محمد العبيدي/ المدى
تتصاعد الأنظار نحو الانتخابات التشريعية المقررة في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر، مع دخول عدد كبير من رجال الأعمال والتجار إلى سباق الترشح، ما يعكس تنامي تأثير رأس المال في المشهد السياسي العراقي، إذ تشير المعطيات إلى مشاركة عشرات منهم ضمن قوائم وتحالفات تغطي معظم المحافظات.
ويقول مختصون إن دخول أصحاب رؤوس الأموال إلى الميدان السياسي لم يعد مجرد ظاهرة، بل تحوّل إلى مسار متجذر في الحياة السياسية العراقية، بعد أن أدرك كثير من التجار أن البرلمان والوزارات تمثل اليوم البوابة الأوسع لحماية مصالحهم وتوسيع نفوذهم، لاسيما في ظل غياب الفاصل الواضح بين الاقتصاد والسياسة.
أبعاد اقتصادية
بدوره، أكّد المحلل السياسي أحمد المياحي أن «ظاهرة مشاركة رجال الأعمال والتجار في الانتخابات العراقية أصبحت من أبرز العوامل المؤثرة في المشهد السياسي»، مشيرًا إلى أن «هذا الدعم ليس دائمًا دافعًا سياسيًا بحتًا، بل يحمل أبعادًا اقتصادية واجتماعية معقدة». ويضيف المياحي لـ(المدى) أن «بعض رجال الأعمال يستثمرون في الانتخابات أحيانًا عبر الترشح أو عبر دعم مرشحين لتحقيق مكاسب مستقبلية، تشمل الحصول على عقود ومناقصات حكومية، أو تعزيز نفوذهم في صنع القرار الاقتصادي»، معتبرًا أن «هذه الخطوة تمثل استثمارًا مدروسًا لحماية مصالحهم وتوسيع شبكة تأثيرهم». تاريخيًا، لطالما لعب المال السياسي دورًا مؤثرًا في الانتخابات العراقية منذ عام 2005، إلا أن اتساع حجم التمويل الخاص في الدورة الحالية يسلّط الضوء على علاقة جديدة بين رأس المال والتحالفات السياسية، خصوصًا مع ضعف التمويل الحزبي التقليدي وارتفاع تكاليف الحملات الدعائية التي ارتفعت، بحسب تقديرات غير رسمية.
واقع لا يمكن تجاوزه
ويشير باحثون في الشأن الانتخابي إلى أن ظاهرة تمويل التجار للمرشحين بدأت تتخذ أشكالاً أكثر تنظيمًا، إذ باتت بعض الأحزاب تمنح «المقعد المضمون» مقابل الدعم المالي، في حين يفضّل بعض رجال الأعمال الترشح المباشر ضمن قوائم كبرى لضمان النفوذ داخل البرلمان. من جانبه، أوضح المختص في الشأن الانتخابي أحمد العبيدي أن «المشاركة الاقتصادية في العملية الانتخابية باتت واقعًا يصعب تجاوزه، خصوصًا في ظل ارتفاع كلفة الحملات وتراجع التمويل الحزبي التقليدي». وأضاف لـ(المدى) أن «القانون لا يمنع رجال الأعمال من الترشح أو تمويل الحملات، لكن غياب الرقابة الفعلية يجعل بعض التمويل يتحول إلى وسيلة ضغط لاحقة داخل المؤسسات التنفيذية والتشريعية»، مشيرًا إلى أن «المال الانتخابي في العراق أصبح عاملاً حاسمًا، وهو ما يهدد مبدأ تكافؤ الفرص بين المرشحين».
ليست خطوة سلبية
في المقابل، يرى عدد من رجال الأعمال أن مشاركتهم في السياسة ليست بالضرورة خطوة سلبية، بل قد تمثل محاولة لتصحيح المسار الاقتصادي وتقديم حلول عملية لمشكلات الاستثمار والقطاع الخاص. ويقول رجل الأعمال عبدالكريم حامد إن «الحديث عن شيطنة مشاركة التجار في السياسة غير منصف»، موضحًا لـ(المدى) أن «القطاع الخاص العراقي يمتلك القدرة على إدارة الملفات الاقتصادية بشكل أفضل من السياسيين التقليديين، وأن مشاركة رجال الأعمال في البرلمان قد تُسهم في تحسين التشريعات وتشجيع النمو». ويضيف أن «رأس المال الوطني يجب أن يكون شريكًا في القرار وليس متفرجًا عليه، لأن العراق بحاجة إلى خبرات اقتصادية داخل البرلمان، وليس إلى مزيد من الصراعات الحزبية التي عطّلت الاقتصاد لسنوات». ويُلاحظ أن أغلب المرشحين من فئة رجال الأعمال يتركزون في بغداد والبصرة ونينوى وكربلاء، حيث تشهد المحافظات الغنية بالأنشطة التجارية منافسة حادة بين الائتلافات الكبرى لاستقطابهم لما يمتلكونه من قدرة مالية وتنظيمية في إدارة الحملات الانتخابية.
تجار في سباق البرلمان.. رجال الأعمال يرسمون خريطة الانتخابات العراقية

نشر في: 27 أكتوبر, 2025: 12:14 ص









