بعض الرحلات العابرة للمجال الجوي العراقي خلال شهور آذار ومارس وأيار ومايو وأيلول وسبتمبر 2025 اضطرابات مشابهة، ما يشير إلى نمط دوري للحوادث وليس واقعة عابرة.
وهذه ليست المرة الأولى التي تُسجَّل فيها حوادث تشويش داخل العراق؛ فمنذ عام 2023 رصدت منظمات متخصصة في الطيران المدني ارتفاعاً في حوادث فقدان الإشارة داخل إطار معلومات الرحلات الجوية لبغداد (BAGHDAD FIR). وتكررت التحذيرات الفنية في أكثر من إشعار خلال عامَي 2024 و2025، مما يوضح أن العراق أصبح من المناطق الأكثر تعرضاً عالمياً لتشويش إشارات GPS.
مع تصاعد التوترات والصراعات الإقليمية، برزت ظاهرتا «التشويش» و«التلاعب» بهذا النظام كمظهر جديد من مظاهر الحروب الحديثة، لما تحمله من مخاطر على الأمن المدني والعسكري معاً. وتلجأ بعض الدول إلى هذه التقنيات لأغراض عسكرية وأمنية، ومنها حماية المنشآت الحيوية ومنع توجيه أسلحة دقيقة مثل الطائرات المسيرة أو الصواريخ، وأيضًا لأغراض استخباراتية كتجميع المعلومات وتضليل أجهزة الخصم.
التزايد في حوادث تشويش إشارات GPS داخل العراق يعكس، بحسب مراقبين، تصاعداً في وتيرة الحرب الإلكترونية الإقليمية، خاصة في مناطق تشهد نشاطاً عسكرياً أو استخباراتياً متقدماً. وبحكم موقعه الجغرافي ومجاله الجوي المفتوح أمام رحلات مدنية وعسكرية، بات العراق منطقة حساسة تتقاطع فيها إشارات وأنظمة تحكم متطورة من أطراف متعددة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

مقالات ذات صلة

خسارة متوقعة لـ300 ألف فرصة عمل بسبب تأخر مستحقات المشاريع الحكومية ومقاولو ذي قار يتظاهرون أمام الخضراء
محليات

خسارة متوقعة لـ300 ألف فرصة عمل بسبب تأخر مستحقات المشاريع الحكومية ومقاولو ذي قار يتظاهرون أمام الخضراء

 ذي قار / حسين العامل كشف أكاديميون واتحاد المقاولين في محافظة ذي قار عن جانب من تداعيات تأخر صرف المستحقات المالية للشركات والمقاولين المتعاقدين على تنفيذ المشاريع الحكومية، مشيرين إلى أن الأزمة المالية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram